الأشجار المعمرة إرث بيئي وحضاري

ترعاها مؤسسات البيئة والزراعة بالترقيم والحماية
04:24 صباحا
قراءة 6 دقائق
تحقيق: مصطفى عبدالرحيم
تكتسب الأشجار المعمرة أهمية بيئية واجتماعية، حيث شكلت أماكنها جزءاً مهماً من تاريخ المدن، واحتفظت حولها بذكريات الأجداد عبر عقود . كما شكلت أجزاؤها أهمية بيئية في تنقية الأجواء، وكانت مصدراً لغذاء الإنسان والحيوان .
وحفاظاً عليها من التعدي والاقتلاع، دشنت مؤسسات البيئة وأقسام الزراعة والحدائق في بعض البلديات مشاريع حصر وتوثيق وترقيم للأشجار المعمرة، لتحمل كل شجرة "كود" يحدد مكانها وعمرها، ورقماً مجانياً لتواصل الجمهور . كما يمكن نظام الترقيم القائمين عليه من التدخل السريع بنقل الأشجار المعمرة إلى محميات خاصة، تحديداً تلك المزروعة في المشاريع العمرانية أو المنازل التي يرغب أصحابها في التوسعة .
حول مبادرة بلدية دبي لحصر وترقيم الأشجار الطبيعية المعمرة يقول المهندس محمد عبدالرحمن رئيس قسم الزراعة بإدارة الحدائق العامة والزراعة بالبلدية: "من منطلق حرصنا على حماية أشجار البيئة المحلية المعمرة التي ارتبطت بإنسان الإمارات منذ القدم، أولتها إدارة الحدائق العامة والزراعة اهتمامها كبيراً من حيث الاستنبات في المشاتل، والاستخدام في مشاريع التشجير ونقل المتأثر منها بمشاريع تطوير البنية التحتية وإعادة زراعتها بمواقع جديدة" .
ويتابع: "نقوم بتنفيذ مشروع حصر وترقيم أشجار البيئة المحلية الطبيعية المعمرة وفق أفضل الممارسات العالمية، بالتنسيق مع فئات المجتمع، كون المحافظة على هذه الأشجار وضمان استمرارية زراعتها للأجيال المقبلة من أهم مسؤولياتنا الاجتماعية والبيئية، وسيبدأ هذا المشروع بترقيم أشجار الغاف الطبيعية كونها أهم شجرة بيئة محلية، والمحافظة عليها يعني حماية الهوية الوطنية، لأنها ارتبطت بإنسان هذه الأرض، وأصبحت من تراث هذا الوطن، كما أنها تعتبر الشجرة المحلية الأكثر انتشاراً على مستوى الدولة من رأس الخيمة وحتى ليوا والسلع، وتتميز بنموها في بيئات كثيرة وتغطي مساحات شاسعة من أرض الدولة، بما في ذلك الكثبان الرملية وبعض البيئات المالحة .
"كما توجد أيضاً هذه الشجرة على المسطحات الرسوبية ذات الأرض الخشنة، ولها الكثير من الفوائد، حيث تستخدم أوراقها وثمارها غذاء للحيوانات لارتفاع نسبة البروتين فيها، ولها استخدامات في الطب الشعبي إضافة إلى جودة أخشابها وزيتها المعروف بزيت بذرة الغاف" .
وحول آلية حصر الأشجار المعمرة يضيف: "تحصر الأشجار المعمرة من خلال فرق عمل داخلية بالتنسيق مع بعض الجهات ذات العلاقة داخل وخارج الدائرة، بالمناطق التي تقع ضمن اختصاص هذه الجهات حيث سيتم الحصر بالمناطق العامة الحضرية، والخاصة، إضافة إلى أماكن المطورين، والمناطق الطبيعية، وسيتم العمل ببعض المناطق العامة خاصة التي تنمو فيها الأشجار بحرم الطريق، وستتم عملية الترقيم باستخدام أجهزة تحديد الأماكن GPS التي تحدد مواقع الأشجار .
ويشير عبدالرحمن إلى الوضع القائم لحصر وترقيم الأشجار المعمرة داخل دبي، حيث قامت إدارة الحدائق العامة بتشكيل فرق عمل لحصر أشجار الغاف المعمرة بالمنطقة الحضرية، وكمرحلة أولى حصرت أشجار الغاف المعمرة الطبيعية في 23 منطقة ببر دبي، وديرة، والطرق الخارجية .
ودشنت دائرة البلدية والتخطيط بعجمان مشروعاً لترقيم الأشجار البيئية المعمرة في الإمارة، وربط مواقعها إلكترونياً مع مركز نظم المعلومات الجغرافية المزود بنظام تحديد المواقع "جي بي إس" .
وعن المشروع وأهدافه وآليات تنفيذه يقول أحمد سيف المهيري، مدير إدارة الزراعة والحدائق العامة بالدائرة: "قبل تدشين المشروع في شهر مارس/ آذار من هذا العام، قمنا بتشكيل عدة فرق ميدانية متخصصة تمكنت من حصر 2000 شجرة معمرة تقدر أعمارها بين 60 إلى 80 عاماً"، موزعة على ثلاثة مناطق هي قلب المدينة، ومصفوت، والمنامة، ومن ثم تم ترقيمها وربطها ببرنامج نظم المعلومات الخاص بالبلدية، والذي نتابع من خلاله مراجعة الأراضي الموزعة على مواطني الإمارة، وحركات التوسعة في البيوت المسجل فيها الأشجار المعمرة، وفي حال طلب أحد الحاصلين على قطعة الأرض اقتلاع إحدى الأشجار، أو عمل توسعة في حديقة منزله، تقوم الإدارة بنقلها وزراعتها في إحدى المحميات، حيث المحافظة عليها" .
وحول آليات الترقيم يضيف: "بعد حساب عمر الشجرة من قبل فريق متخصص، نعلق عليها لوحة تتضمن رقماً كودياً، ونسخة من المرسوم المحلي الخاص بالمحافظة على الأشجار المعمرة، وتنويه بالغرامة المقدرة بعشرة آلاف درهم في حال القطع أو التعدي الجائر، إضافة إلى رقم هاتف هو ،80026 يمكن للجمهور التواصل من خلاله على مدار الساعة للإبلاغ عن التعديات أو لفت نظر الفريق إلى أحد المناطق التي توجد فيها الأشجار المعمرة" .
ويلفت مدير إدارة الزراعة والحدائق العامة ببلدية عجمان إلى أنواع الأشجار التي سجلت ورقمت بالفعل في نظام الحصر والترقيم، إضافة إلى أشجار الغاف وهي السدر، والفرفار، والسمر، والشيوع، والجهنمية، مشيراً إلى تعاون المجتمع المحلي والأفراد في الحفاظ على الإرث البيئي للأشجار المعمرة، بالإبلاغ عن التعديات التي تقوم بها الشركات والأفراد عليها .
وعن الأشجار المعمرة كجزء من البيئة الإماراتية تقول هنا سيف السويدي، رئيس هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة، إن مناخ الدولة الصحراوي والمعروف بندرة الأمطار يعيش فيه الكثير من الأشجار المعمرة التي تمتد فترات اخضرارها إلى مئات السنين، وذلك لقدرتها على التكيف مع الظروف البيئية القاحلة، لأن جذورها تمتد تحت سطح الأرض للحصول على المياه .
وتشير السويدي إلى وجود العديد من الأشجار المعمرة محلياً مثل شجر السدر التي تمتد جذورها إلى عشرات الأمتار، وتتحمل الظروف البيئية القاسية، حيث تنمو بصفة عامة في المناطق الحارة والمعتدلة، وفي جميع أنواع الأراضي بشرط عدم ارتفاع منسوب الماء الأرضي، كما تنمو في الأراضي الرملية أو الصفراء، ما يدل على تحملها لدرجات الجفاف العالية .
وتتابع: "من الأشجار المعمرة الموجودة في الدولة أشجار الغاف، وهي من نباتات الأقاليم الجافة، نظراً لتواجدها في ظروف البيئة الصحراوية مثل البيئة السائدة في شبه الجزيرة العربية، حيث تتحمل درجات الحرارة الجوية والمناخية العالية مع الجفاف الشديد وارتفاع نسبة الملوحة في التربة والمياه" .
وتضيف: "تعتبر أشجار الغاف جزءاً مهماً من تراث الإمارات لأنها كانت تمثل محصولاً لا ينضب للسكان المحليين، حيث كانوا يستخدمونها في الطعام وتغذية حيواناتهم في أيام الصيف الحارة، حيث عرفت الغاف في فصول الجفاف بالمصدر الوحيد للطعام والظل للعديد من الحيوانات البرية والمستأنسة، واستخدم البدو أخشابها كوقود وأساس لعمليات البناء، كما كان الرعيل الأول يستخدم أوراقها في الغذاء والتداوي، واستخرجوا منها عسلاً يتمتع بالجودة العالية" .
وتشير السويدي إلى أهمية أشجار النخيل التي تعتبر أهم الأشجار المعمرة ليس على المستوى المحلي فقط، بل أقدم الأشجار التي زرعها الإنسان على وجه الأرض، وكرمها الله عز وجل بذكرها في القرآن الكريم وذكرت في الحديث الشريف . فالنخلة هي الشجرة الوحيدة التي استخدم الأجداد كل أجزائها من دون استثناء وانتفع من ثمارها، نواها، وليفها، وجذعها، وسعفها، وجريدها، كما أنها تنتج التمر أهم فاكهة لدى العرب والمسلمين .
وحول الاهتمام بالأشجار المعمرة في رأس الخيمة يقول د . سيف الغيص المدير التنفيذي لهيئة حماية البيئة والتنمية، إن الهيئة تطبق القرار الاتحادي رقم 24 لسنة 1999م، والخاص بعدم التعدي على البيئة والأشجار، كما دشن العديد من البرامج والمحاضرات التوعوية بهدف العناية بالبيئة والأشجار وخاصة المعمرة . ويتابع: تتميز إمارة رأس الخيمة بأشجار التين الجبلي المعمرة المعرفة محلياً "بالسقب"، التي تنمو في سفوح الجبال، ويصل طولها إلى 400 متر، وتنتج نوع من الفاكهة يصغر التين المتعارف عليه حجماً يميل لونه إلى الأحمر الداكن، كذلك شجرة الميس العربي التي تنمو في المناطق الجبلية، وتطرح ثماراً تشبه اللوز يتغذى عليها الإنسان والحيوان . ويضيف: "تبذل الهيئة جهوداً كبيرة للحفاظ على الأشجار المعمرة الموجودة على الطرق وفي المناطق العمرانية التنموية، حيث تقوم الفرق الميدانية المدربة بنقلها إلى أماكن آمنة ونوفر لها العناية والغذاء" .

أهداف الترقيم

سيحقق ترقيم الأشجار المعمرة بحسب رئيس قسم الزراعة بإدارة الحدائق العامة والزراعة ببلدية دبي العديد من الأهداف أهمها: المحافظة على أشجار البيئة المحلية المعمرة من عبث الجمهور كون جميع الأشجار المرقمة محمية بالقانون وتوفير قاعدة بيانات إلكترونية عنها، كما يساعد نظام الترقيم على توفير إحصاءات حقيقية بأعداد الأشجار المعمرة وأطوالها وأقطار سوقها وأعمارها يسهل تحديثها دورياً .
كما يمكن ببساطة الربط مع مركز دبي للإحصاء لتكون الأرقام الخاصة بأشجار البيئة المحلية المعمرة في متناول المركز كما يمكن لإدارة التراث العمراني الاستفادة منها في مجال الحفاظ على تراث الدولة .
وهذا النظام سيبسط متابعة حالة الأشجار المعمرة التي تتعرض للنقل والزراعة بموقع آخر بسبب مشاريع البنية التحتية بدلالة الرقم، وكذلك تسهيل عمليات الجرد السنوي أو كل خمس سنوات لمعرفة حالة النباتات وتقييم الوضع القائم لها في ضوء الحالة العامة والأعداد المفقودة وإضافة أشجار جديدة وصلت إلى العمر المناسب لتكون معمرة وتحديث الإحصاءات .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"