وتكريم الإسلام للمرأة وكفالته لحقوقها يفرض عليها - كما يؤكد العلماء - واجبات عديدة هي مطالبة بها في كل وقت، حتى تتحقق رسالتها التربوية والأخلاقية والاجتماعية والحضارية في مجتمع الإسلام الذي يقدر المرأة حق قدرها، ويعتبرها شقيقة الرجل وشريكة أصيلة له في كل شيء، بدءاً من تكوين أسرة صالحة تكون لبنة لمجتمع قوي متماسك، ومروراً بتربية أجيال لها قدرة على العطاء والبناء، وانتهاء بالقدرة على المشاركة الفاعلة في رقي وتنمية وتقدم المجتمع الذي تعيش فيه.
فما أبرز الواجبات المنوطة بالمرأة التي ألزمها بها دينها؟ وما موقف الشرع من المرأة التي تفرط في هذه الواجبات؟
يؤكد مفتي مصر، د. شوقي علام، أن شريعة الإسلام قدرت المرأة حق قدرها، فهي لم تظلمها ولم تهنها ولم تقلل من شأنها بل وضعتها في مكانة عالية تستحقها، وألزمتها بواجبات كما كفلت لها حقوقاً، وهذه درجة عالية من التكريم والتقدير، فالإنسان ذو الشأن والأهمية يعطي كما يأخذ، ويفيد الآخرين كما يستفيد منهم، وهذا شأن المرأة في كل شؤونها تقدم عطاء متميزاً لأسرتها وهي بنت، ولزوجها عندما تصبح زوجة، ولأطفالها عندما تصبح أماً، وللمجتمع كله عندما تعد جيداً لأداء مهمة والقيام بواجب وظيفي في ميادين الحياة كلها، وكل ما هو مطلوب من المحيطين بها والمتعاملين معها هو التعامل معها بالرحمة والود والتسامح والحنان الذي طالب به الإسلام، فالمرأة مخلوق له طبيعة خاصة، والتعامل الواعي معها يحتاج إلى لياقة ومهارة أخلاقية والتزام بما أمر به القرآن ووجه إليه الرسول الكريم حتى نحافظ على كيانها ولا نحملها ما لا تطيق، لأنه سبحانه هو خالقها وهو أعلم بما يناسبها من حقوق وما يتوافق معها من واجبات «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير».
لذلك يرفع د. علام شعار (العدل والإنصاف) في التعامل مع المرأة، ويقول: العدل والإنصاف في التعامل مع حقوق المرأة يدفع بها إلى الأمام، ويشجعها على القيام بواجباتها، والأمر هنا يحتاج إلى توعية شاملة بالحقوق والواجبات، ومن المؤسف أن نقرر هنا أن كثيراً من النساء يجهلن واجباتهن كما يجهلن حقوقهن، والتوعية بالحقوق والواجبات معاً من شأنه أن يجعل المرأة أكثر وعياً، وأكثر عطاء. وأهم واجبات المرأة - كما أرى - رعاية بيتها زوجة وأماً وخدمة مجتمعها.
بر الوالدين
وكما كفل الإسلام قدراً كبيراً من البر والرعاية النفسية للمرأة ألزمها ببر والديها وإقامة علاقتها بأسرتها التي نشأت وتربت فيها على أفضل ما تكون العلاقات الإنسانية والاجتماعية، فهي مطالبة شرعاً بغمر أسرتها وخاصة والديها بمشاعر الحب والرحمة والوفاء والجزاء والإحسان، وأن تسجل علاقاتها الأسرية أسمى صور الإنسانية التي جاءت بها شريعتنا الإسلامية الغراء.
يقول د. حذيفة المسير، الأستاذ بكلية أصول الدين بالجامعة الأزهرية: حقوق الوالدين أكبر من أن يفي بها الأبناء، وحسب المرء أن يعلم أن الله تعالى قرن البر بالوالدين بالأمر بتوحيده وعبادته في أكثر من آية منها قوله تعالى: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً». والرسول صلى الله عليه وسلم جعل البر بالوالدين وحسن رعايتهما يعدل الجهاد في سبيل الله.
ويوضح د. المسير أن البر حق وواجب، فكما تتطلع المرأة إلى بر أهلها بها وتواصلهم معها وصلة رحمها فإنها هي الأخرى مطالبة بتقديم أسمى صور البر تجاه أسرتها، ولذلك فإن كل صور العقوق والعنف التي ترتكبها المرأة في محيطها الأسري مدانة، كما أن العقوق والتمرد والخروج على الآداب والقيم والأخلاقيات الإسلامية مرفوض ومدان ويعاقب عليه الإسلام.
وهذا البر يوفر حالة من السعادة للأبناء، كما يحقق الطمأنينة والرضا النفسي للوالدين، وذلك البر يجعل طاعة الوالدين واجبة ما لم يأمرا بمعصية، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومع عدم الطاعة في المعصية، فإن حسن الصحبة يظل واجباً لا يسقط بحال من الأحوال، قال الله تعالى: «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا».
السلوك الإسلامي
ومن البر بالوالدين- كما يوضح د. المسير- أن تلتزم المرأة في مظهرها ومخبرها وسلوكها العام بقيم وأخلاق الإسلام، فالمرأة سيئة السلوك والسمعة تجلب الأذى والإهانة لأهلها، وهذا أبشع أشكال العقوق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: «يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه». فهذا يعنى أن السلوك المنحرف لا يجلب اللعنة لفاعله وحده، بل يجلب السخط واللعنة لمن قام بتربية هذا الشخص المسيء».
وهنا يقدم د.المسير نصيحة لكل بناتنا ونسائنا بأن يكن قدوة طيبة في مظهرهن ومخبرهن حتى لا يجلبن لأنفسهن ولأسرهن غضب وسخط كل خلق الله.. ويقول: حق للمجتمع كله أن تلتزم المرأة بالسلوك الإسلامي، لأن ضرر انحراف بعض النسوة لا يقتصر عليهن، بل المرأة المنحرفة أو غير الملتزمة بالسلوك الإسلامي تلحق الأذى بكل من يتعامل معها، وقد نشبت مشاجرات ومعارك بين أسر وعائلات سقط فيها عشرات الضحايا بسبب سلوك منحرف من فتاة أو امرأة.
واجبات أسرية
ولأن الإسلام يستهدف دائماً توفير مقومات الحياة السعيدة للمرأة، فقد ألزمها بواجبات تجاه زوجها وأسرتها مقابل ما تحصل عليه من حقوق، والمرأة التي تقوم بواجباتها تجاه أسرتها تجني ثمار ذلك حباً وتقديراً من الجميع، وبذلك يتحقق الاستقرار الأسري والاجتماعي وتتوثق العلاقة بين الزوجين وتتدعم كل أواصر الحب والسعادة والألفة، بين المرأة وزوجها، وبينها وبين أولادها.
تقول الفقيهة والداعية د.عبلة الكحلاوي، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: لقد نظم الإسلام العلاقة بين الزوجة وزوجها تنظيماً دقيقاً وكفل لكل طرف منهما حقوقه وألزمه بالقيام بواجباته، فالحق في الإسلام مقابل واجب، ولا يجوز المطالبة بالحق إلا بعد القيام بالواجب، وعلينا أن نتأمل قول الله سبحانه في تجسيد صورة العلاقة بين الزوجين: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، وقوله سبحانه: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله».
فالآيتان ترسمان للعلاقة الزوجية صورة مثالية، فقد أوجب الله تعالى على الزوجة أن تطيع زوجها، كما أوجب عليه القيام بحقوقها كاملة لقوله تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم»، ودرجة القوامة التي منحها الله عز وجل للأزواج لا تحط من قدر المرأة ولا تقلل من شأنها، وإنما الغرض منها تنظيم المعاملة وتطبيق القوانين واللوائح السماوية والالتزام بالحدود الشرعية، حيث يقول تعالى: «وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه».
والمرأة الصالحة هي التي تساعد زوجها على الالتزام بما أمر الله، وهي التي تلزم بطاعة زوجها وحفظها لكل ما يجب الحفاظ عليه مما يمس كرامته، وهذا ما أكد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله».
والطاعة التي أمر الإسلام بها المرأة طاعة في غير معصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ويجب أن تكون الطاعة بالأساس فيما تزوجها من أجله، وهو الاستمتاع المتبادل بينهما في الفراش، حيث حذر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة من صد زوجها وعدم الاستجابة له فقال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضباً عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح».
فإعفاف الزوج وإشباعه عاطفياً أهم واجبات الزوجة وكل من تقصر في أداء هذا الواجب أو الحق المشترك بين الزوجين هي في نظر الإسلام آثمة، وتماديها في ذلك يضعها على رأس قائمة الناشزات اللاتي يجب إصلاحهن بوسائل التقويم المشروعة.
ومن واجبات الزوجة تجاه زوجها ألا تخرج من بيته إلا بإذنه وإلا أصبحت ناشزاً، وألا تصوم تطوعاً إلا بإذنه اللهم إلا إذا كان هناك عذر مقبول يدفعها إلى ذلك.
والطاعة الزوجية - كما تقول د. عبلة - لا تعني استبداد الزوج وتسلطه وانفراده باتخاذ القرارات التي تتعلق بالأسرة من زوجة وأولاد، بل لابد من الحوار والتشاور وقيام الزوجة بدور إيجابي في إدارة شؤون الأسرة من دون محاولة لتجريد الزوج من سلطة القوامة والولاية على زوجته وأولاده.
الشرف.. والمال
ومن أهم حقوق الزوج على زوجته تجنب مواطن الشبهات وحماية شرف الزوج والأسرة والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث المرأة على اجتناب مواضع الشبهات واضحة وتجعل أحد الحقوق الأكيدة للزوج على زوجته ألا تدخل أحد بيته من دون إذنه، خاصة في حالة غيابه أو سفره.
وهذا الحق للزوج لا ينتقص من حرية المرأة، كما تتوهم بعض النساء، فمن أبسط حقوق أي رجل أن يحدد من يدخلون بيته، وهذا الالتزام الأدبي والأخلاقي للزوجة في واقع الأمر تكريم وصيانة لها من الوقوع في الحرمات أو حتى مواطن الشبهات.
أيضاً، مال الزوج أمانة لا يجوز للزوجة التفريط فيها بأي حال من الأحوال، فمن واجب الزوجة شرعاً الحفاظ على مال الزوج وحمايته، وعدم الأخذ منه إلا بإذنه، وحتى لو كان بخيلاً ولا ينفق النفقة الواجبة على زوجته وأولاده، فلا يجوز أن تمتد يد الزوجة إلى مال زوجها إلا في حدود الضرورة وبعد أن تستنفد كل وسائل حث الزوج على الإنفاق المعتدل على أسرته.
تتعلم وتنتج
الفقيه د. علي جمعة، مفتي مصر السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، يؤكد أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق المرأة لتبر والديها وترعى زوجها وتربي أولادها، فقط، فهي إلى جانب كل ذلك مطالبة بأن تتعلم وتتثقف وتكتسب خبرات مفيدة لها ولأسرتها، وهذا لا يدخل في نطاق الحقوق، ولكنه يتجاوزها ليصبح واجباً عليها لا يجوز لها التخلي عنه بأي حالة من الأحوال ما دامت قادرة عليه.
ويضيف: المرأة التي تتقاعس عن التعليم وتفضل حياة الكسل والتراخي والقعود في البيت لا تطبق تعاليم دينها تطبيقا صحيحاً، التي تعلمت واكتسبت الخبرات وأتيحت لها فرصة العمل لتفيد نفسها وأسرتها ومجتمعها، وفضلت المكوث في البيت من دون حاجة لذلك هي امرأة في نظر الإسلام كسولة ومفرطة في واجباتها، ومتقاعسة عن أداء رسالتها في الحياة.
لذلك فواجب المرأة المسلمة في كل مكان أن تكون عنصراً مفيداً منتجاً في كل ميادين الحياة، فهي في بيت زوجها مفيدة ومنتجة، وخارج بيت الزوجية، حيث ميادين العمل المتنوعة أكثر إنتاجاً وقدرة على العطاء.