الحفاظ على الماء وحمايته من التلوث

الرسول يعلمنا
13:16 مساء
قراءة 7 دقائق

علمنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كيف نتعامل برقي وتحضر مع النعم التي أنعم الله علينا بها وكيف نحسن إلى البيئة التي نعيش فيها، فلا نلوثها، ولا نلحق الأذى بكل مخلوقات الله نتيجة سلوكيات خاطئة نرتكبها بعيداً عن قيم الإسلام وأخلاقياته .

ومن يقف على توجيهات ووصايا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مجال حماية البيئة من التلوث والإحسان إلى عناصرها من ماء ونبات وحيوان وهواء، بل وجماد يدرك عظمة هذا الرسول الخاتم وإعجاز ما جاء به لأمته وللإنسانية كلها، خاصة بعد أن ألحق الإنسان بالبيئة كل صور الفساد نتيجة إقدامه على سلوكيات خاطئة نهى عنها رسولنا الكريم وتعددت تحذيراته منها منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان .

لقد علمنا صلوات الله وسلامه عليه كيف نحافظ على نعمة الماء، وكيف نحميه من التلوث، فالماء من أجل نعم الله تعالى على الإنسان في الدنيا والآخرة، وقد امتن الله تعالى على عباده بالماء المبارك الذي ينزل مطراً من السماء فيمكث في الأرض وينفع الإنسان والحيوان والنبات، يقول الحق سبحانه وتعالى: وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون، فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون .

توجيهات نبوية

إن الماء كما علمنا رسولنا الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، من أجل نعم الله على الإنسان، لذلك فمن واجب المسلم أن يحافظ عليه ويحميه من كل أشكال التلوث، ويتعامل مع هذه النعمة بعقل وحكمة حتى يحفظها الخالق الواهب الرزاق له، فمن دون الماء لن يستطيع الإنسان أن يعيش، فطعامه وشرابه وحياته كلها متوقفة على الماء، فمنه يشرب الإنسان والحيوان والطير والنبات، ومن دونه لن تستطيع السيارات والمركبات أن تسير، ومن دونه لن يجد الإنسان طعامه، فكل النباتات التي يتغذى عليها الإنسان والحيوان مصدرها الأساسي الماء، ومن دون الماء لن نستطيع أن نشيد المباني والعمارات والمساكن التي نعيش فيها، ومن دون الماء تتحول حياتنا إلى جحيم وتكثر بيننا الأمراض الخطرة من الأوساخ والفيروسات والميكروبات التي تتجمع على أجسادنا ولن نستطع أن نتخلص منها إلا بالتطهر بالماء .

وانطلاقاً من أن الماء هو أهم عنصر من عناصر البيئة وأهم مصدر للحياة فقد جاءت التوجيهات النبوية الكريمة واضحة وحاسمة في النهي عن تلويث الماء بأي سبب من أسباب التلويث فرسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا من هذه الرذيلة فيقول: اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد أي موارد الماء وقارعة الطريق والظل، ويقول أيضاً: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم (أي الراكد الذي لا يجري)، ثم يغتسل منه، كما يقول صلوات الله وسلامه عليه: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه، كما يقول صلوات الله وسلامه عليه: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة، ويقول صلوات الله وسلامه عليه: لا يبولن أحدكم في مستحمه .

لكن للأسف هذه التوجيهات النبوية الكريمة التي تحثنا على حماية الماء من الملوثات الطبيعية لم يعمل بها كثير من المسلمين كما يقول الداعية والفقيه الأزهري، د .صبري عبدالرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر حيث تعددت وتنوعت سلوكياتنا المرفوضة ضد أعظم نعمة أنعم الخالق علينا بها .

ملوثات كيميائية

الخبير المائي العربي، د .محمود أبو زيد، وزير الري والموارد المائية الأسبق في مصر يرى أن عدوان الإنسان على الماء وموارده في بلادنا العربية والإسلامية لا يقف عند حد، ويقول: نحن نتبول ونتبرز في الماء سواء بشكل مباشر عن طريق أناس لا عقل عندهم ولا ضمير، أو من خلال سلوك عشوائي ومتخلف لمؤسسات وهيئات حكومية، أو مواطنين يلقون بمخلفاتهم الطبيعية الصرف الصحي في المجاري المائية، وهذه جريمة أخلاقية فضلاً عن أنها معصية واضحة لله ورسوله، وعدوان صارخ على البيئة، وإضرار بالغ بالصحة العامة، حيث نشرب من هذا الماء الملوث، ونتغذى على الحيوان والنبات الذي يشرب منه، ونحن نتأذى من المناظر السيئة والروائح الكريهة للماء الملوث، وكثير منا يأكل الأسماك الملوثة التي تخرج من هذه المياه الملوثة من دون أن ندري .

ويوضح د .خالد عبدالرحمن، أستاذ الصحة العامة بجامعة الإسكندرية، أن تلويث الماء في عصرنا لم يعد مقصوراً على البول والبراز ونحوهما من الحاجات البشرية التي يفعلها الدهماء من الناس، بل أصبحت هناك أنواع من الملوثات أشد خطراً، وأبعد أثراً، وأوسع نطاقاً من هذا كله، وهي التلويث بمخلفات الصناعة والمواد الكيميائية، ومنها مواد سامة وقاتلة، ومخلفات النفط والبواخر التي تغرق في البحار ويسيل ما فيها فتلوث المياه، كما أن الإنسان في عالمنا العربي تخلى عن السلوك الحضاري في التعامل مع الماء وألحق بالموارد المائية كل الأذى فأصبحنا نعيش على مجار مائية الكثير منها ملوث وضار بصحة الإنسان .

سر الحياة

ويعود أستاذ الشريعة بالأزهر، د .صبري عبدالرؤوف، ليؤكد حاجتنا اليوم وكل يوم إلى توجيهات ووصايا رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، حتى نحمي أوطاننا العربية والإسلامية من تلويث الماء بسلوكيات خاطئة وضارة من الإنسان، ويقول: يجب أن نهتدي بهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام لكي نحافظ على نعمة الماء خاصة في هذا الوقت الذي ندرت فيه المياه، وأوشكت الدول المتجاورة على الدخول في حروب ومواجهات عسكرية من أجل الماء فهو سر حياة الإنسان والحيوان والجماد، ومن دون توافره لا يستطيع الإنسان أن يعيش، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الخالد عن أهمية وقيمة هذه النعمة وجعلنا من الماء كل شيء حي .

ويضيف: يجب أن تتوقف كل الحماقات ضد هذه النعمة الكبيرة التي أنعم الله علينا بها، فنحن نتعامل معها بعشوائية ونهدرها فيما لا يفيد كما أننا نسيء إليها بتلويثها، وحال المسلمين في التعامل مع نعمة الماء يدعو إلى العجب، حيث تتنوع وتتعدد مظاهر الإساءة إلى هذه النعمة، فهناك من يتعاملون معها من دون إدراك لقيمتها وأهميتها فيسرفون في استعمالها ويهدرونها فيما لا يفيد، وهناك من يسيئون إليها بإلقاء الملوثات المتعددة بها، والعديد من علماء البيئة والصحة العامة يحذرون من التلوث المائي في عالمنا العربي والإسلامي فالمصانع تلقي بمخلفاتها في المجاري المائية وبعض الجهات الحكومية تلقي بمخلفات الصرف الصحي في الأنهار والترع التي يشرب منها الإنسان والحيوان والنبات، وسلوك الإنسان العربي مع نعمة الماء في مجمله سلوك يغيب عنه الوعي والحكمة بأهمية هذا المصدر المهم للحياة والأحياء، والخلاصة أن ما يصدر عنا من إهدار لهذه النعمة ومن تلويثها بالملوثات الطبيعية والصناعية، وما نتعامل به مع الماء هو في حقيقة الأمر معصية لله ورسوله وسلوك متخلف يجلب لنا غضب الله وعقابه .

خطر الإسراف

وينبه د .أبو زيد إلى خطر آخر ناتج عن سلوكياتنا الخاطئة وهو خطر الإسراف في استهلاك الماء، رغم أن تعاليم ديننا تحثنا على ترشيد هذه النعمة وتوظيفها فيما نحتاج إليه . . لكن للأسف أكثر من نصف ثروتنا المائية مهدر في ما لا يفيد، فالاستهلاك الشخصي للإنسان من المياه فيه إسراف، وطرق الري في كثير من بلادنا العربية تهدر كثيراً من ثروتنا المائية التي تتراجع مواردها يوما بعد يوم واستهلاك المنشآت الصناعية من المياه فيه إسراف شديد وإهدار بالغ لهذه النعمة، وكل هذه الأساليب من الاستهلاك تشكل خطراً على مستقبل العرب المائي .

وهنا يتدخل، د .صبري عبدالرؤوف، ليؤكد أن التوجيهات النبوية الكريمة عالجت ما يعاني منه المسلمون اليوم، في ما يتعلق بالإسراف في استخدام المياه، ويطالب بتذكير المسلمين دائما بها حتى يحسنوا التعامل مع هذه النعمة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال له: لا تسرف فقال: أوَفي الماء إسراف؟ قال: نعم ولو كنت على نهر جار .

ورسول الله صلى الله عليه وسلم هنا يعلّم سعداً بن أبي وقاص وكل المسلمين درساً في كيفية التعامل الرشيد مع نعمة الماء، ويؤكد أن الإسراف لا يكون في المال فقط، إنما يكون في الماء، وقوله صلوات الله وسلامه عليه رداً على سؤال سعد: نعم وإن كنت على نهر جار، يعلمنا أن الاقتصاد في كل شيء يجب أن يكون خلقاً للمسلم لا تدفعه إليه حاجة ولا ضيق يد، وفي ما يتعلق بالماء فإن المسلم مطالب شرعاً بعدم الإسراف، ولو كان على نهر جار .

أيضاً ينبهنا، صلوات الله وسلامه عليه، إلى أن الإسراف في استخدام الماء في الطهارة يمثل عدواناً على نعمة الماء فيقول: إنه سيكون قوم من أمتي يعتدون في الطهور والدعاء، ومعنى الاعتداء في الطهور تجاوز الحد المعقول في استعمال الماء، والخروج من الاعتدال إلى الإسراف المحظور .

ومن المعروف شرعاً أن استخدام الماء للشرب مقدم على استخدامه للطهارة والوضوء، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته .

وإجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد أن إرواء العطش مقدم على الوضوء، وهذا ما استقر عليه رأي الفقهاء في أن خوف العطش يبيح للمسلم أن يتيمم مع وجود الماء المحتاج إليه للشرب .

هكذا نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان إلى ما نعانيه الآن من سلوكيات خاطئة في التعامل مع نعمة الماء، ووجهنا إلى ضرورة الحفاظ عليه وحمايته من كل الملوثات ولو عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى كيف نهدر الماء ونلوثه ونلحق به الأذى ما ردد على أسماعنا أكثر مما ردده من قبل، وهذا مظهر من مظاهر إعجاز هذا الرسول الكريم الذي عالج من خلال توجيهاته النبوية الكريمة كل أمراض أمته ومصائبها السلوكية وجاءت أحاديثه الصحيحة لتعالج كل ذلك في كل مكان وفي كل عصر، وترتقي بسلوك المسلم ليكون شاكراً لنعم الله مستمتعاً بحياة طيبة نظيفة خالية من كل الملوثات .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"