هل من مستفيد من حروب العملات؟

01:12 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. علي توفيق الصادق *

يرى الاقتصادي ووزير المالية البرازيلي السابق، جويدو مانتيجا، أن حرب عملات عالمية اندلعت في عام 2010، ورأى صناع السياسة أن حرب العملات التي برزت في عام 2010 قد تلاشت بحلول منتصف عام 2011.
يتحدد سعر صرف عملة عائم لبلد ما بواسطة قوى العرض والطلب لتلك العملة في السوق. ولكن ليست أسعار صرف جميع عملات العالم عائمة، بل أسعار صرف الكثير منها محددة أو مربوطة بسعر عملة واحدة أو بسلة من العملات. فمثلا، سعر صرف درهم الإمارات مرتبط بالدولار الأمريكي بعلاقة ثابتة (الدولار الأمريكي يساوي 3.6725 درهم إماراتي). هذه العلاقة تعني أن سعر صرف الدرهم مقابل العملات الأخرى يرتفع أو ينخفض إذا ارتفع الدولار أو انخفض مقابل العملات الأخرى. وكمثال على ربط سعر الصرف بسلة من العملات، نذكر سعر صرف الدينار الكويتي المرتبط بسلة من العملات من بينها الدولار الأمريكي، و سعر صرف الليرة اللبنانية العائم. حروب العملات، والمعروفة أيضاً باسم تخفيض سعر صرف العملة مقابل العملات الأخرى، بهدف الحصول على ميزة تجارية على البلدان الأخرى من خلال رفع قدرة صادراتها على المنافسة في أسواق البلدان الأخرى، أما الواردات إليها فتصبح أكثر تكلفة. كلا التأثيرين-رفع قدرة الصادرات على المنافسة ورفع تكلفة الواردات- يفيد الصناعة المحلية وبالتالي التوظيف، الذي يحصل على زيادة في الطلب من الأسواق المحلية والأجنبية.
في بعض الأحيان تتدخل السلطات الحكومية (البنك المركزي) في سوق صرف العملات من وقت لآخر لتحقيق أهداف سياسية محددة، مثل الحفاظ على الميزان التجاري أو دعم المصدرين ومساعدتهم لخلق ميزة تنافسية لهم في التجارة الدولية. ولكن الزيادات في أسعار السلع المستوردة وفي تكلفة السفر إلى الخارج لا تحظى بشعبية لأنها تضر بالقدرة الشرائية للمواطنين ؛ وعندما تتبنى جميع البلدان استراتيجية مماثلة، أي تخفيض سعر صرف عملاتها، عادة ما يؤدي ذلك إلى انخفاض عام في التجارة الدولية مما يلحق الضرر بجميع البلدان.
من الناحية التاريخية، كانت تخفيضات العملة التنافسية نادرة نظراً لأن البلدان كانت تفضل عموماً الحفاظ على قيمة عالية لعملتها. وقد سمحت الدول عموماً لقوى السوق بتحديد أسعار صرف العملات، أو شاركت في أنظمة أسعار الصرف المدارة. ولكن استثناء يذكره تاريخ أسعار الصرف عندما اندلعت حرب العملات في الثلاثينات من القرن العشرين عندما تخلت البلدان عن معيار الذهب خلال فترة الكساد العظيم( كان الكساد العظيم أسوأ تباطؤ اقتصادي في تاريخ العالم الصناعي، حيث استمر من عام 1929 إلى عام 1939). واستخدمت الدول تخفيض قيمة العملة في محاولة لتحفيز اقتصاداتها. نظراً لأن هذا يدفع البطالة فعلياً إلى الخارج، قام الشركاء التجاريون بالانتقام بسرعة من خلال تخفيض قيمة عملاتهم. تعتبر هذه الفترة وضعاً سيئاً لجميع المعنيين، حيث أدت التغيرات غير المتوقعة في أسعار الصرف إلى انخفاض إجمالي التجارة الدولية.
يرى الاقتصادي ووزير المالية البرازيلي السابق، جويدو مانتيجا، Guido Mantega أن حرب عملات عالمية اندلعت في عام 2010. وتبنى هذا الرأي العديد من المسؤولين الحكوميين والصحفيين الماليين الآخرين من جميع أنحاء العالم. ورأى صناع السياسة والصحفيون الآخرون أن عبارة «حرب عملات» مبالغة في مدى العداوة ورأوا أن حرب العملات التي برزت في عام 2010 قد تلاشت بحلول منتصف عام 2011.
استخدمت الدول المنخرطة في تخفيض قيمة العملة التنافسية منذ عام 2010 مزيجاً من أدوات السياسة، بما في ذلك التدخل الحكومي المباشر، وفرض ضوابط على رأس المال، والتسهيل الكمي بشكل غير مباشر. في حين شهدت العديد من الدول ضغوطاً تصاعدية غير مرغوب فيها على أسعار صرفها وشاركت في الحجج المستمرة، كان البعد الأكثر بروزاً في الفترة 2010- 2011 هو الصراع الخطابي بين الولايات المتحدة والصين حول تقييم اليوان (العملة الصينية). في يناير 2013، أثارت الإجراءات التي أعلنتها اليابان، والتي كان من المتوقع أن تخفض قيمة عملتها، القلق من اندلاع حرب عملة محتملة في القرن الحادي والعشرين، وهذه المرة مع كون مصدر التوتر الرئيسي ليس الصين مقابل الولايات المتحدة، ولكن اليابان مقابل منطقة اليورو. بحلول أواخر فبراير 2013، كانت المخاوف من اندلاع حرب عملات جديدة قد تراجعت في الغالب، بعد إصدار مجموعة السبع ومجموعة العشرين بيانين ملتزمين بتفادي تخفيض قيمة العملة. بعد أن أطلق البنك المركزي الأوروبي برنامجاً جديداً للتخفيف الكمي في يناير 2015، كان هناك مرة أخرى تكثيف النقاش حول حرب العملات.
إن تخفيض قيمة العملة بشكل كبير هو أحد أكثر السياسات الصادمة التي يمكن للحكومة أن تتبناها - فقد أدى ذلك دائماً إلى صيحات الغضب والدعوات لاستبدال الحكومة. يمكن أن يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى انخفاض مستوى معيشة المواطنين حيث تقل قوتهم الشرائية عند شراء الواردات وعندما يسافرون إلى الخارج. كما يمكن أن تزيد الضغوط التضخمية. يمكن أن يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى مدفوعات الفائدة على الديون الدولية أكثر تكلفة إذا كانت هذه الديون مقومة بعملة أجنبية، ويمكن أن تثبط المستثمرين الأجانب. في الماضي، اعتُبرت العملة القوية علامة للهيبة، بينما ارتبط تخفيض قيمة العملة بحكومات ضعيفة. في الوقت الراهن وفي ظل «الحرب التجارية» القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين قامت وزارة الخزانة الأمريكية، بناء على طلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتسمية الصين رسمياً باعتبارها «متلاعب بالعملة» في أحدث خطوة في سلسلة متصاعدة من تحركات الحرب التجارية التي هزت الأسواق المالية عالمية كانت أو محلية. فما هو خيارك عزيزي القارئ عملة قوية أم عملة ضعيفة؟

* مستشار اقتصادي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"