الرحبة واحة الهدوء والجمال

تضم 7000 مزرعة وتتمتع بموقع استراتيجي
03:18 صباحا
قراءة 5 دقائق
أبوظبي - مصطفى جندي:
كحمامة بيضاء وقفت لتستريح من عناء السفر، هكذا تبدو مدينة الرحبة بمساكنها البيضاء الممتدة بسلام في منتصف الطريق الواصل ما بين أبوظبي ودبي، ربما لا ينتبه المسافر على الطريق لها، لكن ما إن يعكف إليها ويدخلها حتى يشعر بإحساس جميل، طرقاتها الطويلة الخضراء وبيوتها البيضاء المتشابهة تنسجم بشكل فريد، وتغريد البلابل وهديل اليمام يشنف الآذان ويريح النفس .
تبعد الرحبة نحو 50 كيلومتراً عن مركز العاصمة، تتألف من مربعات سكنية مرتبة أبجدياً يضم كل مربع منها عدداً من الفلل السكنية التي بدأ إنشاؤها منذ منتصف التسعينات، يحدها من جهة الغرب مدينة الشهامة بشقيها الجديد والقديم ومن الشرق السمحة والشليلة، أما من الشمال فهناك منطقة المزارع والخور، ومن الجنوب منطقة العجبان، تمتاز الرحبة بهدوئها وجوها اللطيف نتيجة كثرة المزارع في محيطها، واستوطنتها أنواع مختلفة من الطيور كالبلبل أبيض الخد والقبرة والحجل وغيرها، التقينا عدداً من سكان المدينة، فكانت هذه المتابعة .
يقول عمران إسماعيل علي من أهالي الرحبة: "عمل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله على إعمار أكبر قدر من مناطق الدولة من خلال استصلاحها وبناء الوحدات السكنية فيها وتوزيعها على المواطنين، منطقة الرحبة كانت مجرد صحراء تغمر مياه البحر أجزاء واسعة منها، فقام رحمه الله بالتوجيه ببدء إصلاح المنطقة، ردمت السبخات الموجودة، وبنيت أولى الوحدات السكنية في محاذاة طريق أبوظبي - دبي، وكان ذلك منذ عشرين سنة تقريباً، وزعت هذه الوحدات على السكان الذين ينتمون إلى مختلف إمارات الدولة مما شكل نسيجاً اجتماعياً مميزاً، فالمنطقة لم تسكنها قبيلة معينة، بل مواطنون من عجمان والشارقة ورأس الخيمة، في البداية كانت الأمور صعبة، فلم يكن هناك كهرباء، وكانت المياه تصل إلينا بواسطة صهاريج، ولم تكن الطرق معبدة، إلى أن زارنا الشيخ زايد رحمه الله في أحد الأيام واستمع إلى شكوانا، وأمر بتجهيز المدينة بكل ما يلزمها من خدمات" . ويشير عمران إلى أن المدينة بدأت بالاتساع بشكل متسارع من خلال بناء وحدات سكنية جديدة، وفي الوقت نفسه تم توزيع المزارع على المواطنين، يقول: "كانت سياسة الدولة وما زالت تهدف إلى تشجيع المواطنين على إعمار المناطق من خلال توزيع البيوت والأراضي السكنية وتأمين ما يلزم للبدء بمشاريع تدر دخلاً جيداً على العائلات المواطنة، وهذا ما تشهد عليه المزارع المنتشرة على طول مدينة الرحبة من جهة الشمال"، ويشير إلى أن المدينة تتمتع اليوم بكافة الخدمات ومتطلبات الحياة ويضيف: "أنشئ عدد من الحدائق والمرافق العامة، وهناك مشفى الرحبة وهو من أكبر المشافي على مستوى الدولة، ولم تعد المسافة عن أبوظبي مشكلة بعد إنشاء عدد من المجمعات والمراكز التجارية، كما بدأ العمل على إنشاء محطة وقود جديدة لخدمة المنطقة وتلبية حاجات المزارعين، إلا أن المدينة ما زالت تفتقد للمدارس الخاصة، هناك مدارس حكومية، لكن من يرغب بإرسال أطفاله إلى مدرسة خاصة يضطر لإرسالهم إلى مدينة خليفة، أو مدينة محمد بن زايد" .
محمد عبدالقادر موظف حكومي ومن سكان مدينة الرحبة يقول: "تعد مدينة الرحبة من المدن الراقية سكنياً، إذ إنها تتمتع بمساكن واسعة من حيث المساحة، فالمسكن يتألف من بناء رئيسي ذي طابقين، ومجلس كبير، إضافة إلى ساحة كبيرة وحديقة، عدا عن مساحة خالية كبيرة ما بين المسكن والشارع، استغلها أغلب المواطنين من خلال زراعتها بالأشجار وأنواع النباتات المختلفة"، ويشير عبدالقادر إلى أن المدينة شهدت زيادة في عدد السكان في الفترة الأخيرة نتيجة المواصفات الجيدة التي تتمتع بها، يقول: "تتميز الرحبة بطيبة أهلها وهدوئها، كما تقع على واحد من أهم الطرق في الدولة، إضافة إلى أسعار الايجارات المقبولة"، وتعد من أهم المناطق الزراعية في أبوظبي نظراً لكثرة المزارع فيها، ويضيف: "تشكل منطقة الرحبة مع الشهامة والشليلة والعجبان أكبر منطقة زراعية في أبوظبي إذ تضم ما يقارب 7000 مزرعة، تنتج هذه المزارع العديد من المنتجات الزراعية، والمشاتل ومزارع الحيوانات كالأبقار والجمال والماعز والخيول، وأسهم إنشاء مركز خدمة المزارعين في دعم الزراعة من خلال تأمين المستلزمات الأساسية لعملية الزراعة كالبذار والشتل والمبيدات والأسمدة وتصريف المنتجات وتقديم الإرشادات والنصائح" .
ويشير إبراهيم أحمد الهاشمي إلى أن الرحبة تتمتع بموقع استراتيجي ما بين إماراتي أبوظبي ودبي، يقول: "تبعد الرحبة 40 دقيقة عن مركز مدينة أبوظبي، ونفس الوقت يلزمنا للوصول إلى مول ابن بطوطة في دبي، وينطلق منها طريق يصل إلى مدينة العين مباشرة مروراً بمنطقة العجبان وسويحان، ومنها يتفرع الطريق الواصل إلى المنطقة الغربية، وهذا من الأمور التي تتميز بها هذه المدينة، بناؤها الأفقي خفف من الازدحام، وشوارعها العريضة المزروعة بمختلف أنواع الأشجار والنباتات أعطاها جمالية خاصة"، ويشير الهاشمي إلى أن خور الشهامة الذي يمر من شمال المدينة يعد متنفساً مهماً لأهل المنطقة، ويضيف: "يمارس شباب الرحبة العديد من النشاطات في خور الشهامة كقيادة الدراجات المائية، ورياضة التجديف، كما يعتبر الخور منطقة انطلاق لسكان الرحبة العاملين في مجال الصيد أو المهن البحرية، وهو متنفس للعائلات حيث يقضون على ضفافه أوقاتاً طويلة مستمتعين بالجو الجميل خلال الشهور معتدلة الطقس" .
وإضافة للرياضات المائية يستطيع سكان المنطقة ممارسة عدد من الرياضات مثل كرة القدم، وركوب الخيل، نظراً لوجود ملاعب تدريب نادي الوحدة لكرة القدم فيها ونادي الشهامة للفروسية، وهي قريبة من منطقة العجبان حيث يستطيع هواة الرياضات الرملية ممارسة ركوب الدراجات والتزلج على الرمال، يقول مسعد أحمد مسعد مدير نادي الشهامة للفروسية: "تضم الرحبة عدداً من المنشآت الرياضية المتميزة، ومنها نادي الشهامة للفروسية، حيث نقوم بتدريب السكان من مختلف الأعمار على رياضة ركوب الخيل التي تلقى إقبالاً كبيراً لما لها من أهمية في ديننا الإسلامي وتقاليدنا العربية" .
أما محمد الحمادي من سكان المنطقة فيقول: "تتميز الرحبة بتنوع سكانها، فهم من جميع إمارات الدولة ولا ينتمون إلى قبيلة واحدة، وتسكنها عائلات معروفة، كالشامسي والحوسني والحمادي والرميثي والشحي وغيرها، هذا الأمر حقق نوعاً من التقارب ما بين أبناء الدولة، كما يتميز سكان مدينة الرحبة بطيبتهم وكرمهم وسماحة أخلاقهم، ويبدو أن لهدوء المنطقة ومناخها دوراً في ذلك، فمن النادر أن نسمع بأي مشكلة في المنطقة" .
وعملاً بتوجيهات الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله، ظهر عدد من المبادرات الشابة تهدف إلى تطوير المنطقة وإعمارها ومن هذه المبادرات متحف زايد، إذ حول أحمد المرزوقي، ساحة بيته إلى متحف للتراث الإماراتي يزخر بالقطع الرائعة، هي في أغلبها من صنعه، ويشير المرزوقي إلى أن فكرة المشروع انطلقت منذ 10 سنوات تقريباً، يقول: "يضم المتحف مئات القطع الأثرية والتراثية كالفخاريات والخشبيات والنحاسيات والسيوف والقطع النقدية، وهي بمجملها تعطي فكرة عن أسلوب حياة الإماراتي في القدم، وتعكس غنى التراث المحلي وتعرف الجيل الجديد وزوار الدولة على ماضي الدولة العريق، في البداية كانت ساحة البيت هي المتحف ولكن وبمرور الأيام وازدياد عدد القطع انتقلت لعرض الأعمال في الشارع بعد أن حصلت على إذن من البلدية" .
تتميز المنطقة بوجود واحد من أهم المشافي في الدولة، ويعتبر مستشفى الرحبة أول مستشفى حكومي في الدولة حاصل على شهادة الاعتراف الدولي من قِبَل الهيئة الدولية المشتركة كما نالت "جائزة أفضل مستشفى على مستوى جودة الخدمات لعام 2008" من بين المستشفيات الحكومية بأبوظبي من قِبَل هيئة الصحة في إمارة أبوظبي، تقع على مقربة من الطريق السريع بين أبوظبي و دبي، وافتتحت رسمياً في 16 أغسطس عام 2003 لتوفير الرعاية الصحية عالية الجودة للمواطنين والمقيمين .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"