هل تسلب الشاشات العربية المرأة حقوقها؟

01:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
عائشة تريم

يوماً بعد يوم، يزداد في عالمنا العربي عدد الفتيات اللاتي لا يستطعن أن يميزن بين ما يقال لهن: بأنها أفكار غريبة تضخها الثقافة الغربية في مجتمعاتنا وبين حقوقهن الأساسية، فتراهن حائرات ولا يدركن أن معظم الجرائم الوحشية التي ترتكب في حقهن لا يفصح عنها كلياً، لأن من تقع الجريمة في حقها لا تعلم أن جسدها ملك لها وحق من حقوقها الأساسية، كما لا تعلم أن احترام خصوصياتها واجب اجتماعي، وأن تعليمها ضرورة ملحة وليس مجرد امتياز لا تستحقه إلا بعد أن تُصرف الأموال على تعليم أخيها بحجة أنه أولى! خصوصاً أن نظام التعليم في بلدان عربية كثيرة ما زال يفضل الذكور على الإناث ولم ينجح في بلورة فكرة المساواة بين الجنسين، ولا في حل أزمة القضايا التي يجب مناقشتها وتعديلها كي نحظى بثقافة متناغمة تتساوى فيها حقوق الجنسين.
لأجل ذلك ما زال وضع المرأة ضعيفاً في بعض المجتمعات العربية، خصوصاً أن وسائل الإعلام لا تتطرق بوضوح إلى كل ما يتعلق بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل. فحين احتشد الناس مؤخراً: ذكور وإناث في أنحاء العالم للمطالبة بالقضايا الإنسانية الجوهرية التي لا تنعكس على الإنسان فحسب، بل على الظروف الاقتصادية والخلقية عامة في بلدان بأكملها، لم تكلف أي قناة عربية نفسها التركيز على الحدث، علماً بأن ضخامة المسيرة جعلت المشاهد في حيرة وغير قادر على تفسير تجاهل القنوات العربية للحدث. فبعد تنصيب دونالد ترامب للرئاسة، وفي اليوم الأول من مكوثه في البيت الأبيض، كان على القنوات الإخبارية أن تعمل على لفت أنظار المشاهدين إلى أماكن أخرى في العالم، وما تجاهلها للمسيرة النسائية الضخمة التي احتشدت فيها أعداد غفيرة من الناس -لم تكن في الحسبان بدعم من نساء شهيرات- إلا تصرف مقصود على ما يبدو!
لقد كان تحركاً هائلاً أغلقت على إثره الطرق وتوقفت وسائل النقل، وكانت الصورة شبيهة بتلك التي شاهدناها في التاريخ الحديث لمرة واحدة فقط، عندما ناضلت ناشطات من حركة «سافراغيت» البريطانية لأجل إقرار حق المرأة في التصويت. ولم يسلط الضوء حينها على حدث متزامن يقلل من أهمية تلك المسيرة.
المرأة العربية، سواء كانت أماً، زوجة أم ابنة، ما زالت تعاني القهر والظلم متمثلين بالعنف الأسري، التحرش الجنسي، زواج القاصرات، جرائم الشرف... إلخ. وما هو أشد إيلاماً أن بعض النساء العربيات مازلن يناضلن من أجل حقهن في قيادة السيارة أو من أجل السفر من دون وصاية الرجل عليهن.
لأجل ذلك، علينا أن نتوقع من وسائل الإعلام العربية القوية ألا تركز في بثها على مسيرة نسائية ضخمة مثل تلك التي حدثت منذ أيام وبالتزامن مع تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، فهل يتحتم عل القنوات العربية أن تعقد جلسات نقاشية لمعاينة وتحليل مثل هذه القضايا المهمة كي يدرك العالم العربي أكثر أن المساواة بين الجنسين ليست مجرد فكرة نؤمن بها، إنما هي حركة تتطلب منا، نساء ورجالاً جهوداً كبيرة لتحقيق ما نصبو إليه وتحويل الفكرة إلى واقع ملموس؟
المسيرة لم تكن من أجل النساء الأمريكيات فحسب، بل كانت من أجل كل نساء العالم. فقد جسدت صورة حية من التضامن على أوسع نطاق ممكن، لقد كانت مسيرة سلمية تتدفق أمواجها مثل أمواج بحر وردي اللون بهي المنظر...
حين كنت طفلة في السنوات الأولى من عمري، كنت أشعر بظلم يمارسه «نظام الذكور» على الإناث، وكان ذلك الظلم يقض مضجعي على الرغم من أنني كنت طفلة ينبغي ألا يكون همها سوى اللعب... كنت أشعر بالقلق من اختلال التوازن في العالم. ولكم تمنيت اليوم وأنا أشاهد المسيرة، لو أنني شاهدتها حين كنت صغيرة، ربما كنت حينها سأشعر بالطمأنينة لأنني لست وحيدة فيما أفكر فيه، فما كنت أراه غير عادل في نظري، كان كذلك في الواقع. ومن يشهد تطور العالم وتعمق الناس في القراءات النسوية، يدرك أن هناك حركات كثيرة فقدت حلقة التواصل بينها، فباتت مع الوقت تتصارع فيما بينها، وخاب أملنا في رؤية جبهة موحدة باستطاعتها أن تنهض من بين حطام أفكار بالية. لكن المسيرات النسائية الأخيرة أعادت إيماني بضرورة تأسيس جبهة موحدة، كما استطاعت برأيي أن تجعل جيل الشباب يركب موجة جديدة من الفِكر.
إن أي حركة نسائية تتكون من كلا الجنسين ومن جميع الأعمار والطوائف، هي حركة قادرة على أن تضع نهاية لكل ألوان الجدل، وأن تمضي بثبات للنضال من أجل قضية أكبر، قضية لا يرغب الإعلام العربي في تسليط الضوء عليها! فخلال الثورة المصرية، لعبت النساء اللاتي نظمن تظاهرات ضد الحكومات الفاسدة دوراً محورياً في مستقبل مصر، وكنّ نموذجاً لقوة الحركة النسائية في إظهار قدرة المرأة على رفع صوتها فحققت المسيرات أهدافها. وأهم درس تمكنت النساء في المسيرة من تقديمه لأجيالنا المقبلة هو القضاء على زيف أسطورة اسمها «الهيمنة الذكورية»، وعلى الادعاء بأن المرأة غير مستعدة لمساندة بنات جنسها...
لقد أظهرت المسيرة النسائية أن النساء يردن أن يساندن أخواتهن، وأن الرجال يقومون بالدعم فعلاً. لذا ينبغي أن يرى العالم كله هذه الصورة كي يتسنى لجميع النساء المضطهدات اللاتي يسكتن على حقوقهن المسلوبة، أن يرفعن أصواتهن وألا يبقين في أسر الأفكار القديمة التي تطغى عليها الهيمنة الذكورية. وكذلك، كي يتسنى لجميع أولئك الذين يظنون أن لديهم الحق في حرمان غيرهم من مساواتهم، أن يدركوا أنهم مخطئون.
من المخجل إذاً، أن تحرم القنوات التلفزيونية العربية عالمنا العربي من الانضمام إلى تلك الروح الاحتفائية بمسيرة نسائية تاريخية يمكن أن تنعكس إيجابياً على المجتمعات، فتمكين النساء ربح وليس خسارة!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"