الحلال والحرام . . سعادة الإنسان وشقاؤه

مفاهيم إسلامية
13:25 مساء
قراءة 6 دقائق

الحلال والحرام واحد من أهم المفاهيم الشرعية التي ترتبط بالنص الشرعي والوحي الإلهي وعلاقة الإنسان بربه ونفسه وأهله والكون كله .

الحلال والحرام، هو علامة الاستفهام الكبرى التي يعيش بها الإنسان طوال حياته كلما هم بفعل شيء، أو رغب في ترك شيء .

الحلال والحرام، قد يكون البوابة التي تقود المسلم للسعادة في الدنيا والآخرة، أو السبيل الذي يجر الإنسان للشقاء في عالم الغيب .

ورغم أن الحلال بيّن والحرام بيّن في شريعتنا، فإن هذا المفهوم قد يثير البلبلة والشبهات عند عدد غير قليل من العامة وربما الخاصة أيضاً .

الفقيه الدكتور عبدالفتاح الشيخ أستاذ أصول الفقه وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر يوضح أن مفهوم الحلال والحرام هو المقصود الكبير للوحي الإلهي والنبوة التي ما جاءت إلا لتبين للناس ما تفعله من حلال وما لا تفعله من حرام، يقول الحق عن رسالة محمد: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .

ذلك هو هدف الدين والنبوة حيث جاءت رسالة الإسلام لتحرم ما هو خبيث وتحلل ما هو طاهر ومفيد .

ومفهوم الحلال ببساطة هو كل شيء مادي أو معنوي أباحه الشرع، وتجاوز عن حرمته وأذن للناس بفعله ورفع الحظر عن ممارسته .

ومفهوم الحرام ببساطة هو كل ما نهى عنه الإسلام بحكمه الشرعي الواضح، بحيث يستحق من يفعل الحرام جزاء في الدنيا أو الآخرة .

مراتب الحكم الشرعي

ويوضح الدكتور الشيخ أن الحلال والحرام درجة مما يعرف شرعاً بدرجات ومراتب الحكم الشرعي، غير أن الحكم في سياق هذا المفهوم يتدرج في مراتب شرعية عدة يعرفها علماء أصول الفقه، من ذلك الحلال، والمفروض فرض عين، والمفروض فرض كفاية، والواجب، والسنة المؤكدة، والسنة، والمندوب، والمباح، والمكروه كراهية تحريم، والمكروه كراهية تنزيه، ثم الحرام . . ومعنى هذا أن درجات الحكم الشرعي متفاوتة ومتعددة، ولكنها تدور داخل هذين المفهومين الواسعين وهما الحل والحرمة .

وفعل الحلال المشروع له مثوبة في الدنيا والآخرة، كما أن ارتكاب الحرام غير المشروع له عقوبة في الدنيا والآخرة، بيد أن المثوبة أو العقوبة على حسب حكمها في النص الشرعي وما يترتب عليها من خير أو شر في المجتمع .

فحكم الفرائض مثل الصلاة والصوم وحماية بدن ونفس ومال الغير، يختلف عن الواجبات مثل الطواف في الحج أو ارتداء الحجاب أو الوضوء أو بر الوالدين أو العمل أو الابتعاد عن أكل الميتة ولحم الخنزير، وهذا يختلف عن السنن مثل الذبح في عيد الأضحى أو أداء العمرة أو تربية اللحية أو كراهية الإسراف والتشبه بغير المسلم وكثرة الحلف وترك التسمية عند الذبح .

الله . . يحلل ويحرم

والحلال والحرام في الإسلام هو حق الله وحده وحق الرسول الذي أوحى الله إليه بالرسالة، وما أشرك البعض إلا عندما انتزعوا أمر التحريم والحل من الخالق، يقول الحق: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، ويقول عن المشركين أيضاً: قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل الله أذن لكم أم على الله تفترون . وفي حديث: الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه مما عفا لكم .

وهذا الحديث يشير إلى معنى في غاية الأهمية يتعامل به المسلم مع الحلال والحرام، فالمسلم لا يتهرب من التكاليف الشرعية، ولا يتحايل على الفتوى، بل متى قال الله فسمعاً وطاعة، ولا يتمحك بكثرة السؤال حتى يضيق على نفسه، وفي قصة اليهود مع ذبح البقرة دليل واضح على هذا المعنى، كما حرم القرآن اتباع التأويل والمتشابه فقال تعالى عن بعض أهل الضلال: فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، كما حرم القرآن التسرع في الحكم الشرعي ابتغاء عرض الدنيا وهوى النفس فقال: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون .

وقد تكرر هذا المعنى في الحديث، ففي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها .

التحايل ومظاهره

ويحذر الدكتور عبدالفتاح الشيخ مما يعتبره تجاوزاً للحد الشرعي للحلال والحرام وهو التحايل على الشرع . ويقول: بعض الناس، وربما بعض الدعاة، يتحايلون على الحلال والحرام، وكان الله سبحانه وتعالى لا يراهم ولا يعرف سرائرهم .

الأساس في المسلم أن يقول سمعنا وأطعنا متى عرف الحلال والحرام، وواجب العالم أن يتلمس الحكم الشرعي من دون هوى أو تحايل . وقد حرمت شريعة الإسلام التحايل على أحكامها، واعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم التحايل جريمة ارتكبها اليهود من قبل، فقال: لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل .

ومن مظاهر التحايل على الحرام عدم البحث عن الحكم الشرعي، أو التدليس بتغيير الأشياء المحرمة بأسماء مباحة، وذلك هو معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها . وقوله: يأتي على الناس زمان يستحلون الربا باسم البيع .

ومن أساليب التحايل البعد عن العلماء الثقات، وتقدم أنصاف العلماء للفتيا، وهذا تجاوز لحد الحلال والحرام، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا فقال: لا يقبض الله العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا .

تجنب المتشابهات

والحلال والحرام في شريعة الإسلام واضح وبيّن وليس فيه لبس، كما أن الحلال غاية كل مسلم بفعله، والحرام غاية كل مسلم بتركه وتجنبه والابتعاد عن أسبابه .

ولهذا، يسعى المسلم لتحري الحلال بعد ما قال تعالى: وقد فصل لكم ما حرم عليكم، ويبتعد عن الحرام فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة . . .

وفي الحديث، تحذير من الاقتراب من شبهة الحرام، والتماس الحلال البين، يقول صلى الله عليه وسلم: الحلال بيّن والحرام بيّن، وبين ذلك أمور متشابهات، لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم الحرام؟ فمن تركها استبراء لدينه وعرضه فقد سلم، ومن واقع شيئاً منها يوشك أن يواقع الحرام، كما أن من يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه، ألا وأن لكل ملك حمى، ألا وأن حمى الله محارمه .

ولهذا فإن المعارك الوهمية التي يفتعلها البعض حول الحلال والحرام، تدل على سوء فهم للدين، وسوء قصد عند بعض الناس، وسوء ظن بحكمة المشرع في أن كل أحكامه في صالح خلقه .

عند هذه النقطة يقرر الدكتور الشيخ أبرز خصائص الحلال والحرام في المفهوم الشرعي التي يجب أن يدركها الجميع، وهي أن الحلال قرين المصلحة والسعادة، وأن الحرام قرين المفسدة والشقاء .

فالحلال يمنح المسلم السكينة النفسية وحسن علاقته بالناس وأمن مكرهم، ويحقق الفرح والرضا، كما يمنحه الأمل وعدم الخوف والقدرة على الإصلاح والتضحية وخدمة الناس .

قانون الحلال واضح: يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم، والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً، يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً، فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى .

والحرام فيه شر وخبث، ونحن نرى ماذا تفعل المخدرات والكذب وهتك العرض وقتل النفس والخمور وأكل الخنزير وتتبع العورات وممارسة الزنى وسرقة المال وقلة الحياء والربا، ماذا تفعل هذه المحرمات بالإنسان والضرر حتى لو لم يدرك الإنسان بعاطفته الظاهرة هذه الحقيقة، وقانون الله في حكمه: والله يعلم المفسد من المصلح .

وقد ذكرت آيات الأحكام بعضاً من علل التحريم، ففي جريمة الخمر قال الحق: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون .

وفي حكمة تحريم الترف يقول الحق: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً، وفي حرمة التبرج يقول القرآن: لا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض . وهكذا هو عنوان الحكمة من الحكم الشرعي كله: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"