«التعلم عن بعد».. تحديات وحلول

في ظل أزمة فيروس كورونا
02:34 صباحا
قراءة 5 دقائق
إيمان سرور

في غمرة ما نعيشه ويعيشه العالم أجمع من مواجهة مع الوباء العالمي المعروف بفيروس كورونا، ومع ما تعانيه كافة المجتمعات على مختلف الصعد، وبالإشارة إلى قطاع التربية والتعليم الذي يعتبر من أهم القطاعات الحيوية التي تتصل بحياة تلك المجتمعات، وما إلى ذلك من صعوبات تبرز على الصعيد العام في هذا الميدان من حيث استمرارية الطلاب في الدراسة ومخاطر ذلك عليهم، والخوف من تفشي العدوى، عمدت كثير من الدول وفي مقدمتها دولة الإمارات إلى تفعيل دور التعلم عن بعد، بحيث يتفاعل المعلمون مع الطلاب في ظل المتابعة من الأهل.
وبالنظر إلى هذه الفعاليات التي تم استحداثها وتشير إلى الاستعدادات الطارئة والنظرة الشمولية المسبقة في الدولة، يبرز دور المنظومة التعليمية الناجح الذي جسد نظرة القيادة وفلسفتها المتميزة في العمل في كافة الظروف الاستثنائية، ونخص بالذكر المدارس الحكومية؛ نظراً لتوافر الإمكانات والتواصل الحثيث المسبق الذي كان سائداً بين المنظومتين المنزلية والمدرسية من قبل، من حيث المتابعة والتعاون على المستوى التعليمي والتربوي.

الأمر ربما كان مختلفاً في ما يتعلق بالمدارس الخاصة وأدائها في عملية «التعلم عن بعد»، وذلك لأسباب عدة نتناولها في هذا التحقيق، بمشاركة عدد من التربويين والخبراء الأكاديميين وأولياء الأمور، منها التحديات التي تواجه الآباء والأمهات أثناء عملية التعلم عن بعد، ومتابعة الواجبات وأمور الطالب بشكل عام، علاوة على ضعف إمكانات بعض المدارس الخاصة من حيث التواصل التكنولوجي مع الطلاب وعدم الاهتمام المسبق.
إلى جانب التعلم الذكي الذي كان يجب أن يتم تفعيله من قبل في الظروف العادية، مما أدى إلى تذمر كثير من الأسر التي يتعلم أبناؤها في تلك المدارس، جراء العبء الذي أصبح ملقى على كاهلها خاصة عند متابعتها لتلاميذ الحلقة الأولى، والذي أدى إلى المطالبة بإلغاء عملية التعليم عن بعد، لعدم صلاحيتها وعدم تحقيق الفائدة المرجوة منها لطلبة رياض الأطفال والحلقة الأولى.


توتر


أمهات طلبة ورياض أطفال في بعض مدارس أبوظبي الخاصة، يؤكدن مواجهتهن لتحديات جمة خلال متابعتهن لعملية التعلم عن بعد لأطفالهن، وتساءلن هل راعت المدارس الخاصة ما أقرته وزارة التربية والتعليم لطلبة الحلقة الأولى بمعدل ثلاث ساعات يومياً، وهل تنفذ تلك المدارس، الحصص التفاعلية كما هو الحال في المدارس الحكومية التي وفرت لطلابها التعليم التفاعلي، الذي يستفيد منه الأبناء ويشد انتباه الصغار ويرغبهم في التعلم؟.
تقول رانيا إبراهيم (ولية أمر طفلة في إحدى رياض الأطفال في أبوظبي)، إن رياض الأطفال وبعض المدارس الخاصة جعلت الأهل والطلاب يعيشون في وضع توتر، حيث أجبرت أطفالاً صغاراً على الجلوس بواقع خمس وست ساعات يومياً على الأجهزة، وعلى حل واجبات واختبارات، وتصوير واجب مدرسي وطباعته وإرساله للمعلمة، مشيرة إلى أن بعض الأسر اضطرت إلى شراء أجهزة إلكترونية حتى تتمكن من إنجاز كل ما تطلبه المعلمة أو معلم المادة، وهذا يؤثر في ميزانية الأسرة.


معاناة وتذمر


وتطالب سمر عبد القادر (ولية أمر)، الجهات المعنية في دائرة التعليم والمعرفة، بضبط تصرفات بعض المدارس الخاصة، التي تطيل الدوام بحصص غير تفاعلية؛ بل حصص صوتية مسجلة لا تجذب الأطفال، وتجبرهم على الجلوس للاستماع نصف اليوم، ولا تراعي صحة عيونهم ولا الوضع النفسي للأهالي والأطفال.
وتشير هبة صبري (ولية أمر موظفة)، إلى أنها تعاني الأمرين مع تجربة التعلم عن بعد، فهي موظفة وتطلب إدارتها إنجاز مهام يومية عن بعد في نفس الوقت الذي يجب عليها فيه متابعة أبنائها خلال بث عملية الدروس الافتراضية، مشيرة إلى أنها تستشعر جهود المعلمين وتشكرهم على ما يقدمونه للطلبة، ولكن لديها ملاحظات ترجو أخذها بعين الاعتبار، ومنها أطفال الصفوف 1 3 الذين لا تتجاوز أعمارهم 8 سنوات، وأجسامهم وعيونهم لا تتحمل المكوث أمام شاشات التعليم كثيراً، والواجبات والمهمات والامتحانات لا يستطيعون إنجازها بمفردهم؛ بل يجب أن يكون معهم شخص بالغ يساعدهم في الطباعة والإرسال.
وتقول سلمى مبارك، إن هناك أمهات قد لا يكنَّ موظفات، ولكن لديهن مسؤوليات منزلية كثيرة من طبخ وتنظيف ومراعاة أطفال رضع وغيرها من المهام، فلا يستطعن التفرغ والجلوس أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية طوال اليوم، فتضطر الواحدة منهن إلى الاستعانة بمعلمة دروس خصوصية وهذا أكبر خطر على الأسرة.


مشاركة الأسرة


عدد من التربويين وخبراء التعليم، أبدوا آراءهم حول أهمية عملية التعلم عن بعد في مثل هذه الظروف الصعبة، وكيفية تغلب الأسرة على التحديات التي تواجهها حتى يتمكن الأبناء من مواصلة تعليمهم دونما توقف.
الخبير التربوي الدكتور صالح الجرمي، يقول: «من المعروف أن عملية التعلم عن بعد لم ولن تكون بالقدر الذي يساوي عملية التعليم المعتادة، ولكن في ظل الأزمات تبرز الحاجة إلى تفعيل هذه الآليات، فوجود شيء خير من لاشيء، ونحمد الله اليوم على نضج منظومتنا التعليمية واستنفار مؤسساتنا الخلاق والنوعي للتعامل مع مثل هذه الأزمة».
ويضيف الجرمي أن التعلم عن بعد «ربما يشوبه بعض القصور والملاحظات، وهذا موجود في كافة أنحاء العالم من حيث جدواه، لكن لا يعني ذلك الاستكانة والمكوث دون تعلم وبذل للجهود وتحمل قسط من المسؤوليات تجاه أبنائنا»، مشيراً إلى أن دور الأسرة رئيسي ومحوري في العملية التعليمية.
ويقول الدكتور باسم عتيلي أستاذ في جامعة الشارقة، إنه بدءاً من هذه المرحلة وحتى نهاية المرحلة الابتدائية يكون تركيز الطالب منصباً على تعليمه الخروج من المنزل والاستقلال عن والديه، وتعليمه كيفية التعامل مع أقرانه من الأطفال، والنطق السليم والكتابة على السطر، إضافة إلى تعليمه الأساسيات الدينية والأخلاقية والانضباط وحب الوطن والانتماء، مشيراً إلى أنه عند تقييمنا لعملية التعلم عن بعد، نجد أن أكثر المتأثرين بها سلباً هم طلبة رياض الأطفال والحلقة الأولى، وأن التعلم عن بعد هو الحل الوحيد المتوفر في ظل انتشار كورونا.
ويؤكد الدكتور نصر عارف أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن أزمة كورونا أثبتت أن التعليم الحكومي الرسمي كونه يعتمد على مؤسسات وطاقات كبيرة لا تسعى إلى الربح هو الأقدر والأنجع لمواجهة التحديات الطارئة والأزمات الكبرى مثل حالة كورونا، بعكس التعليم الخاص الذي يعد ضعيفاً، مشيراً إلى أنه مع انتهاء هذه الأزمة سيعود الاعتبار للتعليم الحكومي.
وأشار إلى أهمية دور الأمهات والآباء في تعليم أولادهم، ففي المجتمعات الأخرى نلاحظ الانخراط القوي في التعليم من قبل أولياء الأمور، حيث يصطحب ولي الأمر طفله إلى المكتبة ويشاركه القراءة، ونحن لا نمتلك هذا الأسلوب.
ولفت إلى أن أزمة «كورونا» لها بُعد إيجابي وتعلمنا اليوم أشياء كثيرة، منها أن الآباء والأمهات بحاجة إلى أن ينخرطوا مع أبنائهم ويتطوعوا في المدارس ويشاركوا المعلمين ما يمتلكون من مهارات في العملية التعليمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"