نساء خارج كتب التاريخ

04:38 صباحا
قراءة 4 دقائق
عائشة عبدالله تريم

يوثِّق التاريخ الماضي بكل أحداثه كما يرويها الشهود عليها. ولأن طبيعتنا البشرية تدفعنا لأن نراقب الأحداث ونسرد الوقائع كما نراها، فنحن نكتب ما تراه أعيننا وما تسمعه آذاننا ليُدوَّن في صفحات التاريخ شاهداً على مرحلة من مراحل العصر ما يجعل التاريخ كما هو موثق، تفسيراً للواقع بقدر ما هو عبارة عن مجموعة من الحقائق.
بعض الأحداث وما يرافقها من أسماء تنقش في كتب التاريخ، فتقبع في ذاكرة البشر، ولقد عرفنا شخصيات كثيرة عبر التاريخ ارتبطت أسماؤها بأحداث محزنة أو مفرحة.
لقد تعلمنا من كتب التاريخ الكثير، واستوطنت في أدمغتنا أسماء لأشخاص حملوا صفات الشر أو الخير، لكن التاريخ شهد أيضاً على أسماء لم تذكر على ألسنة أساتذة التاريخ، وكأنها مُحيت من صفحات الزمان، أو كأنها لم تترك أثراً في حياتنا.
مع ذلك، لم تتمكن كتب التاريخ من طمس بعض الأسماء التي إن لم تلعب دورها في التوثيق، فقد لعبت دورها في الحياة. فلو عبرنا كتب التاريخ، لقرأنا في صفحاتها أسماء عديدة لشخصيات بارزة تركت أثرها في العالم، رجال عظماء غيروا العالم إمَّا للأفضل وإمَّا للأسوأ، تعلمنا منهم الكثير، وأثرت تجاربهم فينا. وعلى سبيل المثال، ليس من الضروري أن يكون المرء ضليعاً في الرياضة ليعرف من هو «مارادونا»، أو أن يكون رجل سياسة ليتذكر «تشي جيفارا»، أو عالم إلكترونيات ليعرف «ستيف جوبز».. وغيرهم من العباقرة والمبدعين الذين حُفرت أسماؤهم في ذاكرة الشعوب.
ولأن هؤلاء الرجال تركوا أثرهم العميق في القلوب والعقول، فقد نقشت صورهم على المنتجات والملصقات والقمصان القطنية، ليتباهى بها الشباب في كل العالم، وإن لم تحفر في كتب التاريخ.
هذا عن الرجال الذين تركوا بصماتهم في كل مكان، فماذا عن النساء؟ هل لهن حظ مماثل في اقتحام القلوب وتغيير مجرى التاريخ؟ من الماضي إلى الحاضر وإلى ما قد يحمله المستقبل، أين هو موقع المرأة ؟ وما مدى ارتباطها بالأحداث والتاريخ؟
هل كانت المرأة وما زالت متوارية عن الأنظار؟ ولمَ لم يذكر التاريخ عنها الكثير؟ فهل ظلمها التاريخ ومن كانوا يوثقون الأحداث؟
في الواقع، لم يعرف العالم الوجوه الأنثوية البارزة إلا من خلال الإعلام المرئي بعد انتشار التلفاز، ومع ذلك ظلت الشهرة محصورة في أسماء أكثر من غيرها، فهل نستطيع القول إن العالم قد عرف الممرضة البريطانية الشهيرة «فلورس نايتنجيل» عبر صور تنصفها كما جرى مع «مارلين مونرو»؟ وهل عرف الناس شيئاً عن مساهمات «فاطمة الفهري» العظيمة في العالم كما عرفوا «أم كلثوم»؟
في جميع أنحاء العالم وعلى وجه التحديد في العالم العربي، ظلت النساء خارج كتب التاريخ، وإذا كانت أسماؤهن قد ذكرت لأن العالم لا يستطيع أن يغض النظر عنها، فإن صورهن بقيت متوارية في أغلب الأحيان، فبات من الصعب جداً معرفة ملامحهن ومعرفة إنجازاتهن وتأثيرهن في العالم. لكنَّ ما يلوح في الأفق، يشير إلى أن الحال سوف تتغير، وأن صفحات التاريخ ستغص بصور وإنجازات النساء اللاتي تركن بصماتهن في المجتمعات المختلفة. فلا أحد يستطيع أن ينكر بعد اليوم محطات في التاريخ الأنثوي تمكنت خلالها المرأة من إثبات حضورها صوتًا وصورة. ألم يقف البعض منهن في وجه القمع ليدافعن عن نساء مضطهدات في أنحاء العالم؟ ألم تصبح «ملالا يوسفزاي» رمزاً للنساء في مواجهة التطرف ومشكلات تعليم الإناث؟ ألم تصبح «عهد التميمي» ذات السبعة عشر ربيعاً،أيقونة للمقاومة ضد الاحتلال بعدما وقفت في وجه المستوطنين الصهاينة فزجَّت في السجن؟ ألم تشارك الطالبة الإيرانية «ندى آغا سلطان» في مظاهرات الاحتجاج في طهران فوجِّهت إلى رأسها رصاصة أردتها لتصبح رمزاً للثورة ؟
لقد بات العالم يعرف الكثيرات من النساء المجاهدات اللاتي أبين إلا أن يحفرن أسماءهن في صفحات التاريخ في مواقف بطولية تتحدى الرجال، فالفتاة المصرية «غادة كمال عبد الخالق»، «ست البنات» كما لقبت في بلدها أو «ذات الصدرية الزرقاء»، كما أطلقت عليها الصحافة الغربية، جسدت الظلم بصورتها. أما «منيرة أحمد» التي حجبت شعرها بالعلم الأمريكي أثناء المظاهرات الاحتجاجية ضد دونالد ترامب تعبيراً عن التسامح والمواقف الداعمة للهجرة، فقد أصبحت رمزاً من رموز المطالبة بالعدل.ولعلَّ رزان النجار، الفلسطينية المجاهدة التي جندت نفسها لإنقاذ الجرحى في غزة وجازفت بشبابها تحت نيران الاحتلال، هي أقرب نموذج يقتدى به، تلك الروح الفلسطينية الباسلة التي لم تتجاوز واحداً وعشرين ربيعاً، صعدت إلى بارئها، بعدما أطلق القناص «الإسرائيلي» رصاصة أردتها شهيدة وهي تحاول إسعاف رفاق لها أصيبوا وهم يحتجون سلمياً في وجه الاحتلال «الإسرائيلي» ليخلِّد التاريخ اسمها كرمز للجهاد وسط برك الدماء.
ها نحن اليوم نشهد على أحداث بطلاتها نساء سطرن أسماءهن ليغيرن مفاهيم التاريخ ويصوبن أخطاء الماضي. فهل نترك البطولة النسائية تائهة بين صفحات كتب التاريخ أم نرسخها في أذهان أجيال اليوم والأجيال القادمة لتكون قدوة ومثالاً يحتذى؟
لا بد أن نكتب عن هؤلاء النساء، ونتحدث عن إنجازاتهن ليتغير وجه العالم وتعمر القلوبَ بطولاتُهن، وأن ندرج في التاريخ صفحات جديدة بطلاتها نساء ومدوناتها نساء، فيقال من بعدنا:«هذه قصة امرأة بقلم امرأة!»

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"