الطاقة المتجددة أمل المستقبل

04:44 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. نيللي كمال الأمير

لا تزال معضلة التوفيق بين وفرة المصادر في مقابل ارتفاع التكلفة محور التحديات أمام التوسع في استخدامات الطاقة النظيفة في العالم، ربما يضاف إليها تواضع مستوى الوعي العام والنخبوي بأهمية التركيز على تلك الاستخدامات. ولا ينفي ذلك حقيقة خلفتها الأزمات البيئية والارتفاعات المتتالية في الطلب على الطاقة، تتمثل تلك الحقيقة في أن: الطاقة النظيفة هي المستقبل وهي البديل.
تنقسم مصادر الطاقة النظيفة إلى شقين: الطاقة الجديدة والطاقة المتجددة، فعلى حين تشير الأولى إلى مصادر غير تقليدية لتوليد الطاقة مثل تحضير غاز الميثان من المخلفات أو إنتاج الوقود الحيوي من نباتات كالجوجوبا أو الجاتروفا، تشير الطاقة المتجددة إلى الطاقة المولدة من مصادر كالرياح والشمس أي المصادر التي لا تنضب ما دامت الحياة على سطح كوكب الأرض.

انعكس هذا الاتجاه التوسعي على المستوى الوطني، ووجدنا خططاً لا يمكن وصفها إلا بالطموحة للغاية في التعبير عن «نية» لزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة والنظيفة بصفة عامة، وسبق تلك التعهدات قيام حكومات بإنشاء هيئات متخصصة لبحوث واستخدامات الطاقات الجديدة والمتجددة على المستوى الوطني، ومن أمثلة ذلك، مصر التي أنشأت هيئتها لتنمية واستخدام مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة في 1986، وتعهدت الحكومة المصرية منذ بضع سنين أن يصل اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة إلى نسبة 20% من إجمالي الطاقة المنتجة في عام 2020. وهناك أمثلة أخرى في عدد من الدول العربية بإنشاء منظمات مماثلة، فالإمارات لديها مدينة مصدر، كما أعلنت الحكومة اعتزامها أن ترتفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى 7% من إجمالي الطاقة المولدة في البلاد بحلول عام 2030. في السعودية أيضا كيان مماثل، وهو مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، والتي تقوم بدور مهم في دراسة سوق الطاقة في البلاد، وتشير التقديرات إلى أن الطلب على الطاقة في السعودية سيصل إلى 120جيجاواط عام 2032، مما يجعل زيادة الاعتماد على المصادر النظيفة يمثل حاجة ملحة. كما يتوقع تنفيذ مشروعات في هذا المجال تصل قيمتها إلى 41 مليار دولار أمريكي بدول الخليج، وذلك خلال السنوات العشر القادمة.

الأردن تمثل مثالاً عربياً آخر، فلديها هيئة لتنظيم قطاع الطاقة والمعادن وتسهم في تخطيط وتنفيذ مشروعات وحملات متكاملة لدعم استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء لدى المنازل، منها حملة «شمسي مصدر كهربتي»، لتشجيع أصحاب المنازل على تركيب أنظمة خلايا كهروشمسية لتوليد الكهرباء، وتوفير الاستهلاك من الشبكة الكهربائية إلى ما يقارب 80%.
ولا يقل التحول الجاري نحو زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة أهمية إذا ما انتقلنا للوضع خارج الوطن العربي. بل إن هناك أمثلة دولية أكثر طموحاً ونجحت في أن تنتقل من مستوى التخطيط لمستوى التنفيذ. وهنا تأتي الدنمارك، حيث وصلت نسبة الطاقة المتجددة (الرياح) لإجمالي احتياجات البلاد من الطاقة إلى 140%، وبعد أن تستوفي احتياجات السوق المحلي كاملة من الرياح، تصدر الفائض لدول الجوار الثلاث: ألمانيا والنرويج والسويد. وتحاول هولندا أن تحقق إنجازاً مشابهاً. لكن الالتفات الجدي للطاقة المتجددة لا يقتصر على دول أوروبا، فالقطبان المسؤولان عن التلوث في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لهما تعهداتهما وتحركاتهما أيضا. على مستوى الولايات المتحدة يتحقق المستقبل الأمريكي للطاقة المتجددة بصفة أساسية من خلال قناة الاستثمار، فبعد أن كان قطاع الطاقة المتجددة يجذب 9 مليارات دولار في الربع الأول من عام 2004 نجح في جذب 50 مليار دولار في الربع الأول من عام 2015. كذلك الصين، التي تقوم أيضا «بنشر» الطاقة المتجددة في العالم باعتبارها المستثمر رقم واحد عالميا في هذا المجال. وتنفذ على المستوى الداخل مشروعات لإحلال تدريجي للطاقة الشمسية والرياح محل الفحم.
بصفة عامة، أدت الدعوات بالتوسع في استخدام الطاقة المتجددة، إلى خلق دوائر جديدة عديدة. وبرز ارتباطاً بالحديث عن الطاقة المتجددة مفاهيم ومنظمات عالمية وإقليمية ووطنية. ومن أهم المفاهيم ذات الصلة هنا مفهوم الاستدامة، ولذلك لم يكن مستغربا أن يتبنى العالم أجندة موحدة يتعهد فيها بالحفاظ على الاستدامة (للموارد والتنمية) وتجلى ذلك في أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وهي 17 هدفاً برز فيها قطاع الطاقة ضمن قضايا هامة، كالفقر والجوع وتغير المناخ.
لكن تلك الدعوات في زيادة حجم التوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة لا يغير واقع ارتفاع تكلفة إنتاجها، فتكلفة إنتاج كيلوواط في الساعة من المياه والفحم والغاز الطبيعي تظل الأرخص والتي قد تقل عن دولار واحد، وفقاً لأحد التقارير الأمريكية في حين أن توليد الطاقة من الرياح أو الشمس تتعدى الدولارين أحيانا، (رغم أن المصدر متاح لا يتطلب تكاليف استكشاف) وفقاً لأسعار عام 2016.

ويبقى السؤال، كيف يتم التغلب على التحديات التي تواجه التوسع في الطاقة المتجددة في العالم؟ أولا، أن تتمتع الاتفاقيات الدولية في مجال البيئة (كاتفاقية باريس للمناخ 2015) بالإلزامية، من قبل الحكومات الموقعة لتقوم بدمج محتوى تلك الالتزامات في الخطط التنموية على المستوى الوطني بصورة أكبر. ثانيا، رفع مستوى الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والانتقال التدريجي للطاقة المتجددة. ويشمل ذلك التعريف بمخاطر تدهور البيئة عالميا والمرتبطة بالاستمرار في الاعتماد على المصادر الملوثة، كما يقترن رفع الوعي ليس فقط بمصادر الطاقة المتجددة وإنما أيضا باعتبار «ترشيد الاستهلاك» بديلا له ضرورة قصوى سيكون له إسهامه في تخفيض تكلفة توليد الطاقة (ولو بصورة غير مباشرة). ثالثا، الاستثمار في تشجيع الابتكار. فإذا كان العزوف التدريجي عن الوقود الأحفوري والتحول للطاقة الجديدة يعني ترك التقليدي والبحث عن غير التقليدي في توليد الطاقة، فإن الابتكار سبيلنا لمواجهة تحدي ارتفاع التكلفة، وتقديم حلول «ذكية» تطرح بديل الطاقة المتجددة لقطاع عريض من المستهلكين لا سيما المحرومين من الطاقة في الدول الأقل نموا. وقد بدأت بالفعل العديد من الهيئات في تبني مسابقات لتشجيع الابتكار تخاطب مؤسسات الأعمال والمبتكرين يقدم عائدها لتحويل اختراعات المبتكرين الفائزين لواقع قائم، ويصل عائد بعضها لمئات الآلاف من الدولارات. رابعا، التركيز على العائد الاقتصادي والاجتماعي لاستخدام الطاقة المتجددة خاصة على المدى المتوسط والمدى الطويل، وإن كان العائد موجودا أيضا على المدى القصير، فعلى سبيل المثال، فقد ولد قطاع الطاقة الجديدة في عام واحد 34 ألف فرصة عمل في العاصمة الدنماركية (كوبنهاغن).

وبالتالي، يبقى الحل في الاقتصاد. فالخبرات التي تم استعراضها دوليا بشأن التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة كان محورها في المقام الأول «المنفعة الاقتصادية» المتوقع جنيها، ومع توسع دول كبرى كالصين في الاستثمار عالميا في الطاقة المتجددة، وحتى إن كان العائد البيئي «نتيجة فقط» لتلك المشروعات، فإن المردود الاقتصادي من تلك المشروعات سوف يدفع بتنفيذ مزيد من مشروعات الطاقة المتجددة، خاصة خلال السنوات القليلة القادمة. بمعنى آخر، حتى نصل لمجتمع دولي واعٍ بأهمية الطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة، سيظل - العائد الاقتصادي - صاحب المحرك الأساسي بشأن مستقبل الطاقة وتحديد موعد الوصول إلى «عالم للطاقة النظيفة»، جديدة كانت أو متجددة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"