الأرقم بن أبي الأرقم صاحب دار الإسلام

الصحابة الرواة
12:25 مساء
قراءة 7 دقائق

صحابي رفيع الشأن كان سابع رجل يدخل في الإسلام، وكانت داره بمكة عند الصفا تسمى دار الإسلام، وفيها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمع بالصحابة قبل أن يجهر بالدعوة، وكما كان من السابقين الى الإسلام كان من المهاجرين الأولين، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي طلحة زيد بن سهل، وأقطعه داراً بالمدينة، شهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها، ونفله النبي صلى الله عليه وسلم سيفًا، واستعمله على الصدقات، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث.

إنه الأرقم بن أبي الأرقم القرشي المخزومي رضي الله عنه، وكنيته أبوعبدالله، واسم أبيه: عبد مناف بن أسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، واختلف في اسم أمه، قيل هي: أميمة بنت عبد الحارث بن حبالة بن عُمير بن غُبْشان من خُزاعة، وخاله نافع بن عبدالحارث الخزاعي، وقيل اسمها: تماضر بنت حِذيم من بني سهم، وقيل: اسمها صفية بنت الحارث بن خالد بن عمير بن غُبشان الخزاعية، ويكنى الأرقم أبا عبدالله.

المسلم السابع

كان الأرقم من الأولين السابقين إلى الإسلام، فقد كان إسلامه قديمًا، قيل: لم يسبقه إلى الإسلام غير ستة من الصحابة، ويروى عن عثمان بن الأرقم يقول: أنا ابن سبعةٍ في الإسلام أسْلَمَ أبي سابع سبعة، وقيل: أسلم بعد عشر أنفس، وقيل: كان الثاني عشر من الذين أعلنوا إسلامهم، وعلى أي من الروايات فقد كان من السابقين الأولين.

روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: خرج أبو بكر يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له صديقًا في الجاهلية، فلقيه فقال: يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك، واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله أدعوك إلى الله، فلما فرغ رسول الله من كلامه أسلم أبو بكر فانطلق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما بين الأخشبين أحد أكثر سرورًا منه بإسلام أبي بكر، ومضى أبو بكر فراح لعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، فأسلموا، ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة بن الجراح، وعبدالرحمن بن عوف، وأبي سلمة بن عبدالأسد، والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا رضي الله عنهم.

وقد سرد ابن إسحاق أسماء من أسلم قديمًا من الصحابة رضي الله عنهم، قال: ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة عبدالله بن عبدالأسد، والأرقم بن الأرقم، وعثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وسعيد بن زيد، وامرأته فاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة بنت أبي بكر، وهي صغيرة، وقدامة بن مظعون، وعبدالله بن مظعون، وخباب بن الأرت، وعمير بن أبي وقاص، وعبدالله بن مسعود، ومسعود بن القاري، وسليط بن عمرو، وعياش بن أبي ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلمة بن مخرمة التيمي، وخنيس بن حذافة، وعامر بن ربيعة، وعبدالله بن جحش، وأبو أحمد بن جحش، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وحطاب بن الحارث، وامرأته فكيهة بنت يسار، ومعمر بن الحارث بن معمر الجمحي، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمطلب بن أزهر بن عبد مناف، وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة بن سعيد بن سهم، والنحام واسمه نعيم بن عبدالله بن أسيد، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وخالد بن سعيد، وأمينة بنت خلف بن سعد بن عامر بن بياضة بن خزاعة، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وواقد بن عبدالله بن عرين بن ثعلبة التميمي حليف بني عدي، وخالد بن البكير، وعامر بن البكير، وعاقل بن البكير، وإياس بن البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة من بني سعد بن ليث، وكان اسم عاقل غافلا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقلا، وهم حلفاء بني عدي بن كعب، وعمار بن ياسر، وصهيب بن سنان.

الملاذ الآمن

في مرحلة الاستضعاف والخوف اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون دار الأرقم هي دار الدعوة، ودار المسلمين السرية، وبيت المسلمين المتخفين من قريش، يجتمعون فيها بنبيهم صلى الله عليه وسلم، يقرأون فيها القرآن، ويتبادلون أخبار مكة، فكان لتلك الدار التي تقع أسفل جبل الصفا بعيدة عن أعين الكفار من قريش دور مهم في تاريخ الإسلام، فيها أسلم كبار الصحابة وأوائل المسلمين، وفيها تربت طلائع الدين الجديد التي حملت راية الإسلام عالية حتى انتصرت على كل الرايات، وفيها نشأت النواة الأولى لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اختار الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ليجتمع فيها بالمسلمين سراً ليس فقط لأنها بعيدة عن أعين المشركين وجواسيس قريش، ولكن لأنها كانت بعيدة عن أن تخطر لهم ببال، فلم يكن إسلام الأرقم معروفًا، وكان فتى لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، ولم يكن يخطر لقريش أن تكون داره هي المركز الذي يتجمع فيه المسلمون الأوائل، وهي إن فكرت في البحث عن مكان اجتماع المسلمين مع النبي صلى الله عليه وسلم فلن تفكر في أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل يتجه نظرها وبحثها إلى بيوت كبار أصحابه، أو بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان تحت مراقبة قريش ليل نهار.

بقي الرسول صلى الله عليه وسلم مدة ثلاث سنوات يدعو الناس إلى الإسلام بشكل سري، خوفًا من بطش الكفار بالثلة القليلة المؤمنة من الرجال الذين أسلموا بالخفاء، خاصة بعد أن ازدادت المضايقات من قبل الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكانت دار الأرقم هي ملاذهم الآمن، وكان الأرقم من بني مخزوم وهي القبيلة التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم فما كانت قريش تتصور أن يكون اجتماع الرسول والذين معه في دار من دور بني مخزوم.

كانت تلك هي المرحلة السرية في الدعوة إلى الإسلام، ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء، حتى فشا أمر الإسلام بمكة، وتحدث به الناس، يقول ابن اسحق: ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث سنين من البعثة بأن يصدع بما أمر، وأن يصبر على أذى المشركين فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المشرِكِينَ (الحجر: 94)، أي اجهر بدعوة الحق التي أمرك الله بها، ولا تبالِ بالمشركين، فقد برأك الله مما يقولون، وكان المسلمون قد تكاملوا أربعين رجلا، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه آخر من أسلم وانضم إليهم في دار الأرقم، وبعدها خرج النبي والمسلمون معه يجهرون بالدعوة إلى الله.

شق القمر

ومن أعظم مناقب الأرقم بن أبي الأرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم استشهده على واقعة شق القمر المروية فيما أخرجه الحافظ أبو نعيم عن ابن عباس في قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ الساعَةُ وَانشَق الْقَمَرُ (القمر: 1)، قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل، والعاص بن هشام، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبدالعزى، وزمعة بن الأسود، والنضر بن الحارث، ونظراؤهم كثير، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فشق لنا القمر فرقتين نصفًا على أبي قبيس ونصفًا على قعيقعان، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن فعلت تؤمنوا؟، قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر، فسأل الله عز وجل أن يعطيه ما سألوا، فأمسى القمر وقد سلب نصفًا على أبي قبيس ونصفًا على قعيقعان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: يا أبا سلمة بن عبدالأسد والأرقم بن الأرقم اشهدوا.

مروياته ووفاته

ربما لا تجد ذكره كثيرًا في كتب السيرة والتراجم، ومع أنه من الذين أسلموا قديمًا إلا أنك لن تجد له في كتب الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أحاديث، فله حديث في تفضيل الصلاة بمسجد المدينة على غيره إلا المسجد الحرام، وحديث النهي عن تخطي رقاب الناس بعد خروج الإمام يوم الجمعة، بالإضافة الى حديث السيف الذي وهبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد روى أبو مصعب الزهري قال: حدثنا يحيى بن عِمران بن عُثمان بن الأرقم، عن عمه عبدالله، وأهل بيته، عن جده، عن الأرقم، أنه تجهز يُريدُ بيتَ المقدِس، فلما فَرغ من جَهَازه، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُودعُه، فقالَ: ما يُخرِجُكَ؟ حاجةٌ أو تِجَارةٌ؟، قال: لا والله يا نبي الله، ولكن أردتُ الصلاةَ في بيت المقدس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاةُ في مَسْجِدي خَيْرٌ من ألفِ صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، فجلسَ الأرقم، ولم يَخرجْ.

وله رواية في مسند أحمد تحت باب حديث الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله تعالى عنه، وفيه حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عن هشام بن زياد، عن عثمان بن الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، عن أبيه، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، ويفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام، كالجار قصبه في النار، (والمقصود بالقصب: الأمعاء).

ويروى عن الأرقم بن أبي الأرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: ردوا ما كان معكم من الأنفال، فرفع أبو أسيد الساعدي سيف بني العابد المرزبان فعرفه الأرقم فقال: هبه لي يا رسول الله، فأعطاه إياه، وفي مسند أحمد عن أبي أسيد قال: أصبت يوم بدر سيف بني عابد بن المرزبان فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوا ما في أيديهم أقبلت به حتى ألقيته في النفل، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئًا يسأله، قال: فعرفه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياه.

ظل الأرقم يجاهد في سبيل الله، لا يبخل بماله ولا نفسه ولا وقته في سبيل نصرة الإسلام والمسلمين حتى جاءه مرض الموت، ولما أحس رضي الله عنه بقرب أجله أوصى بأن يصلي عليه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ولما توفي الأرقم كان سعد غائبًا عن المدينة في العقيق، وكان مروان بن الحكم أمير المدينة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فأراد أن يصلي عليه وقال: أيُحْبَس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل غائب؟، فعورض وأبى ابنه عبيد الله بن الأرقم ذلك على مروان، ورفض أن يصلي عليه أحد غير سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقامت بنو مخزوم معه، ووقع بينهم كلام، حتى جاء سعد فصلى عليه، ودفن بالبقيع سنة خمس وخمسين، وهو ابن بضع وثمانين سنة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"