«الشدة المستنصرية».. سبع سنوات وباء وغلاء

أزمات مرت
05:11 صباحا
قراءة دقيقتين

إعداد: مها عادل

منذ القدم، اعتادت سنن الحياة في مصر على دورات متعاقبة من الرخاء، ثم الشدة، ارتبطت بمواسم فيضان النيل، الذي تقوم عليه زراعة الأرض، وفلاحتها. وفي العادة، قد يخلف النيل موعده في أحد الأعوام فيأتي الفيضان شحيحاً، وتقل الغلات، والمحاصيل، ولكن سرعان ما تأتي رحمة الله في العام التالي، وينبعث الفيضان وفيراً، ويغاث الناس بوفرة الزراعة، والمحاصيل.

وعندما يخلف النيل موعده يشتد البلاء على الناس، وتسود المجاعة، كما حدث في عصر نبي الله يوسف.

وفي منتصف القرن الحادي عشر الميلادي، شهدت مصر مرحلة من أسوأ مواسم الجفاف والقحط خلال الألف سنة الماضية، واستمرت 7 سنوات غاض فيها النيل، ولم يأت الفيضان في مواسمه، فأقفرت المزارع، وهلكت القطعان، وضربت البلاد مجاعة مات فيها الكثيرون، وسميت ب«الشدة المستنصرية»، لأنها وقعت في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله. ويروي المؤرخ الشهير تقي الدين المقريزي بعض المشاهد المروعة من هذه الشدة، ويقول: «ظهر الغلاء، واشتد جوع الناس لقلة الأقوات في الأعمال، وكثرة الفساد، وأكل الناس الجيفة والميتات ووقفوا في الطرقات، فقتلوا من ظفروا به، وبيعت البيضة من بيض الدجاج بعشرة قراريط، وبلغت تكلفة رواية الماء ديناراً كاملاً، وبيع

دار ثمنها 900 دينار بتسعين ديناراً ليتم إنفاقها في شراء الدقيق والطعام فقط، وازدادت الشدة عندما انتشر مع حالة الغلاء وباء شديد فقدت بسببه مزيد من الأرواح، وفتك بأجساد العباد، وأرزاقهم ولم يفرق بين غني، وفقير، فانقطعت الطرقات براً، وبحراً، وبيع رغيف من الخبز زنته رطل في زقاق القناديل كما تباع التحف، فبلغ 14 درهماً، وبيع أردب قمح بثمانين ديناراً. وحينما نفد الطعام كله، توجهوا لأكل الكلاب، والقطط، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير.

واستمرت الفوضى تضرب مصر 7 سنوات حتى استغاث الخليفة ببدر الجمالي الذي كان والياً على الشام، فدخل القاهرة مع قافلة من المؤن والأغذية، والدواء، وتولى منصب الوزارة، فضبط عملية توزيع الحصص التموينية، وأعاد إلى البلاد الهدوء، والأمان، والاستقرار، حتى جاء فرج الله في فيضان النيل، فرويت الأرض، وعاد الفلاحون إلى الزرع، وعادت البلاد للحياة من جديد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"