وقد أوضحت شريعة الإسلام الحلال والحرام من الأطعمة من خلال العديد من الآيات القرآنية التي تحث على الطيب من الطعام منها قوله تعالى: «يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات»، أي يسألك أصحابك يا محمد ما الذي أحله الله لهم من المأكولات الطيبة؟ قل لهم: أحل لكم الأطعمة الطيبة التي تستلذها النفوس المستقيمة، وترتاح لها الأرواح الطاهرة، والتي لم يرد في شريعة الإسلام ما يمنع من أكلها، فكل طعام أباحته شريعة الإسلام فلنا أن نأكل منه من دون إسراف وتبذير امتثالاً لقوله عز وجل: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين»، وكل طعام حرمته واجب على المسلم أن يمتنع عنه.
العالم الأزهري، د. أحمد طه ريان - أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو هيئة كبار العلماء - يوضح لنا بعض الأطعمة التي حرمتها شريعة الإسلام وفلسفتها في هذا التحريم، فيقول: فلسفة الإسلام في التحليل والتحريم مرتبطة بمصلحة الإنسان، فما فيه مصلحة ومنفعة للإنسان أباحته وحثت عليه، وكل ما يلحق ضرراً بالإنسان حذرت منه، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي مخلب، أي الأظفار التي يصطاد بها فريسته كالصقر والنسر وما يشبههما، بخلاف ما ليس له ظفر يصطاد به كالحمام والدجاج وما يشبههما، لأن لحوم الطيور التي تحمل ظفراً ليست طيبة ولا مستساغة في الطعام، ولو حاول إنسان أكلها للفظها بمجرد تذوقها.
كذلك حرمت الشريعة الإسلامية من الحيوانات أكل كل ذي ناب يسطو به على غيره كالسباع والذئاب وما يشبهها، وأحلت ما ليس كذلك كالإبل والبقر والغنم وما يشبهها، قال ابن عباس في الحديث الصحيح: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير».
وحرمت الشريعة الإسلامية على الإنسان تعاطي كل ما يضر بالبدن أو يغيب العقل كالأفيون والحشيش والكوكايين، وغيرها من المخدرات وما يشبهها من سموم.
أطعمة محرمة
وقد أخبرنا القرآن الكريم بعشرة أطعمة حرم الله علينا أكلها لأسباب معينة في قوله تعالى: «حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما زكيتم وما ذبح على النصب».
يقول د. ريان: الميتة كل ما مات من الدواب بغير تزكية شرعية مما أحل الله أكله، وقد حرم الله الأكل من الميتة لخبث لحمها وفساده، وقد استثنى الفقهاء من الميتة المحرمة السمك والجراد، قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «أحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال».
وثاني هذه المحرمات التي وردت في الآية السابقة هو «الدم»، والمقصود به الدم المسفوح، أي السائل من الحيوان عند ذبحه.. ثم لحم الخنزير، وكذلك شحمه وجلده وجميع أجزائه لأنه مستقذر، ويحتوي على كثير من الميكروبات والجراثيم الضارة كما أكد خبراء التغذية وأساتذة علم الحيوان.
ورابع المحرمات «ما أهل لغير الله به» أي ما ذكر عليه عند ذبحه اسم سوى اسم الله تعالى.. ثم تأتي «المنخنقة وهي التي تخنق حتى تموت.. ثم «الموقوذة» وهي التي تضرب بآلة حتى تموت، فالوقذ هو شدة الضرب.
وسابع المحرمات «المتردية»، وهي التي تسقط من أعلى إلى أسفل فتموت، وثامنها: «النطيحة»، وهي التي نطحتها أخرى فنفقت.. وتاسع المحرمات: «ما أكل السبع إلا ما زكيتم» أي وحرم الله عليكم الأكل مما جرحه الحيوان المفترس، إلا إذا أدركتموه، وفيه حياة فذبحتموه، فإنه يحل أكله، في هذه الحالة.
وعاشر المحرمات «ما ذبح على النصب» أي ما ذبح على الحجارة التي كان أهل الجاهلية ينصبونها حول الكعبة تقربا إلى أصنامهم وليس إلى الله تعالى.
فهذه الأنواع العشرة من المحرمات، حرم الله تعالى الأكل منها لما اشتملت عليه من الأضرار ومن الإشراك بالله عز وجل.
لا حرج على المضطر
لكن شريعة الإسلام صاحبة قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، أعطت الإنسان المضطر حق الأكل من هذه الأصناف حسب حالة الاضطرار، وجاء النص على ذلك في ختام الآية الكريمة في قول الحق سبحانه: «فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم».
والمخمصة: خلو البطن من الغذاء عند الجوع الشديد، ولفظ «متجانف» من الجنف بمعنى الميل من الحق إلى الباطل.
والمعنى: من ألجأته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات في مجاعة شديدة، حالة كونه غير مائل إلى ارتكاب إثم من الآثام فلا ذنب عليه، لأن الله تعالى واسع المغفرة والرحمة.
وقد أخذ الفقهاء من هذه الجملة الكريمة أن هذه الإباحة للأكل من تلك المحرمات مقيدة بقيود، من أهمها: أن يقصد بالأكل من هذه المحرمات دفع الضرر فقط.. وألا يتجاوز ما يسد الضرورة.. أما إذا تجاوز المقدار الذي يدفع الضرر، فإنه في هذه الحالة يكون واقعا في المحرم الذي نهى الله عنه.
آداب الطعام
ولم تكتف شريعة الإسلام كما يقول د. ريان ببيان أحكام الطعام من حيث الحلال والحرام، بل أرشدت إلى آداب ينبغي أن يحرص عليها المسلم عند تناول طعامه وشرابه، ومن هذه الآداب: التسمية، والأكل باليد اليمنى من الجانب الذي أمام الآكل، وقد وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «عمر بن أبي سلمى» وكان غلاماً في حجر الرسول، وكانت يده تعبث بإناء الطعام وقال له: «يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك».. وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، وإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره»، وقد أخذ الفقهاء من هذا الحديث أن التسمية في أول الأكل سنة، ومنهم من قال بأنها واجبة. ومن آداب الطعام ألا يعيب الإنسان الطعام لأنه نعمة يجب شكرها، وقد قال أبي هريرة رضي الله عنه: «ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه».
ومن آداب الطعام أن يحمد الآكل الله تعالى بعد الأكل، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا انتهى من طعامه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين».. وكان إذا تناول طعاماً عند غيره دعا له. ومما روي في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة».. أي واستغفرت لكم الملائكة.
اشرب ولا تشرب
وقد أباح الله سبحانه وتعالى لنا جميع المشروبات التي تنفعنا وتفيدنا، وحرم علينا كل مشروب يضرنا ولا ينفعنا، وعلى رأس المشروبات التي حرمها الله علينا الخمر، يقول سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون* إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن شارب الخمر «.. ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن».
والخمر كما عرفها الفقهاء هي كل ما خامر العقل، أي خالطه فأسكره وغيبه، فكل ما غيب العقل فهو خمر، سواء أكان مأخوذا من العنب أم من التمر أم من غيرهما.. وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كل مشروب أسكر كثيره فقليله حرام ولو لم يسكر، فقال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» .. وفي حديث آخر قال: «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها» أي وشاريها وعاصرها وحاملها والمحمولة إليه.
وكما يحرم شرب الخمر يحرم التداوي بها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هي داء وليست بدواء» وفي حديث آخر: «إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فلا تتداووا بحرام».
اللباس الشرعي
ولم تترك الشريعة الإسلامية أمر اللباس لهوى الإنسان ومزاجه الذي قد ينحرف عن الطريق المستقيم، بل وجهته إلى اللباس الذي يستر العورة ويحافظ على آداب المجتمع وأخلاقياته، ولذلك كان مبحث «اللباس» في الفقه الإسلامي من المباحث المهمة التي ينبغي أن يتعرف عليها كل مسلم حتى يكون لباسه ومظهره الخارجي وفق هداية شرع الله - عز وجل - يقول الحق سبحانه: «يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون».
والمعنى: يا بني آدم اشكروا خالقكم الذي هيأ لكم سبيل الحصول على الملبس الذي تسترون به عوراتكم والذي تتجملون به في أفراحكم وفي عبادتكم.. كما قال سبحانه: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد».
يقول د. ريان: اللباس الشرعي للرجال والنساء هو الذي يستر ما أمر الله تعالى بستره من بدن الإنسان، سواء أكان رجلا أم امرأة، ويجب أن يكون من مال حلال، وفي الحديث الشريف: «لا يقبل الله صلاة أو صيام من يلبس جلباباً أو قميصاً من حرام».
وكذلك يجب أن يكون المقصود مما يلبسه المسلم أو المسلمة ستر ما أمر الله بستره وليس الفخر أو الخيلاء أو التباهي والتعالي على الناس، فقد قال سبحانه: «إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً».
الذهب والحرير
وقد حرمت شريعة الإسلام لبس الذهب والحرير على الرجال، لأن الذهب أوجده الله ليتعامل به الناس فيما بينهم في البيع والشراء، ولأن الحرير فيه نعومة لا تتناسب مع طبيعة الرجال، والتحلي بالذهب والحرير أليق بالنساء.. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناهيا الرجال عن لبس الحرير: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة».. وفي رواية أخرى: «نهانا النبي ? صلى الله عليه وسلم ? أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيهما، وعن أن نلبس الحرير، وأن نجلس عليه».
والمقصود بالحرير الذي حرمت شريعة الإسلام لبسه على الرجال الحرير الطبيعي.. أما الحرير الصناعي الذي يصنع من أشياء معينة فليس حراماً.
والخلاصة أن المسلم عليه أن يلبس ما أحله الله من لباس من دون إسراف أو تفاخر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا خيلاء»، وعلى المسلمة أن تلبس ما يستر بدنها بطريقة فيها احتشام وأدب.. وقد قال صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر وقد دخلت عليه وعليها ثياب رقاق لا تستر البدن ستراً تاماً: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه».