الجمعة والجماعة في الإسلام

تأملات في كتاب اللّه
13:18 مساء
قراءة 5 دقائق

الإسلام دين الجماعة بامتياز، يأمر بها ويحث على التزامها، ويحذر من الفرقة والاختلاف، والمسلمون موحدون إلى قبلة واحدة، يصومون في العام شهراً معا، غنيهم وفقيرهم، ومظاهر الجماعة في الإسلام كثيرة، وللجماعة في الإسلام دور كبير، فالمسلم مطالب في الكتاب والسنة بأن يجتمع في صلاته المكتوبة مع إخوانه المسلمين في اليوم خمس مرات، وكان أكثر ما حضّ عليه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة، فأكد ضرورة حضورها، ورغّب في عظيم فضلها . والمسلمون يصلون صلاة جامعة أسبوعية كل جمعة، ولهم في العام صلاتان جامعتان في عيدي الفطر والأضحى، ويجتمع المستطيعون منهم على عرفة سنوياً، وللمسجد في حياة المسلم دور كبير، والمعلقة قلوبهم بالمساجد مشمولون بظل الله حيث لا ظل إلا ظله يوم العرض عليه سبحانه وتعالى .

عيد أسبوعي

وقد اختص الله عز وجل هذه الأمة بخصائص كثيرة، وفضائل جليلة، منها اختصاصه إياها بيوم الجمعة، وهو بمثابة يوم يجتمع فيه المسلمون في مساجدهم في كل أسبوع مرة، وهو يوم عيد متكرر كل سبعة أيام، وهو يوم عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضان في الأشهر، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان، والصدقة فيه خير من الصدقة في غيره من الأيام، وهو يوم تكفير السيِّئات، فقد روى البخاري في صحيحه، عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : لا يَغْتَسِل رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ وَيَتَطهَّرُ ما استطَاعَ مِن طُهْر، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهنِهِ أو يَصرَّ مِن طيبِ بَيْتِه، ثُمَّ يَخْرج، فلا يفرِّقُ بَينَ اثنينِ، ثُمَّ يُصَلي مَا كتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنصتُ إذَا تَكَلَّمَ الإِمَام، إلا غفِرَ لَهُ مَا بيْنهُ وبَينَ الجُمعةِ الأُخرَى .

والوفاة يوم الجمعة أو ليلتها من علامات حسن الخاتمة، حيث يأمن المتوفى فيها من فتنة القبر، فعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر (رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني) .

وفي القرآن سورة باسم الجمعة وفيها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وقد حكى الكشاف أن اليهود افتخروا على المسلمين بالسبت فشرع الله للمسلمين الجمعة وكانت صلاة الجمعة مشروعة من أول أيام الهجرة . روي عن ابن سيرين أن الأنصار جمعوا الجمعة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قالوا: إن لليهود يوما يجتمعون فيه وللنصارى يوم مثل ذلك فتعالوا فلنجتمع حتى نجعل يومًا لنا نذكر الله ونصلي فيه، وقالوا: إن لليهود السبت وللنصارى الأحد فاجعلوه يوم العروبة . فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم . ويروى أن مصعب بن عمير كان أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعين أن يكون ذلك قد علم به النبي صلى الله عليه وسلم ولعلهم بلغهم حديث فضل يوم الجمعة وأنه يوم المسلمين .

وكان يوم الجمعة إجابة من الله تعالى لرغبة المسلمين مثل إجابته رغبة النبي صلى الله عليه وسلم استقبال الكعبة المذكورة في قوله تعالى:

قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة، وحُذيفة رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: أَضَلَّ اللَّهُ عَن الجُمُعة مَنْ كان قَبْلَنا، فَكانَ لِلْيَهُودِ السَّبْتِ، وكَانَ لِلنَّصارى يَوْمُ الأَحَدِ، فجاء اللَّهُ بِنَا، فَهَدَانَا ليومِ الجمعة فَجَعَلَ الجُمُعَةَ والسّبْتَ والأَحَدَ، وكَذلِكَ هُم تَبَعٌ لَنَا يَومَ القِيَامَةِ، نحن الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنيا، والأَوَّلونَ يَوْمَ القِيامَةِ، المَقْضيُّ لهم قبل الخلائِق .

وأما عن أول جمعة جمعها النبي صلى الله عليه وسلم فقال أهل السير: كانت في اليوم الخامس للهجرة، لأن رسول الله قدم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول فأقام بقباء ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة فأدركه وقت الجمعة في بطن وادٍ لبني سالم بن عوف كان لهم فيه مسجد، فجمع بهم في ذلك المسجد، وخطب فيه أول خطبة خطبها بالمدينة وهي طويلة ذكر نصها القرطبي في تفسيره .

من الهدي النبوي

وصلاة الجمعة مِن أعظم مجامع المسلمين، من تركها تهاوناً بها، طبع اللهُ على قلبه، ويستحب التبكير إلى صلاة الجمعة، وهي سنة كادت تموت، فرحم الله من أحياها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المسجد، فيكتبون الأول فالأول، فمثل المهجر إلى الجمعة كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي كبشاً، ثم كالذي يهدي دجاجة، ثم كالذي يهدي بيضة، فإذا خرج الإمام وقعد على المنبر، طووا صحفهم وجلسوا يسمعون الذكر (متفق عليه) .

ويستحب لكل من أراد حضور صلاة الجمعة أن يكون على أحسن حال من النظافة والزينة، والاغتسال يوم الجمعة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويُستحب أن يلبَس المسلم فيه أحسَنَ الثياب التي يقدِرُ عليها، فقد روى الإِمام أحمد في (مسنده) من حديث أبي أيوب قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: مَنِ اغْتَسَلَ يوم الجمُعةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ كانَ له، ولَبِسَ مِن أَحسَنِ ثيابِهِ، ثمَّ خَرَجَ وعليه السَّكِينةُ حتَّى يَأْتيَ المسجدَ، ثُمَّ يَرْكَع إنْ بَدا له، ولمْ يُؤْذِ أحداً ثُمَّ أَنصَتَ إذا خَرَج إمامُه حتَّى صَلى، كانت كَفَّارَةً لما بينهما، وفي (سنن أبي داود)، عن عبد اللّه بن سلام، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المِنبَر في يَوْمِ الجمعة: ما على أحَدِكم لو اشتَرى ثَوبين لِيَومِ الجُمعة سِوى ثَوْبَيْ مِهْنَتِه .

وللماشي إلى الجمعة بكل خُطوة أجرَ سنة صيامَها وقيامَها، لحديث أوس بن أوس، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : من غسَّل واغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وبَكَّرَ وابتكَرَ، ودنا مِنَ الإمام، فأَنْصَتَ، كانَ لَه بِكُلِّ خطْوَةٍ يَخْطُوها صِيامُ سَنَةٍ وقيامها، وذلِكَ على اللًّهِ يسير .

خير الأيام

ويوم الجمعة خير الأيام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة (رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي) . وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، فيستحب أن يقرأ الإمام في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان ويستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة أو ليلتها لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ويستحب أن يكثر المسلم في هذا اليوم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أفضل أيامكم يوم الجمعة: فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"