«الخردة» في لبنان.. تجارة من ذهب

01:36 صباحا
قراءة 4 دقائق
مع استفحال أزمة النفايات التي تضرب لبنان، وبعد عجز كل المساعي المطروحة للقضاء عليها، عادت تجارة الخردة لتعيد مجدها. عاد للكرتون والحديد والنايلون قيمته، ووجد فيها الشباب العاطل عن العمل مهنة وتجارة مربحة جداً وتدر أموالاً طائلة.
«تنك.. حديد.. بطاريات عتيقة للبيع»، عبارة يطلقها محمد طوال النهار خلال جولته في القرى بحثاً عن تلك القطع الذي رمى بها أصحابها في النفايات، ولكنها باتت مصدر دخل له بعدما وجد في «تجارة الخردة» ملاذه الآمن من «البطالة» التي تعانيها الشريحة الكبرى من المجتمع اللبناني. محمد الذي تخرج أخيراً في كلية الاقتصاد، قرر أن يستغل أزمة النفايات في أهدافه الاقتصادية.
يقول: «كثير من أصدقائي ومعارفي عارض مشروعي، قائلين: (أتريد العمل في القمامة؟) قالوها ولكنهم لا يدركون أن النفايات ذهب لبنان المهمل وفي أحيان تبلغ مداخيله 500 دولار من البلاستيك والتنك». ونظراً لارتفاع نسبة البطالة في لبنان باتت الخردة مهنة مستحدثة يلجأ إليها كل من عاقبته ظروف الحياة، فضلاً عن أنها مربحة، وهذا ما تؤكده أسعار الحديد والنحاس والتنك والبلاستيك، فطن الحديد ب 600 دولار، والتنك ب400 دولار، والنحاسيات سعرها حسب نوعيتها، وبالتالي هي «تجارة الذهب» بالفعل بحسب أبو علي، الذي يمارس تلك المهنة منذ زمن بعيد.
يقول أبوعلي: «الخردة تجارة رابحة، تسد جزءاً كبيراً من مطالب عائلات كثيرة بدأت تجمع ما يرميه السكان من تنك وحديد وبلاستيك، يأتون بها إلى مكان يجمعها لقاء بدل يومي».
دفع تراجع الأوضاع المادية للشابة مريانا إلى البدء بجمع التنك والبلاستيك والنحاس، ولم تكن تدرك أن تلك القطع ستمكنها من دفع أقساط الجامعة. تقول: «استغللت الصيف لجمع هذه المواد من الحقول وأكوام النفايات المتكدسة بشكل مخيف في الطرق، جمعت نحو طنين منها، أي ما يعادل 1500 دولار».
لم تعر مريانا الانتقادات التي طالتها، وتضيف: «ليس معيباً ما أقوم به. على العكس أعمل على فرز النفايات بطريقة غير مباشرة، لم أتخيل أنها ستكون مربحة بهذا الشكل، لكن حين رأيت كثيرين يمتهنونها كعمل إضافي أدركت سر التحول نحوها، أقله أنها تخلص البيئة من تخمة النفايات وهذا جزء من الحل».
أما جومانة فاعتادت أن تذهب أسبوعياً إلى المكان المخصص لجمع الخردة، فهناك يتسنى لها أن تجد قطعاً ثمينة رمى بها أصحابها بحجة «التجديد»، وبذلك استطاعت أن تشتري بعض محتاجاتها والعديد من القطع المعدنية التي أعادت تبييضها، فضلاً عن أسعارها الرخيصة بكثير من المحال، بحسب ما تقول.
كثيرون يتبعون سياسة الشراء من مكان تجمع الخردة، التي يقصدونها أسبوعياً، للبحث عن حاجاتهم بين الأكوام المتكدسة من الحديد والنحاس والأدوات الكهربائية وغيرها، فيما يعتمدها آخرون للتجارة والكسب الكبير.
ولا يوجد تاريخ محدد لممارسة هذه التجارة، ويتذكر البعض أن قلة كانت تعمل بها، كانت محسوبة على أهل بلدة هونين الجنوبية، وكان أغلب العاملين فيها يملكون سيارات «بيك أب» يتجولون بها في القرى، مطلقين العنان لصوتهم: «بطاريات عتيقة للبيع.. نحاس.. تنك.. حديد للبيع»، إلا أن تلك «الموضة» انتهت وبات كل شخص جامعاً للخردة. يوسف الآتي من بلدة البيسرية الجنوبية، من هؤلاء، إذ يجمع كل ما تقع عليه عيناه في الحقول ثم يبيعها، معتبراً أن ما يجمعه بمثابة مال إضافي يعينه على تلبية متطلبات الحياة إلى جانب عمله في الحدادة الذي لا يؤتي ثماره، فما يجمعه يساعده على تعليم أولاده.
تحولت الأنظار إلى جمع وبيع الخردة في الفترة الأخيرة، خصوصاً مع اكتظاظ النفايات في الشوارع ولجوء عدد من السكان إلى البحث داخلها عما يُباع. تبدأ عملية جمع الخردة مع سلمان عند الخامسة صباحاً وتنتهي الرابعة عصراً في مكان يطلق عليه اسم «البورة» وهناك تتقاطع الأصوات، حيث حركة العمال التي لا تهدأ. يفرزون القطع، كل صنف على حدة. داخل «البورة» تتعرف إلى نمط جديد من حياة اللبناني، فالغني والفقير يقصدها. وغالباً ما تجد قطعاً نادرة استخف أصحابها بها، يقول سلمان: «في إحدى المرات رمت إحدى السيدات فانوساً قديماً مزخرفاً وبعض القطع القديمة، فبعتها لهاوٍ بمئتي دولار».
استطاع سلمان أن يحسن ظروفه المعيشية، ويوضح قائلاً: «بعد اختصاصي الجامعي في هندسة الميكانيكا أمضيت أكثر من سنتين أبحث عن عمل، بلا جدوى. وصادف أن كنت في (البورة) أبحث عن قطع نحاسية أحببت التجربة ووسعت أعمالي، ومن خلال هذه التجارة استطعت تأمين منزل لي وتكاليف الزواج».

أبوعلي بريش، صاحب أحد أماكن تجميع الخردة، يرى أن توجه الناس نحو هذا العمل مرده إلى الإنتاج، فهي مربحة، ولا يخفي بريش أن الأرباح الذي يحصدها من تلك الخردة، ربما تتجاوز مداخيلها اليومية ال 300 دولار أحياناً. ولا يتردد بالقول: «الخردة تجارة ناجحة ومشجعة، فهي لا تخضع للضرائب ولا للرقابة. ما نجمعه نبيعه ويعاد تحويله ليدخل في الصناعات المحلية التي تعيش أزمة خانقة يجب تشجيعها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"