"الدور" أبرز الاكتشافات الأثرية في أم القيوين

كانت مركزاً تجارياً حيوياً قبل ألفي عام
05:24 صباحا
قراءة 5 دقائق

بدأت الاكتشافات الأثرية في أم القيوين في العام ،1970 حيث خلصت بعثة المسح الأثري العراقية التي كانت تعمل تحت إشراف إدارة الآثار والسياحة في العين إلى اكتشاف مواقع أثرية عدة في الإمارة أهمها موقع الدور، ثم عادت بعد ذلك للعمل عام ،1974 موسماً واحداً فقط، ونظراً لأهمية الاكتشافات الأثرية قامت أربع بعثات أجنبية من الدنمارك، وبلجيكا، وبريطانيا وفرنسا بالتنقيب في موقع الدور تحت إشراف ودعم حكومة أم القيوين، حيث بدأت تلك البعثات أعمالها في العام 1987 وانتهت في العام 1990 باستثناء البعثة البلجيكية التي استمرت في التنقيب حتى العام 1994 .

تقول علياء محمد راشد الغفلي مديرة متحف أم القيوين الوطني، إن عمر منطقة الدور يعود إلى أواخر القرن الأول ق . م أو بداية القرن الأول الميلادي، وهي تستلقي على كثبان رملية يصل ارتفاعها إلى اثني عشر متراً وتطل على خليج خور البيضاء، الذي أصبح اليوم مملوءاً بالطمين، وتؤكد الكتابات والعملات المعدنية التي وجدت في الموقع استخدام اللغة الآرامية على الرغم من استخدام اللغة العربية البدائية وأبجدية خاصة بجنوبي الجزيرة العربية في تلك الفترة .

وتضيف علياء: نظراً لموقع الدور المتميز على الساحل فقد شكلت مركزاً تجارياً حيوياً بدليل بعض المكتشفات التي عثر عليها الفريق العراقي خلال بحوثه التمهيدية أوائل السبعينات، والتي استكملتها لاحقاً الفرق الآثارية الأجنبية الأربع السابق ذكرها على مدى تسعة مواسم ابتداء من العام ،1987 غير أن التسمية التي عرفت بها هذه المنطقة لم تحدد بصورة قاطعة بعد، إلا أنه من المحتمل أن يكون اسمها قديماً مرفأ (عمانه)، حيث أشار المؤرخ الروماني بلايني إلى أن هذه المنطقة كانت أحد مرافئ الخليج العربي .

ويبدو أن الدور كانت مأهولة بالسكان خلال القرن الأول وأوائل القرن الميلادي، وتم اكتشاف عدد من الآثار المهمة التي تعود إلى تلك الفترة، فقد نقب الفريق العراقي عن حصن مربع الشكل يبلغ طول أضلاعه عشرين متراً تقريباً تقوم على زواياه أبراج مستديرة، وهو أول فريق يكشف عن الأهمية التي حظي بها الموقع، ويوجد داخل الحصن مبنى مستقل شبه مربع يتألف من حجرتين، إضافة إلى سياج آخر بني قبالة الحائط الشرقي .

حقبة أم النار

تم اكتشاف مبنى رئيس آخر نقب عنه البروفيسور إيرني هيرنك عن جامعة غينت البلجيكية وصف بأنه معبد الآلهة السامية شمس استناداً إلى الحوض المكتشف فيه، وقد نقشت عليه كلمة شمس باللغة الآرامية ولا تزال جدرانه مرتفعة نحو مترين ويميزه شكله المستطيل، إذ تبلغ أبعاده 30 .8- 8م، وقد كسيت جدرانه الخارية بالجص على نحو بالغ المهارة، وأحاطت بمداخله الزخارف التزيينية، أما كتلة الحجارة الضخمة التي وجدت وسط المبنى، فيرجح أنها جاءت أصلاً من أحد مدافن حقبة أم النار .

في حين تنتصب خارج المبنى ثلاثة مذابح مبنية من صخور شاطئية أصغر حجماً متوافرة محلياً، وعلى مقربة من هذا المبنى عثر على بئر دائرية مرصوفة بالحجارة يبلغ عملها ستة أمتار .

ومن المكتشفات داخل هذا المبنى مصباح برونزي زيتي يحتمل أن يكون روماني الصنع، ويحتمل أن يكون هذا المبنى الذي يقع في جنوب الخليج العربي، معبداً خلال تلك الفترة ويمثل الحصن والمعبد مركزين اداريين ودينيين لسكان الدور، إضافة إلى هذا سمحت الحفريات التي قام بها الفريق الأوروبي بتحديد مجموعة من المنازل الصغيرة والمصاطب الحجرية التي يحتمل أنها اتصلت بالعادات الجنائزية المحلية .

وينتشر في مختلف أرجاء الموقع وسط المنازل عدد لافت للنظر من القبور يشكل بعضها مدافن فردية بسيطة لا تحوي سوى القليل من المواد الجنائزية، وقد دفنت الجثث مباشرة في الرمال وتعرض معظم المدافن الجماعية للنهب في الأزمنة الغابرة، إلا أن واحداً منها تم التنقيب عنه عام ،1990 فزودنا بمعلومات وافية عن طقوس الدفن التي اتبعها السكان، وتبلغ أبعاد حجرة الدفن نفسها 70 .1-70 .2م ويصل ارتفاعها الأقصى إلى 20 .2 م حتى قاعدة سقفها المقنطر الذي يرتفع نحو 40 سم عن سطح الأرض المحيطة به .

أما الباب المؤدي إلى الحجرة فهو محكم الإغلاق بكتلة واحدة من الحجارة ومكسو بالجص، في حين ترى خارج الباب سوراً منخفضاً مستطيل الشكل أضيف بعد بناء القبر .

أفضل مجموعة

ومن الأدوات الجنائزية أفضل مجموعة وجدت حتى الآن في دولة الإمارات من الأواني الزجاجية القديمة، وأغلبها روماني الصنع، إضافة إلى السيوف الحديدية ورؤوس الحراب والخناجر والأدوات التي تنتمي إلى طراز شرقي البحر المتوسط والتي تضم مناخل وطاسات ومغرفة .

ويضم سائر المكتشفات ما يربو على 500 خرزة بما فيها اللآلئ والعقيق الأحمر، إضافة إلى خرزة واحدة على هيئة الجعل (خنفساء سوداء) لعلها من أصل مصري، كذلك تمكنت البحوث من العثور في القبور على كؤوس زجاجية كبيرة، ومجموعة أوعية .

وهكذا نرى أن العلماء خلصوا إلى أن منطقة الدور قد تضم ما يعادل عشرين ألف قبر، وهو أكبر عدد من القبور ضمه أي موقع من مواقع الجزء السفلي من الخليج العربي .

علاقات تجارية

كذلك كشف المنقبون عن كمية مهمة من الفخاريات تشكل دليلاً على العلاقات التجارية التي أقامها السكان، وتثبت الأدوات المستوردة من روما وشرقي البحر الأبيض المتوسط قيام العلاقات التجارية مع الغرب، في حين تشهد كمية ضئيلة من الأدوات الهندية المطلية بالأحمر على قيام روابط مع الشرق، وإلى جانب العملات المعدنية الكثيرة المصنوعة محلياً أدنى في شرق الجزيرة العربية، والتي يحمل العديد منها اسم أبي آيل وبعضها مصنوع أصلاً في دار ضرب العملة المفترض وجوده في مليحة، عثر أيضاً على سطحية يرجع أصلها إلى مدينة روما ومملكة شاكس في الطرق الشمالي من الخليج العربي، ويبدو أن بعض الأدوات الفخارية قد صنع محلياً، ومن ضمن أكثر الأنواع شيوعاً أدوات ثقيلة سوداء الحافة استخدمت كجرار كبيرة لحفظ مختلف المواد، وقد ساعدت بدورها في تحديد عمر الخزفيات المتناثرة على السطح في أجزاء أخرى من دولة الإمارات .

ويبدو أن الدور قد تقلبت في مرحلة الرخاء والازدهار خلال القرنين الأول والثاني للميلاد قبل أن يقفر القسم الأكبر منها، وقد تبينت أن طرف منطقة الدور أصبح مسكوناً في مراحل تالية ابتداء من 225م تقريباً فوق قمة سلسلة الكثبان المشرفة على خور البيضاء .

وأدت حفريات تولاها فريق فرنسي برئاسة أوليفيه لوكونت إلى اكتشاف مبنى يغطي مساحة تزيد على 300 م (مبنى سكني)، حيث عثر في أرضية إحدى الغرف على جثة رجل دفنت فيها .

كما نقب أيضا عن هيكل عظمي لجمل لا شك في أنه قدّم أضحية في إحدى الممارسات الشعائرية، إضافة إلى سيف حديدي دفن بجانبه الهيكل العظمي وخارج المبنى، ووجد عدد من الحفر القليلة العمق أودعت فيها أوان زجاجية وفخارية وأسماك ومحار وعظام خراف وماعز يرجح أنها كانت تقدم طعاماً للأموات .

ووُجدَ خارج المبنى مباشرة تمثالان حجريان منحوتان على شكل طائر النسر من دون رأس يشبهان تماثيل وجدت في معبد الحضر قرب الموصل شمال العراق ومكتشفات عثر عليها في جنوب الجزيرة العربية .

ويبدو أن المبنى اكتسب صفة دينية مهمة خلال الفترة الأولى من استيطان منطقة الدور، وبما أنه أحدث عهداً ويختلف في تصميمه ومكتشفاته اختلافاً كبيراً عن معبد وجد في مكان آخر في الموقع، استخدم من قبل أفراد ذوي معتقدات دينية مختلفة، ويفيد أحد الافتراضات التي طرحها البروفيسور دان بوتس بأن المبنى استخدم لعبادة الآلهة التي سادت قبل ظهور الإسلام .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"