أبو هريرة.. ذاكرة خارقة باركها الرسول

من أعلام القضاء
02:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
‮عرف عن الصحابي الجليل أبي هريرة أنه صاحب ذاكرة خارقة، وعلى الرغم من قصر فترة مصاحبته للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه ملأ الدنيا علماً بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يتحدث محمد بن سعد في كتابه‮ «‬الطبقات الكبرى‮» ‬عن مدى علم أبي هريرة وعدم نسيانه وهو ما ذكره أبو هريرة عن نفسه حيث قال‮: «‬قال رسول الله،‮ ‬صلى الله عليه وسلم،‮ ‬لي‮: ‬ابسط ثوبك،‮ ‬فبسطته ثم حدثني‮ ‬رسول الله صلى الله عليه وسلم النهار أي‮ ‬طوال النهار ثم ضممت ثوبي‮ ‬إلى بطني‮ ‬فما نسيت شيئاً مما حدثني‮» وفي‮ ‬رواية أخرى عن أبي‮ ‬هريرة قال‮: «‬قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم‮: ‬إني‮ ‬سمعت منك حديثاً كثيراً فأنساه‮! ‬فقال‮: ‬ابسط رداءك،‮ ‬فبسطته فغرف بيده فيه ثم قال‮: ‬ضمه،‮ ‬فضممته فما نسيت حديثاً بعده‮».‬
‮ ‬وعن أبي‮ ‬هريرة أنه قال‮: ‬«حفظت من رسول الله،‮ ‬صلى الله عليه وسلم،‮ ‬وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم‮».‬

ملازمة النبي

‮ ‬ونظراً لقلة المدة التي‮ ‬مكثها أبو هريرة مع النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم مع كثرة ما روى من حديث فقد عيب عليه أنه‮ ‬يكثر الرواية والتحديث بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم‮ ‬وقد أجاب أبو هريرة عن ذلك بقوله‮: «‬إن الناس‮ ‬يقولون أكثر أبو هريرة من الحديث ووالله لولا آيتين في‮ ‬كتاب الله عز وجل ما حدثت حديثاً،‮ ‬ثم قرأ‮: «‬إن الذين‮ ‬يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى»‮.. ‬حتى‮ ‬يبلغ‮ «‬فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم‮». ‬ثم‮ ‬يقول على أثرهما‮: ‬إن إخواننا من المهاجرين كان‮ ‬يشغلهم الصفق أي‮ ‬عقد الصفقات والتجارة ‮ ‬بالأسواق،‮ ‬وإن إخواننا من الأنصار كان‮ ‬يشغلهم العمل في‮ ‬أموالهم»،‮ ‬وكان أبو هريرة‮ ‬يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمع ما لا‮ ‬يسمعون ويحفظ ما لا‮ ‬يحفظون‮.‬

‮ ‬وعن أبي‮ ‬هريرة‮: ‬أنه حدث عن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم بالحديث «من شهد جنازة فله قيراط»،‮ ‬فقال ابن عمر رضي الله عنهما‮: ‬انظر ما تحدث به‮ ‬يا أبا هريرة فإنك تكثر الحديث عن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده فذهب به إلى عائشة فقال‮: ‬أخبريه كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‮ ‬يقول‮: ‬فصدقت أبا هريرة،‮ ‬فقال أبو هريرة‮:‬يا أبا عبد الرحمن والله ما كان‮ ‬يشغلني‮ ‬عن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬غرس الودي‮ ‬ولا الصفق بالأسواق‮! ‬فقال ابن عمر‮: ‬أنت أعلمنا‮ ‬يا أبا هريرة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه‮.‬
‮ ‬وعن أبي‮ ‬هريرة‮: ‬أنه قال‮: «‬إن الناس قد قالوا‮: ‬قد أكثر أبو هريرة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‮: ‬فلقيت رجلاً فقلت أية سورة قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في‮ ‬العتمة؟ فقال‮: ‬لا أدري‮! ‬فقلت‮: ‬ألم تشهدها؟ قال‮: ‬بلى‮. ‬قال‮: ‬قلت ولكني‮ ‬أدري‮ ‬قرأ سورة كذا وكذا»‮..‬ هكذا‮ ‬يفسر أبو هريرة سر تفرده بكثرة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم‮.‬
‮ ‬فهو أولاً كان متفرغاً لصحبة النبي‮ ‬أكثر من‮ ‬غيره‮.. ‬وهو ثانياً كان‮ ‬يحمل ذاكرة قوية،‮ ‬باركها الرسول فزادت قوة‮.. ‬وهو ثالثاً لا‮ ‬يحدث رغبة في‮ ‬أن‮ ‬يحدث،‮ ‬بل لأن إفشاء ونشر هذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته،‮ ‬وإلا كان كاتما للخير والحق،‮ ‬وكان مفرطا‮ً ‬ينتظره جزاء المفرطين‮..‬
‮ ‬من أجل هذا راح‮ ‬يحدث ويحدث،‮ ‬لا‮ ‬يصده عن الحديث صاد،‮ ‬ولا‮ ‬يعوقه عائق‮.. ‬و كان واثقاً من نفسه ومن أمانته،‮ ‬وكان لا‮ ‬يريد أن‮ ‬يكتم من الحديث والعلم ما‮ ‬يعتقد أن كتمانه إثم وبوار‮.‬

قاضي المدينة

تولى أبو هريرة قضاء المدينة في‮ ‬عهد الدولة الأموية ومن أشهر ما تعرض له من مسائل ما ذكره الضبي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ «‬أخبار القضاة‮» حيث روي‮ ‬عن أبي‮ ‬ميمون،‮ ‬وهو سلمة بن المجنون،‮ ‬قال‮: ‬عقلت بعيري،‮ ‬ودخلت المسجد،‮ ‬فجاء رجل فأطلقه،‮ ‬فجئت إليه،‮ ‬فقلت‮: ‬يا فاعلاً بأمه‮! ‬ أي‮ ‬اتهم أمه بالزنا وهذا قذف للمحصنات فرفعني‮ ‬إلى أبي‮ ‬هريرة،‮ ‬فضربني‮ ‬ثمانين‮. ‬

‮ ‬وكذلك كان له قضاء في‮ ‬دين فعن أبي‮ ‬المهزم،‮ ‬قال‮: ‬كنت عند أبي‮ ‬هريرة،‮ ‬فأتاه رجل بغريم له،‮ ‬فقال‮: ‬إن لي‮ ‬عليه مالا،‮ ‬قال‮: ‬ما تقول‮؟ قال‮: ‬صدق،‮ ‬قال‮: ‬اقضه،‮ ‬قال‮: ‬ليس عندي،‮ ‬إني‮ ‬معسر،‮ ‬قال للآخر‮: ‬ما تقول‮؟ قال‮: ‬أريد أن تحبسه،‮ ‬قال‮: ‬هل تعلم أن له عين مال فآخذ منه،‮ ‬فنعطيك‮؟ قال‮: ‬لا،‮ ‬قال‮: ‬فما تعلم أن له أصل مال،‮ ‬فيبيعه ويقضيك‮؟ قال‮: ‬لا،‮ ‬قال‮: ‬فما تريد منه‮؟ قال‮: ‬أريد أن تحبسه،‮ ‬قال‮: ‬لا أحبسه لك،‮ ‬ولكن أدعه‮ ‬يطلب لك،‮ ‬ولنفسه،‮ ‬ولعياله‮.‬
‮ ‬ومن عدل أبي‮ ‬هريرة في‮ ‬قضائه تسويته بين الخصوم،‮ ‬فعن محمد بن نعيم،‮ ‬عن أبيه،‮ ‬قال‮: ‬شهدت أبا هريرة‮ ‬يقضي،‮ ‬فجاء الحارث بن الحكم،‮ ‬فجلس على وسادته التي‮ ‬يتكئ عليها،‮ ‬فظن أبو هريرة أنه لحاجة‮ ‬غير الحكم،‮ ‬فجاءه رجل،‮ ‬فجلس بين‮ ‬يدي‮ ‬أبي‮ ‬هريرة،‮ ‬فقال له: مالك‮؟ قال‮: ‬استأدني‮ ‬على الحارث أي‮ ‬احكم بيني‮ ‬وبين الحارث فما كان من أبي‮ ‬هريرة إلا أن قال: قم فاجلس مع خصمك،‮ ‬فإنها سنة أبي‮ ‬القاسم صلى الله عليه وسلم‮.‬

‮ ‬وعن شدة حفظه وذاكرته الخارقة‮ ‬يقول خالد محمد خالد في كتابه‮ «‬رجال حول الرسول‮» ‬أراد مروان بن الحكم‮ ‬يوما أن‮ ‬يبلو أي‮ ‬يختبر ‮ ‬مقدرة أبي‮ ‬هريرة على الحفظ،‮ ‬فدعاه إليه وأجلسه معه،‮ ‬وطلب منه أن‮ ‬يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،‮ ‬في‮ ‬حين أجلس كاتبه وراء حجاب،‮ ‬وأمره بأن‮ ‬يكتب كل ما‮ ‬يقول أبو هريرة‮..‬

‮ ‬وبعد مرور عام،‮ ‬دعاه مروان بن الحكم مرة أخرى،‮ و‬أخذ‮ ‬يستقرئه الأحاديث نفسها التي‮ ‬كان كاتبه قد سطرها،‮ ‬فما نسي‮ ‬أبو هريرة كلمة منها‮، ‬وظل أبو هريرة على عهده حتى لقي‮ ‬ربه فرضي‮ ‬الله عنه وأرضاه‮.‬

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"