طرف ثالث

على الوتر
05:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

كثيرة هي الأعمال الدرامية التي تناولت ثورة 25 يناير في مصر، أو تماست مع أحداثها وتوابعها، وبحثت في أسبابها، وفضحت سياسات الفساد والتوريث والتعذيب والقهر الأمني والبلطجة، وقليلة هي الأعمال التي نالت إعجاب الناس ولامست مشاعرهم، ولعل على رأسها طرف ثالث الذي خرج من رحم المواطن إكس الذي اختاره النقاد والجمهور في استطلاعات الرأي أفضل عمل درامي خلال العام 2011 .

اسم المؤلف مختلف في المسلسلين، حيث كتب المواطن إكس محمد ناير وكتب طرف ثالث هشام هلال، ولكن المخرج واحد وهو محمد بكير، الذي تشم رائحته في الحوار وفي ملامح الشخصيات، وفي أسلوب كلامها وطريقة تعبيرها، ولحظات غضبها وعصبيتها في كلا المسلسلين، وإن كان طموحهما ومنهجهما مختلفين، حيث كان المواطن إكس مستوحى من قصة الشهيد خالد سعيد، ويسعى أصدقاؤه لمعرفة الحقيقة حتى تشتعل الثورة، أما ظرف ثالث فإن أحداثه كلها تقريباً عقب الثورة، وتدور أيضاً حول ثلاثة أصدقاء أبناء حي شعبي، ويعيشون الإحباط والضياع، ويحلمون بمستقبل أفضل، وتتلاقى أحلامهم مع احتياج الجنرال لأمثالهم لاستغلالهم في أعمال بلطجة في الأحداث العديدة التي أعقبت الثورة، محاولاً ابتزاز طموحاتهم واستخدامهم أدوات انتقام، ومن خلالهم عبر الجنرال وسعادة النائب وأولاد الذوات وأبناء ونساء وبنات ورجال الحي الشعبي، يمر على أحداث مجلس الوزراء واقتحام أقسام البوليس ومحمد محمود ومسرح السامر وماسبيرو والعباسية ومجزرة بورسعيد، ويتناول قضية كشوف العذرية وعواقبها على حياة الفتيات اللاتي تعرضن لها .

الأصدقاء الثلاثة لم يسيروا في ركب الجنرال اقتناعاً ولكن اضطراراً، وهو ما يدفعهم للتحول بعد اكتشاف الحقيقة، ويحاولون الاستقلال والابتعاد أملاً في حياة نظيفة، ولكنه لا يتركهم، وينقلب عليهم، ويسعى للنيل من ذويهم ومن حارتهم ومن ممتلكاتهم لينقلبوا عليه ويقررون التصدي له قبل أن يلتهمهم ويلتهم الجميع .

طرف ثالث مصطلح سمعناه كثيراً خلال العام الماضي على ألسنة الساسة والإعلاميين، ومن كثرة استخدامه تحول إلى مصطلح شعبي، كان الهدف منه تعويم بعض الأحداث ونسب ما يحدث فيها من عنف وقتل إلى طرف ثالث، غير طرف الثورة وطرف الحكومة والمجلس العسكري، وكل استخدمه ووظفه بما يخدم مصالحه ويقوي موقفه، فبعضهم قصد به بقايا النظام السابق وما أسموهم الفلول، وبعضهم قصد به قوى داخلية، وبعضهم قصد به عناصر خارجية، لتضيع الحقيقة، ويظل البحث والكلام عن الطرف الثالث مستمراً وتوظيفه ممكناً وقت الحاجة إليه .

المسلسل لم يقصد بطرف ثالث المقصد السياسي فقط، ولكنه يؤكد أن في حياتنا الكثير من الأطراف الثالثة، وأن أي علاقة بين طرفين لابد أن يدخل فيها طرف ثالث، سواء بهدف الإفساد والتدمير أو بهدف آخر غير خبيث، ولذا تجد طرف ثالث في الأزمات الزوجية، وفي علاقات الأشقاء، وفي علاقات العمل، وله وجوه سياسية واقتصادية واجتماعية .

الأصدقاء الثلاثة يجسدهم محمود عبدالغني وأمير كرارة وعمرو يوسف، ولديهم سمات أولاد البلد الجدعان أحياناً، وسمات الشباب الضائع التائه أحياناً أخرى، وسمات القساة الذين لم ينصفهم المجتمع فقرروا الانتقام منه أحياناً ثالثة، وفي كل الأحوال هم ضحايا، يعبرون عن جيل التهمه جيل أكبر، وصادر أحلامه وانتزع حقوقه وحطم طموحاته، وفي النهاية حاول محاكمته وإدانته .

أسماء محمود وعمرو وأمير تتصدر مقدمة المسلسل، ولكنهم ليسوا فقط أبطاله، بل كل من شارك فيه، لكل دور ملامح وفعل درامي مؤثر، وممثلو الأدوار الأصغر معظمهم عشنا معهم العام الماضي أحداث ومشاهد المواطن إكس وطريقة الأداء تلمس تطابقاً لدى الكل وتناغماً بين الجميع، وهو ما يؤكد وجود مخرج للعمل يوجه ويرسم ويحدد ملامح للصور والشخصيات والديكور والموسيقا، لنجد أنفسنا أمام عمل متكامل شكلاً ومضموناً، وليس مجرد مخرج يترك الكاميرا تلتقط ما هو متاح .

المسلسل أيضاً يكرس من خلاله محمد بكير إصراره على أن البطولة الجماعية، والنص، واكتمال العناصر الفنية، هي الضمان الوحيد لنجاح أي عمل فني، وليس اسم النجم أو الاستحواذ، وأن للمستقبل معايير قد تختلف عما كان سائداً في الماضي .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"