قيم الخير والمثل الوجودية

02:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد خليفة

أصبحت الدعوة إلى القيم الأخلاقية حاجة بشرية مُلحّة، خاصة القيم الإنسانية. فالأوطان العربية والإسلامية خاصة في حاجة أولية إلى هذه الدعوة، بعد مظاهر هذا التمايز والتطرف والحيرة والقلق والشرود والاضطراب، والتي أنهكت الضمير البشري، الذي يسعى لتحقيق يقينه بحلول قيم الحق والخير والجمال. ففي الحق يحضر العدل كما تحضر المساواة بين أفراد المجتمع، كما يحضر التسامح والتصالح في الخير، والذي تأسس عليه العقل البشري منذ الفكر الأول الذي اعتبر الوجود صراعاً بين الخير والشر، وأن الخير، لا محالة، منتصر. فالشر هو ما يفضي إلى الاحتراب ونشر الحقد والضغينة بين الناس، وبالتالي إلى تعميم الكراهية وتحويل العمران إلى خراب. ومن يعُد إلى كتب الفكر، فسيدرك المعنى الجوهري للخير الذي هو الاستقرار ونبذ العنف والكراهية وترسيخ قيم العفو والتسامح بين الناس.
ولعل الجمال ما يجمع كل هذه المبادئ ويضمها إلى بعضها. لكن حين نتأمل هذه القيم في سياقاتها المختلفة، نجدها تجتمع كلها وتتمحور حول مبدأ واحد وهو مبدأ البناء، لا الهدم؛ والبناء هو العمران، وهو الفكر، وهو الإنسان. ولكن مع الأسف لقد طمس كل معالم الجمال ثلة من المتطرفين، يسعون لتدمير هذا الجمال الأخلاقي فلا يجدون فيه صورة واضحة عن جمال الوجود، حتى أغرقوا الأمة في مباحث فقهية وجدلية وتاريخية وأسطورية. وبذلك أرادوا أن يشخصوا حالة العناد والمكابرة العمياء التي لا تجدي معها حجة ولا برهان، فيبرروا نموذجاً سياسياً، بحيث تبرز حالة من الناس ظاهرهم يغري ولكن باطنهم يؤذي فيرسمون صورتهم في الضمير الأخلاقي. هؤلاء هم المتطرفون الجامدون ينشطون في مكان فيبعثون الفتنة برسائل القتل والتدمير. وهم جماعة من ضعاف الإيمان يسترون عجزهم عن فهم جوهر الدين، ويتشبثون بظواهر قشرية يغرون بها الأتباع والعامة فيدمرون القيم دون مراعاة لقيم الحق، وهي القيم التي لا تفرق بين أبناء البشر. وبهذا السلوك يعمدون، ربما دون وعي منهم، لقهر القيم في حركات تحارب التطور والتنوير في حركة كحركة الأشباح في عتمة الليل. إضافة إلى النظرة الشوهاء إلى المجتمعات الأخرى المختلفة معها في العقيدة والقيم، تلك النظرة التحقيرية لأنماط حياة الأفراد والمجتمعات أو الحكم سلباً على القيمة الاجتماعية لأفرادها، ويتخذ من نموذج الإساءة لكرامة ومعتقدات الغير، دون النظر أن شرف وكرامة الفرد هي ما يترجم درجة «التقدير الاجتماعي» المنسوبة إلى الطريقة التي تتحقق داخل أفق المجتمع الثقافي، وبذلك ينال من الشخص في الاحترام الذي يحمله لذاته.
لقد أعلت دولة الإمارات قيم الحق والخير في شتى الجوانب والأدوار، ومنها دور الأسرة والمدرسة والإعلام والثقافة والتربية على هذه القيم والمثل النبيلة، وسعت لربط قيم الجمال الإنسانية المتعلقة بالجمال الفني، كأداة مقصودة للتأثير الوجداني، فيخاطب حاسة الوجدان الأخلاقية بلغة الجمال الفنية والفنون الإنسانية بوجود متحف اللوفر أبوظبي، والذي يعد أول متحف عالمي في العالم العربي يجسد الانفتاح على الحضارات؛ فهو بمثابة جسر ثقافي بين الشرق والغرب، ويحتوي على جميع الفنون، فهذه الفنون جميعها تقوم بواسطة بين ما هو كائن فني، وما يجب أن يكون بين هذا الإرث الإنساني، وبذلك يقربنا من المثل النبيلة، وهي مهمة الفنون الجميلة، المتمثلة بالدعوة إلى المثل العليا. فهي إذ تصور الخير محضاً خالصاً، وأن نأخذ بناصر الخير، كما أنها الوسيلة لبث مبادئ الخير تسري إلى النفس، وهي الخطاب الأنبل والأسمى في كيان الجمال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"