أمين اتحاد أدباء وكتّاب العراق ألفريد سمعان في حوار مع "الخليج"

03:45 صباحا
قراءة 7 دقائق
حوار: إبراهيم اليوسف
حياة الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين الشاعر والحقوقي العراقي ألفريد سمعان ،1928 بحد ذاتها، تعد ملحمة حقيقية، على امتداد ستة عقود من الإبداع، والنضال، وليس أدل على هذا أكثر من أننا إذا عرفنا أنه لم يكن مجرد الشاهد على عصر كامل، برجالاته العظام، في ميدان الثقافة والسياسة، بل كان الفاعل المؤثر، طوال تلك الحقبة، الأكثر صعوبة في حياته، من بينها: الإبعاد عن الوظيفة، والنفي، والهجرة، فقد شهد رفيق دربه "فهد" وهو مثقل بالأصفاد، في نهاية أربعينات القرن الماضي يقاد إلى الجلجلة، سامعاً صرخته الأخيرة، المدوية برباطة جأش، كما أنه كان اليد اليمنى للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي ترأس اتحاد الكتّاب العراقيين، وترأس نقابة الصحفيين العراقيين، أيضاً، وكان الشاعر سمعان يعمل معه إلى أن ترك العراق في ستينات القرن الماضي، كما أن الشاعر بدر شاكر السياب قد كتب مقدمة أولى مجموعاته الشعرية في العام ،1952 وإن كان سيبدي ملاحظاته على الرجل، بعد أن لبى دعوة مجلة شعر، وانقلب رأساً على عقب على رؤاه، ومفاهيمه، التي سيندم عليها كما يقول الشاعر الكبير سمعان .
أصدر الشاعر سمعان حتى الآن، أكثر من عشرين مجموعة شعرية، منذ قصيدته الأولى التي كتبها منذ أربعينات القرن الماضي، ناهيك عن عدد من مساهماته في مجالات السرد، التقته "الخليج"، على هامش فعاليات الاجتماع الأخير للمكتب الدائم لاتحاد الكتاب العرب في أبوظبي، معبراً عن سعادته بين أقرانه من الكتّاب، في هذا المكان الإماراتي الثقافي الحميم، مبدياً موقفه في قضايا عديدة، إلى جانب بعض ذكرياته الغائرة في التاريخ والتي يعد أحد الشهود النادرين عليها، وهو يتناولها، وكأنه يتحدث عن وقائع يومه الجديد، إلى جانب انكبابه اليومي على القراءة، وهو في عقده التاسع من العمر .
* ها أنت تتابع الإصدارات الجديدة، وتقرأها، فما علاقتك بالحدث اليومي، بعد كل هذه العقود من تجربتك، أمد الله في عمرك؟
- أجل، لا يمر علي يوم واحد إلا وأقرأ فيه، هذا ما أفعله منذ بداية وعيي، وإضافة إلى قراءاتي، فأنا منذ ستين سنة أكتب - ما تيسر لي - في الصحافة، وأنشر نحو ثلاث مقالات في وسائل الإعلام، في كل أسبوع، للعلم، أنني أكتبها بشكل تطوعي، من دون مقابل .
* وماذا عن سر قبضك على جمر الشعر، لاسيما وأنك بت تكتب ما يتماس مع اللحظة، من خلال وجهة نظرك؟
- الشعر عندي قضية، والقضية عندي تترجم من أجل سعادة الإنسان، من أجل كرامته، وحريته، فأنا شعاري هو الإنسان، أجل، الإنسان أولاً وأخيراً، فالإنسان هو أكبر رأسمال في الوجود، أنا مازلت أفكر كما كنت من قبل، أنا صديق البسطاء، والمظلومين، أنا صديق الكادحين، ولا أكلّ ولا أتعب من هذا الحب الكبير لهم، وألمس - يوميا - مدى سعادتي، عبر ترجمة رؤياي وقناعاتي الراسخة التي لا فكاك عنها البتة .
* ماذا عن تجربتك المريرة مع السجن، لاسيما أنك قد تعرضت لهذه التجربة أكثرمن مرة؟
- سجنت أكثر من مرة، وتعرفت إلى سجني "نقرة السلمان" و"أبي غريب ضمن سلسلة السجون التي دخلتها، وقد كان إلى جانبي المناضل الوطني والتقدمي- فهد - في لحظاته الأخيرة"، وكنت أحد ركاب "قطارالموت"، حين حشرنا في - قاطرة شحن ومات أحد الذين كانوا معي- وأوشكنا على النهاية .
* وماذا عن لحظة تنفيذ حكم الإعدام بالمناضل الكبير فهد، حيث كانت زنزانتك مقابل زنزانته، كما قرأنا شذرات عن تجربة سجنك؟
- تم ذلك في العام ،1948 عندما أخذ من بيننا، وهو مثقل بالأصفاد التي أثقلت رجليه، فكان يسير بعد أن قادوه إلى لحظة الإعدام، كمن يزحف، بيد أنه كان شامخاً، رافع الرأس، وهو يودعنا الوداع الأخير .
تلك اللحظات الأليمة لا تفارق مخيلتي، فأنا أعيش تحت وطأتها، غير أن ما يوازن معادلتي النفسية، دائماً، هو ما استخلصته من شجاعة الرجل، وثقته برؤاه، وقناعاته التي لم يحد عنها، ولم يساوم عليها أبداً .
* لماذا ثنائية كتابتك للقصة إلى جانب الشعر؟
- الأمر جد عادي من خلال وجهة نظري، فالشعر والقصة هما لونان أدبيان، لكل منهما شروطه، ومن هنا، فإن من يجيد شرط هذا الفن وذاك، فمن الممكن أن يكتب فيهما، بل إن الإبداع في فن كتابي ما، قد يؤازر المبدع أثناء ممارسته لفن آخر سواه، وهناك ما يمكن أن أتناوله عبر الشعر، كما أن هناك ما يمكن أن أتناوله عبر القصة، أو عبر المقال .
* وماذا عن موقفك من فن الرواية؟
- لابد من أن نعترف أن الرواية تقدمت على نحو واضح في العشرين سنة الماضية، الرواية ممتعة كنص مقروء، وهي تحتل الآن دورها الكبير، أبناؤنا يسابقوننا إلى قراءتها، وفي إمكانها رصد الكثير، بطريقة مختلفة عن الشعر، وحتى عن القصة .
* هل لك أن تحدثنا - قليلا - عن علاقتك بالشاعر محمد مهدي الجواهري؟
- علاقتي بالشاعر الجواهري كانت جد مميزة، ومن بين ذلك، أننا أثناء تأسيس اتحاد الكتّاب ،1959 عملنا معاً عن قرب، وكنت "مدير الإدارة" ومحاسب الاتحاد، وأوفدني إلى بيروت لمقابلة د . محمد دكروب لطباعة أحد دواوينه . .إلخ، بيد أن هذه المحاولة، وبسبب ارتفاع تكلفة النقل، على ما أذكر، لم تتحقق، المهم، أنني والشاعر الجواهري ظللنا جد قريبين إلى بعضنا بعضاً، منذ بداية تعارفنا، و إلى سنة 1961 حين غادر العراق إلى سوريا، ومنها إلى أوروبا، فسوريا، والتقيته مرتين، بعد ذلك، مرة في دمشق 1969 في مؤتمر الاتحاد العام، والأخرى في براغ حين زرتها سائحاً .
* ما الذي تذكره عن علاقتك بالشاعر بدر شاكر السياب؟
- قدم أول مجموعة شعرية لي، وهي "في طريق الحياة 1952" وهي تنتمي إلى شعرالتفعيلة، وما أسجله عليه من ملاحظات، بل ما سجلته عليه، وهو بيننا، هو أنني لم أستسغ تغير مواقفه، وانقلابه على نفسه، مرات عدة، لكنه، مع هذا من أهم شعراء العصر، ومن هنا، فإنه ينال احترامنا جميعاً، نتيجة إبداعه العالي .
* لكن، هناك شعراء كثيرون تنكروا، أو مازالوا يتنكرون لانتمائهم إلى الحزب الشيوعي العراقي؟
- أوافقك الرأي هنا، ومن هؤلاء عبدالوهاب البياتي الذي عملنا معاً، وكنا في خلية حزبية واحدة مع كل من هاشم الطعان ونورالدين فارس بقيادة عبدالجبار وهبي، وتنكر لهذه الصفحة من ماضيه في حوارات عدة، منها ما هو متلفز، وهكذا بالنسبة للشاعر عبدالرزاق عبدالواحد الشيوعي الذي انجرف بعيداً عن قناعاته، وكان عضو لجنة "قيادة الفلاحين" .
* ما سر ذم السياب للبياتي في كتاب"كنت شيوعياً"؟
- لابد من أن أوضح، وللحقيقة، أن السياب تخلى، في حياته، عما جمع لاحقاً بين دفتي هذا الكتاب، وكان عبارة عن سلسلة مقالات نشرها، كردات فعل تجاه من حوله، ومحاولات استباقية للدفاع عن تحولاته الخطرة التي تمت بين ليلة وضحاها . لنعد إلى سر نفور السياب من البياتي، فقد كان سبب ذلك طبيعة تكوينه الجسدي، وعقدته تجاه البياتي الذي كان يتصف بالوسامة، كما أن موضوع إخفاقاته مع المرأة كان سبباً رئيساً وراء كل ذلك، فقد قال ذات مرة مامعناه: "في كل أمسية شعرية لي يصفق لي بحرارة كل من في القاعة، ويخرج في نهاية الأمسية كل منهم مع صديقته وأعود أدراجي وحيداً" . أقول هذا إضافة إلى أنه كان يرى في البياتي منافساً بارزاً له، ويتصف باللباقة، والذكاء، ومقدرته على التواصل مع الناس، ومنهم: عبدالملك نوري- فؤاد التكرلي- حسين مردان إلخ، بينما كان السياب منكفئاً على نفسه، أصدقاؤه محدودون، وجلهم من منطقة البصرة .
* كيف تعاملتم كاتحاد كتّاب عراقيين، مع الأعضاء الذين كانوا ينتمون إلى النظام السابق؟
- إنه سؤال مهم، أحييك عليه، ومن موقعي كأمين اتحاد أدباء وكتّاب العراق، أؤكد أننا ندعو الكتّاب إلى التسامح، ولم نقم بفصل أحد، حتى من لم يسدد اشتراكاته المالية، لئلا يقال عنا: إنهم يقومون بتصفية عضويات المختلفين معهم في الرأي . لقد تعاملنا، ولما نزل، وسنستمر، في التعامل مع هؤلاء بكل محبة واحترام .
* تقصد حتى الذين مجّدوا صدام حسين؟
- لم نتعامل مع هؤلاء الكتّاب بهذه الروحية، بل بروحية المثقفين، ويبقى -في النهاية - أن كلاً منا مسؤول عن خطابه .
* ثمة آراء متناقضة من لدن النقاد والشعراء فيما يخص ظاهرة ثنائيتي الغموض و المباشرة في الشعر، بم تعلق على هذا الأمر؟
- أنا مع الشعر، لا مع الإسراف في وضوحه، ولا مع الإسراف في غموضه، فالتهويمات الشعرية جد مسيئة لهذا الفن العظيم، ولقد التزمت بهذه الرؤية الراسخة لدي حول ثنائيتي الوضوح والغموض التي لما تزل منذ قرون طويلة، مثار الحوار، والنقاشات بين المعنيين بالشعر، منتجين ونقاداً ومتلقين، في آن .
* كنت أحد قلة من الكتّاب الذين دافعوا، ولم يزالوا يدافعون عن مدرسة الواقعية الاشتراكية، ماذا تقول عنها، الآن، بعد انفضاض كثيرين من دعاتها عنها؟
- لا، لست وحدي المتمسك - الآن - بعد كل هذه التبدلات بهذه المدرسة المهمة، في تاريخ الإبداع والفن، فثمة كثيرون مثلي، في العالم كله، لما يزالوا يدافعون عنها، ويبدعون وفق رؤاها، ولكني أؤكد، أن علينا جميعاً، الاستفادة من سنة تطور الحياة، فنطور رؤيتنا، وهو ما يخدم صلب مصلحة هذه المدرسة نفسها، كما أنه يخدم صلب رسالة الإبداع .
* كيف تنظر إلى الإبداعات التي تقدم من قبل الأجيال الجديدة؟
- اعتدت، أن أحتضن أصحاب المواهب الجديدة، وأعني بها، وأفرح بمنجزها، على امتداد تجربتي مع القلم، وأفرح لأي إنجاز من إنجازاتها، فكما أننا كنا في بداياتنا أحوج إلى من يقف إلى جانبنا، ويقرأنا، فإن الأسماء الجديدة التي تصنع مستقبل الإبداع، لها حق علينا في تشجيعها، وتبنيها، وفتح ما أمكن، من الآفاق أمامها .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"