قراءة في تقرير اللجنة العالمية لمستقبل العمل

01:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي توفيق الصادق *

بدأت اللجنة العالمية لمستقبل العمل إعداد تقريرها «العمل من أجل مستقبل أكثر إشراقاً» في أكتوبر 2017 بدعوة من المدير العام لمنظمة العمل الدولية. تم نشر التقرير في شهر يناير 2019.
وتم اعتماد إعلان الذكرى المئوية لمستقبل العمل في الدورة 108 لمؤتمر العمل الدولي الذي انعقد في جنيف في الفترة 10-21 يونيو/ حزيران 2019، علماً بأن منظمة العمل الدولية تأسست في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1919. جاء تأسيس المنظمة في أعقاب حرب مدمرة، لمتابعة رؤية تستند إلى فرضية أنه لا يمكن إقامة سلام عالمي دائم إلا إذا كان يستند إلى العدالة الاجتماعية. أصبحت منظمة العمل الدولية أول وكالة متخصصة للأمم المتحدة في عام 1946.
يؤكد التقرير أن هناك فرصاً لا حصر لها في المستقبل لتحسين نوعية الحياة المهنية، وتوسيع نطاق الخيارات، وإزالة الفجوة القائمة بين الجنسين وإصلاح الأضرار الناجمة عن عدم المساواة على المستوى العالمي وأكثر من ذلك بكثير. ويؤكد التقرير أن ذلك «لن يحدث من تلقاء نفسه. وكما حدث في عام 1919 عندما أُسست منظمة العمل الدولية، إن لم تُتخذ إجراءات حاسمة، فإننا سنتجه نحو عالم يُوسع نطاق الحالات القائمة لعدم المساواة وانعدام اليقين.
ويتطلب إرساء مسار جديد أن تتخذ الحكومات، ومنظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال إجراءات ملزمة من خلال إنعاش العقد الاجتماعي. يدعو التقرير إلى اعتماد برنامج عمل يركز على الإنسان من أجل مستقبل العمل، حيث يُعزز العقد الاجتماعي من خلال جعل الناس والعمل الذي يقومون به في صميم السياسة الاقتصادية والاجتماعية وممارسة الأعمال. ويقوم برنامج العمل هذا على ثلاث ركائز للعمل، من شأنها أن تحقق مجتمعة النمو والإنصاف والاستدامة لأجيال الحاضر والمستقبل، وهي:
-زيادة الاستثمار في القدرات البشرية بحيث ينعم الناس بعصر رقمي محايد من حيث الكربون ولا بد من النظر في الأبعاد الأوسع نطاقاً للتنمية والتقدم في مستويات المعيشة، بما في ذلك الحقوق والبيئة المواتية التي تزيد الفرص المتاحة أمام الناس وترتقي بمعيشتهم؛ إن الاستثمار في قدرات الناس سوف يوفر لهم الفرصة لتحقيق إمكاناتهم الكاملة وتحقيق حياة ذات قيمة لديهم. إن ذلك الاستثمار يمثل حجر الزاوية في العقد الاجتماعي المعاد تنشيطه ويتجاوز الاستثمار في رأس المال البشري إلى الأبعاد الأوسع للتنمية البشرية، بما في ذلك الحقوق والمستحقات التي توسع خيارات الناس وتحسين رفاههم. ويتضمن هذا أربعة عناصر أساسية هي: حق عالمي للتعلم مدى الحياة، ودعم الناس من خلال التحولات، وجدول أعمال تحويلي للمساواة بين الجنسين وحماية اجتماعية أقوى. هذه ليست أفكاراً للسياسات أو منافع اجتماعية ممكنة فقط عندما يصل بلد ما إلى مستوى معين من التنمية. بدلاً من ذلك، تحتاج جميع البلدان إلى جعل الاستثمار في قدرات الناس أولوية أساسية للسياسة الاقتصادية، بحيث يمكن أن يسهم هذا العمل بشكل كامل في التنمية البشرية. -زيادة الاستثمار في مؤسسات العمل، وتشكل هذه المؤسسات، ابتداءً من وضع اللوائح وعقود الاستخدام إلى الاتفاقات الجماعية ونُظم تفتيش العمل، وهي تحدد المسارات المؤدية إلى السمة المنظمة وتحد من فقر العاملين وتكفل مستقبل عمل يوفر للعمال الكرامة والأمن الاقتصادي والمساواة.؛
-زيادة الاستثمار في العمل اللائق والمستدام، ستكون للتحولات الاقتصادية الرئيسية الجارية، التي تشمل التكنولوجيات الجديدة والتحولات الديموغرافية وتغير المناخ، آثار ضارة وهيكلية على السواء في اقتصاداتنا وفي العمل. وثمة حاجة إلى استثمارات كبيرة لتحديد معالم هذه التحولات وتوجيهها لاستحداث العمل اللائق. ويتعين على البلدان الآن أن تولي الأولوية للاستثمارات المستدامة طويلة الأجل التي تشجع التنمية البشرية وتحمي هذا الكوكب، تماشياً مع برنامج التنمية المستدامة لعام 2030.
أنهي هذا المقال بما ختم المؤلفان CyriL RamaphoSa وStefan Löfven مقدمة التقرير: «كان طموحنا هو أن يصور التقرير مدى إلحاح التغييرات التي يواجهها عالم العمل وتقديم أفكار حول كيفية إدارة هذه التحولات والاستفادة منها. أملنا الآن هو أن هذا التقرير سوف يلهم المزيد من المناقشات حول مجموعة كاملة من القضايا - بما في ذلك، على سبيل المثال، كيفية تعزيز الفضاء الديمقراطي للحوار الاجتماعي وكيف يمكن أن تكون نماذج الأعمال متوافقة بشكل أفضل مع أجندة محورها الإنسان. لقد أردنا أن نجعل هذا التقرير مقروءاً ومناسباً قدر الإمكان لمجموعة واسعة من القراء - من صانعي السياسات رفيعي المستوى إلى الطلاب الشباب والعمال وقادة الأعمال ورجال الأعمال في المنابر والعمال غير الرسميين - لأننا مقتنعون بأنه إذا كان الجميع يدرك التغييرات، إذا تم تضمين الجميع وعملهم معاً لإيجاد حلول، فهناك مستقبل أكثر إشراقاً لعالمنا من العمل».

* مستشار اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"