تخيل لو أن قطاراً ينطلق من أبوظبي من دون ضجة ولا خضات، يقطع صحراء الربع الخالي مرورا بسلسلة من السكك الحديدية الدولية تشق بادية الأردن وريف الشام وهضاب تركيا ومن نفق البوسفورالذي يربط مدينة محمد الفاتح بشقيها الآسيوي والأوروبي إلى باريس عبر "قطار اليوروستار" وصولاً إلى لندن . ها أنت ترى الانهار والجبال، وحقول الزهور، ومروج الأعشاب، تتأمل في مناظر القرى والبلدات، وكأن أجمل مناظر تلك البلدان تمتد أمامك في البوم جغرافي تقوم بتصفحه دون عناء .
أما متى ذلك اليوم؟ فلا أحد يعلم، لكن توجد مقترحات لمشاريع نقل عملاقة لا تهدف فقط لربط الدول ببعضها وإنما لربط القارات، كمشروع قطار اليمن وجيبوتي فوق جسر بطول 29 كم عبر مضيق باب المندب يربط آسيا بإفريقيا . وهناك أفكار أولية عن حفر نفق اسفل مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا يربط إفريقيا بأوروبا . وفي طفرة غير مسبوقة ترصد دول مجلس التعاون ربع قيمة مشاريعها الاقتصادية في مشاريع القطارات . ربما يعود ذلك لافتقار دول المجلس الى خدمات النقل بالقطارات، فقط السعودية لديها مسار للخطوط الرئيسية من السكك الحديدية، أحدثها الخط الحديدي الذي يربط شمال ووسط البلاد بميناءي رأس الخير وجبيل على ساحل الخليج العربي . إضافة إلى الإمارات في دبي كأول مدينة في دول مجلس التعاون الخليجي في شبكة المترو .
لدى الإمارات أيضاً مشروع قطار الاتحاد الذي يشكل واحداً من خطط السكك الحديدية الأكثر طموحاً في المنطقة . المشروع جزء من الخطة الأولية لتطوير خط على طول ساحل الخليج العربي والذي سيربط كل دول مجلس التعاون الخليجي الست من الكويت شمالاً وحتى صلالة في عمان جنوباً، مع إمكانية تمديده إلى اليمن في المستقبل . ومن المؤكد أن صوت هذا القطار يحمل معه ولادة مدن موانئ ومدن صناعية وتجارية وترفيهية كبرى في الإقليم .
أكثر ما يشد الانتباه من بين كل تفاصيل مشروع قطار الاتحاد أن كل قطار ذو 50 عربة سيكون بديلاً عن 50 شاحنة ثقيلة، ما يقلل انبعاث ثاني أكسيد الكربون في سماء الإمارات، وفي حال تحقق توقعات حركة المرور للقطار فان الغازات الدفيئة ستنخفض لأكثر من 2 .2 مليون طن سنوياً، وهذا وحده يعادل وجود 375 ألف سيارة على الطريق أو ما يوازي زراعة 52 مليون شجرة! وسينقل القطار النفايات إلى مناطق معالجتها بعيداً عن المدن لتحويلها إلى مصدر جديد للطاقة . فضلاً عن أن استخدام القطار سيخفض من تكلفة الصيانة السنوية للطرق والمقدرة بأكثر من 650 مليون درهم في إمارة أبوظبي وحدها . خبر سار آخر هو أن القطار سيقلل من هفوات حوادث السير المروعة على الخطوط الطويلة للسيارات لتمتّع السكك الحديدية بدرجة عالية من الأمان .
لكن هل بناء خط سكة حديد بطول 1200 كم عبر رمال الصحراء المتحركة ورمال السبخات سيتم بلا تحديات؟ من الأمور الحاسمة في نجاح المشروع أو تعثر أهدافه مسألة اختيار أفضل التكنولوجيات المتاحة في هذه الصناعة من معدات ومقاولين وبيوتات الخبرة . الجانب المزعج لخط القطار هو تجمّع الكثبان الرملية في مواسم هبوب الرياح على قضبان السكة . ولعل الوسيلة الأكثر كفاءة للتوصل إلى حل مستدام لهذا العائق هو زراعة النباتات الزاحفة والأعشاب المحلية على جانبي السكة لتثبيت الكثبان الرملية، هناك تقنيات أخرى مثل عمل مسارات أنبوبية من الخرسانة للقطار في المناطق التي تشتهر بحركة الرمال . جزء كبير من السكة سيمر بمناطق السبخات الساحلية ذات الطبيعة العدوانية لقطبان الحديد، هذه المسطحات الرخوة تمثل مشكلة اخرى لوجود طبقات من السيليكا والرمال الكربونية الناعمة التي تمتد احيانا لعشرة امتار تحت قشرة السطح .
أيا كانت التحديات، فالجميل في قطار الاتحاد أنه ما زال مكتظاً بالكثير من الاستراتيجيات والطموح . فالمشروع عملاق وله ارتباطاته المحلية والإقليمية وهو كفيل بأن يدير وجه المنطقة بأسرها نحو العالم . ولا نستغرب ذلك إذا عرفنا أنه أختير من بين مئة مشروع ليكون "المشروع الاستراتيجي الأول في العالم لسنة 2013" في الملتقى السنوي السادس لقادة قطاع البنى التحتية العالمي، الذي أقيم في نيويورك مؤخراً .
تم تصميم المشروع على ثلاث مراحل، تبدأ الأولى بنقل 10 آلاف طن من حبيبات الكبريت يوميا من حقلي شاه وحبشان إلى ميناء الرويس . تمتد المرحلة الثانية من الحدود مع السعودية في الغويفات على طول الساحل إلى مشارف مدينة أبوظبي ومن هناك، يتفرع خط حديدي آخر إلى العين وإلى عمان، مع استمرار الخط الرئيسي على طول الساحل باتجاه دبي، يمر بالقرب من ميناء خليفة وميناء جبل علي ويستمر إلى الشارقة ليتفرع مرة أخرى الى فرعين احدهما إلى رأس الخيمة حيث ميناء صقر، والآخر عبر جبال الحجر إلى الفجيرة . وبإنتهاء تلك المراحل عام 2018 سيتمكن الكثيرون من الانتقال بين مختلف مناطق الدولة الى دول أخرى أبعد من نطاق دول مجلس التعاون .