صافرة الحَكم الأمريكي

02:45 صباحا
قراءة 4 دقائق
عصام الجردي

لم يستسهل الرئيس الإيراني حسن روحاني الحواجز الأمريكية التي ستحول دون انخراط بلاده على النحو المطلوب في المجتمع المالي والاقتصادي الدولي، بعد بدء رحلة رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران. وكان عليه أن يفعل ما فعله. جال على إيطاليا وفرنسا والفاتيكان في كانون الثاني/ يناير الماضي متأبطاً حقيبة هائلة من مشاريع الصفقات، ومصطحباً وفداً ناهز المئة من رجال الأعمال ومسؤولين في القطاع العام. الأوروبيون أيضاً كانوا على دراية بصعوبة القفز من فوق الحواجز الأمريكية لإتمام الصفقات. وكانت إحداها الأضخم مع قطاع الطيران الفرنسي 27 مليار دولار أمريكي لشراء 18 طائرة طراز «إير باص». روحاني أسعفه توقيت الزيارة قبل انتخابات عامة حقق فيها مع أنصاره نجاحاً باهراً. وقد كان الاقتصاد ورفع العقوبات والمشكلات الاجتماعية في إيران الدافع الأقوى للناخبين. والرئيس الفرنسي يكابد اقتصادياً، وتراجعاً قياسياً في شعبيته في اطراد معاكس لارتفاع معدل البطالة من رقمين. الوضع شبيه في إيطاليا. ومع شركاء إيران التجاريين في دول أوروبية أخرى.
مشكلات إيران الاقتصادية والمالية ذات جذر سياسي بأدوات اقتصادية. الخصم هو الحَكم. الصافرة في متناول الأمريكي طالما إيران مدرجة في لائحة إرهاب وزارة الخزانة الأمريكية ولوائح الكونغرس. حكام التماس من الأوروبيين يلوحون بالراية، لكنهم في المحصلة يقصون عن القرار الحسم. لا الاتفاق النووي حسم إشكالات تصنيف إيران بالإرهاب. ولا بتّ في مسألة السلاح الباليستي، ولا رفع العقوبات وحسم شأن استعصاء إتمام الصفقات في إطار النظام المالي الدولي. كتبنا ذلك في «الخليج» بعد إبرام الاتفاق في تموز/ يوليو 2015، وبعد سريان المرحلة الأولى من رفع العقوبات في بداية 2016. ونبهنا إلى ما بدا «حوار طرشان» ليس عفواً بين المفاوض الأمريكي والمفاوض الإيراني، الذي يختصر الكثير مما نشهده اليوم من عسر اندماج إيران في النظام المالي الدولي للإفادة من رفع العقوبات الاقتصادية. ويتمثل في كيفية تعامل الولايات المتحدة خصوصاً والدول الأوروبية، مع اقتصاد يسيطر على مؤسساته الحيوية الحرس الثوري المصنف إرهابياً. ها هو نائب منسق العقوبات في وزارة الخزانة الأمريكية كريس باكمير، يحذر الشركات الدولية بوجوب التيقن من عدم إبرام صفقات مع مؤسسات تتصل بالحرس الثوري.
لا يقف الاستعصاء هنا، بل والتعامل بالدولار الأمريكي في الصفقات. وضمان عدم إبرام مصارف أوروبية وغيرها صفقات مع إيران من خلال فروع لها عاملة في الولايات المتحدة ما لم يتم الفصل بينها وبين إداراتها الأم. ماذا يعني الأمران؟ ببساطة، كل شيك حرر بالعملة الأمريكية عبر العالم ملاذه الأخير مقاصة فرع الاحتياط الفيدرالي في نيويورك. كما اليورو في المصرف المركزي الأوروبي في فرانكفورت. الخزانة الأمريكية قادرة على اقتفاء كل المراحل التي مرّت بها الشيكات لحظة تحريرها بالدولار الأمريكي، ومصدرها الأول وتبادلها بين الساحب ( أو الساحبين) والمستفيد ( أو المستفيدين من خلال عملية التقاص لتسوية الحسابات النهائية. الأمر الثاني يحتاج إلى إجراءات معقدة إدارية ومالية لاستقلال عمليات المصارف الأوروبية في نيويورك عن المركز. عملاق المصارف الفرنسية والعالمية «ب ان ب باري با» لم تندمل جروحه، التي أثخن بها بعد، جرّاء تغريم فرعه الأمريكي في نيويورك في 2014 تسعة مليارات دولار أمريكي جزاء تجاوزه حدود التعامل المسموح به مع إيران. رئيس اتحاد المصارف الفرنسية أبلغ مؤتمراً صحافياً الأسبوع الماضي بأن «على المصارف الفرنسية توخي الحذر في التعامل مع المؤسسات المالية الإيرانية قبل رفع الحظر المالي الأمريكي نهائياً عن إيران ومؤسساتها المالية. وعليها أن تكون شفافة وواضحة في هذا الشأن».
نائب الرئيس التنفيذي لصندوق ضمان الصادرات الإيرانية سيد أراش شاهر أيني، قال: «العمليات المصرفية التي عقدت كانت محدودة ولا تتجاوز 50 مليون دولار أمريكي. بعض المصارف الصغيرة أبدت إرادة في التعامل معنا. «أما العمليات الكبرى فتتطلب انخراط مصارف أجنبية كبرى، كنا نتعامل معها قبل العقوبات. وفي الأسابيع الأخيرة سمحت شبكة الاتصالات المالية الدولية «سويفت» بوصل بعض المصارف الإيرانية بمصارف أجنبية عدة، لكن النتائج كانت محدودة». معظم المصارف الأجنبية الرئيسية ما تزال ترفض الشيكات المسحوبة على مصرف «أمين للاستثمار» أحد أكبر المصارف الاستثمارية في إيران. على ما قال الرئيس التنفيذي للمصرف علي سانجينيان. «نحو 85 في المئة من العمليات التجارية بالدولار الأمريكي. ويتجنب الموردون والمستوردون تحمل مخاطر تلك العمليات في ظل الحظر الأمريكي الذي ما زال قائماً. وكذلك شركات الشحن البحري الكبرى مثل «برايمر غروب» وغيرها. وبحسب ناطق بلسان شركة النفط الوطنية الإيرانية فقد أبلغت الأخيرة الهند، الدولة التي تعتمد إيران مصدراً رئيسياً لاستيراد النفط، أن عليها السداد باليورو بدلاً من الدولار الأمريكي. بينما تعتمد الهند العملة الأمريكية وسيلة دفع مشترياتها الخارجية. ومعظم احتياطاتها الخارجية مقومة بالدولار الأمريكي.
الإدارة الأمريكية التي تكتفي بمراقبة هرولة الشركات الأوروبية والآسيوية في اتجاه إيران لعقد الصفقات، تعلم أن «العصمة» في يدها. وأن صافرة الحَكم الأمريكي هي التي تقرر في الملعب المالي والمصرفي الدولي. الشركات الأمريكية لاسيما في قطاعات التقانة والاتصالات والنفط، متلهفة هي الأخرى لعقد صفقات مع إيران. وتدرك أهمية منتجاتها لها، لكنها ليست على عجلة من أمرها. مع ذلك، فالخزانة الأمريكية تخير الشركات العالمية بين مصالحها معها وبين مصالحها مع إيران. الجواب ليس مجهداً. و«صافرة الحَكم جاهزة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"