موريتانيا الانتخابات والانقلابات

02:13 صباحا
قراءة 4 دقائق

صباح (نواكشوط) في السادس من أغسطس/ آب 2008 لم يختلف عن صباحها في الثالث من أغسطس/ آب 2003 تاريخ الإطاحة بنظام معاوية ولد الطايع، ليذكرنا بعقود اربعة من الاحتكاكات والتشنجات بين الأنظمة الموريتانية ومنظماتها المدنية السرية المتنوعة من يسارية، وعروبية، وإفريقية، وطائفية، إذ ظلت هذه المنظمات تواجه سياسات النظام الحاكم في موريتانيا منذ أربعين عاما بالعمل الشعبي التحريضي، بالمظاهرات والمناشير، أو حتى أحيانا بالعنف، مما أفقد النظام التمتع بالاستقرار.

وقبل ايام كانت لي إطلالة على موريتانيا، ومباشرة مع الجاليات الموريتانية التي تعيش او تزور جزيرة (لاس بالماس) الإسبانية كأقرب نقطة اوروبية لنواكشوط، حيث كنت أنا الآخر قطعت اليها في رحلة داخلية استغرقت ثلاث ساعات من (مدريد) واندمجت بالموريتانيين في جلسات شعبية على الشاي الموريتاني (الثلاثي الأكواب إجباريا: اولها مرّ ومدوّخ وثالثها لذيذ ومرطّب)، فكنا نحتسيها معا، انا بكندورتي الاماراتية الضيقة، وهم بالاثواب الموريتانية الفضفاضة في شرفة فندق مرسين بايا المطل على كورنيش لاس بالماس، وهمسات الموريتانيين الغامضة في تلك الجلسات كانت تدوّخني اكثر من رشفات شايهم المر، وبدأت اشعر كأن دويا قويا قد يطلق في اية لحظة بنواكشوط، يعرف بطبول الحاكم الجديد المرتقب.

وساند هذه الاوهام تقرير رويري باترسون باللغة الانجليزية عندما قرأته بنفس الفندق الذي يرتاده كبار رجال الاعمال الموريتانيين، وباترسون محلل بمؤسسة كونترول ريسكس الاستشارية يقول انه كان بدأ يحلل الشائعات منذ اسبوعين عن انقلاب قريب لم يكن سرا الى حد ما بأن اثنين من كبار القادة العسكريين قد يدفعان هذا الانقسام داخل الحزب الحاكم. كما أوضح باترسون في تقريره للمستثمرين في موريتانيا ان القطاعات النفطية والتعدينية لن تتأثر في بلاد تصل مساحتها الى مثلي مساحة فرنسا وغنية بالحديد الخام والنحاس والذهب، ودخلتها استثمارات عالمية وعربية ضخمة خاصة بمجال التعدين كشركات فيرست كوانتام وارسيلورميتال وقطر للصناعات مناجم وغيرها، بالاضافة الى العملاق النفطي الماليزي، بتروناس التي بدأت في استخراج النفط الخام قبالة السواحل الموريتانية الى جوار توتال الفرنسية الكبرى التي تواصل التنقيب.

ورغم ان موريتانيا هي صاحبة الحصة الكبرى بين الدول العربية التي حصلت فيها انقلابات عسكرية: ففي عام ،1978 أطاح الجيش الموريتاني بقيادة المقدم المصطفى ولد محمد السالك بحكم الرئيس المختار ولد داده، منهياً بذلك الحكم المدني وحرب الصحراء، وفي عام ،1984 وقع انقلاب أبيض قاده رئيس الأركان وقتها العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع، ثم في عام 2005 وقع انقلاب عسكري جاء بالعقيد علي ولد محمد فال رئيسا للدولة، خلفه في آخر انتخابات عام 2007 سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رئيسا لموريتانيا. وأخيراً في 6 أغسطس/ آب ،2008 نفذ الحرس الرئاسي انقلاباً ضد ولد الشيخ عبد الله، عقب قيامه بإقالة رئيس أركان الجيش وقائد الحرس الرئاسي، وبهذا الانقلاب تكون موريتانيا قد شهدت منذ استقلالها ثلاثة انقلابات ناجحة أطاحت بالحكم وأتت بحكام جدد، ونحو عشر محاولات انقلابية فاشلة، وكانت أطول فترة استقرار سياسي في البلاد في عهدي الرئيسين السابقين ولد داده، ومعاوية ولد الطايع.

انقلاب (الأربعاء) الاخير لايزال يواجه الادانات إسلاميا وعربيا ودوليا، هذا الانقلاب الذي وصفه قائده انه انقلاب ديمقراطي لا عسكري، ورغم كل الادانات له، علينا ان نفكر حوله بعقل، خاصة بعد اعلان مدبريه عبر الاذاعة العامة والصادر عن مجلس الدولة الاعلى للقوات المسلحة والامنية المكون من 11 عسكريا بزعامة الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الرئاسي سابقا.

والسؤال يفرض نفسه: هل كل المؤشرات توحي كأن الامور قد استقرت معهم؟ وماذا لو كانت الاجابة نعم؟

نحن نرجو الاستقرار للعالم وللدول الاسلامية والعربية وندعم حوافزها، وحوافز التوحد والاستقرار اليوم بين الموريتانيين لم تتغير، بل كما هي بالامس القريب والبعيد، اذ منذ الازل والإسلام هو الدين الوحيد السائد في موريتانيا، والعربية لغتها الرسمية، ولهجاتها المحلية الأخرى كالبولارية والسوننكية والولفية، لا تضعفها بل تقويها في ملحمة قومية شعبية ورسمية، وتقودها الى المزيد من التآزر بين (نواكشوط) العاصمة الإدارية والسياسية و(نواديبو) العاصمة الاقتصادية لجمهورية موريتانيا الإسلامية التي تضم 12 ولاية و53 مقاطعة مركزية، ويسكنها 3،1 مليون نسمة حسب إحصائيات (البنك الدولي2005).

نجاح الاحزاب ليس بالوصول الى قصور الرئاسة او البقاء فيها، انما في الدفاع عن الانسان وحقوقه وحرياته، واحتضان المظلوم ومقاومة الفساد، وفي الأقوال المقرونة بالأفعال، وفي تحويل الوعود الى حقائق، اي حزب يقف الى جانب الشعب، يقف الشعب الى جانبه، ويخوض معه معاركه الانتخابية والانتاجية في الخندقين السياسي والاجتماعي.

هذه الدنيا متحف لتلك الفراعنة والأحزاب التي حكمت ثم حوكمت، وكم من عساكر حاصرت ثم حوصرت. الموريتانيون اليوم مهمتهم وحدة الصف والحفاظ على وحدة البلاد من التمزق والانشقاق العرقي والقبلي والطائفي، خاصة وجمهورية موريتانيا الاسلامية الشقيقة وكما قلت تملك 99% من الدوافع التي تجمع شملهم وتوحد صفهم، وهي دوافع (أصيلة) ان لم تسمح ل 1% من تلك الدوافع التي قد تترصد لتمزيقهم وهي (الدخيلة) ولنا في العراق الشقيق عبر ودروس مع الدخلاء والأجراء.. فاعتبروا يا أولي الألباب.

* كاتب إماراتي

[email protected]

www.unipex.org

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب إماراتي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"