العدل بين الزوجات واجب شرعي

البيت المسلم
14:23 مساء
قراءة 5 دقائق

عندما أباح الإسلام للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة لم يكن المقصود إطلاق رغباته في أن يتزوج ما يشاء من النساء دون أن يحد من هذا أي قيد.. وإنما هذه الإباحة مقيدة بعدة شروط صارمة تؤكد في مجملها حق الرجل في أن يتزوج أكثر من امرأة وتؤكد أيضا حق كل واحدة من هؤلاء النساء في أن يعدل زوجها بينها وبين زوجاته الأخريات في كل ما يملك من مال ومبيت ومشاعر واهتمام قدر المستطاع، فما هي حقوق الزوجة في حال التعدد؟ وكيف يستطيع الزوج أن يعدل بين زوجاته؟

في البداية يوضح الشيخ علي أبوالحسن رئيس لجنة الفتوى في الأزهر سابقا أن الأصل في الإسلام هو التعدد لقول الله سبحانه وتعالى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا.. فالتعدد قضية محسومة من قبل الشرع ولا مجال للرأي فيها، ولكن ليس التعدد العشوائي، وإنما حثت شريعتنا الإسلامية على التعدد وفق ضوابط شرعية فمن كانت له زوجتان أو أكثر فواجب عليه أن يعدل بينهن، ولا يحل له بحال أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخريات من النفقة والسكنى والمبيت والهدية وحتى الابتسامة، فإذا تبسم في وجه الأولى كان لزاما عليه أن يبتسم في وجه الأخرى.

ويضيف: لقد أباحت الشريعة الإسلامية التعدد لفوائده الكثيرة والعظيمة، بل إن إلغاء تعدد الزوجات يكون السبب في العديد من الكوارث والنكبات في المجتمعات، أما ما يثار من أن الزواج بأكثر من امرأة يجلب المشاكل ويكثر القلاقل فهذا أمر عار عن الصحة، فالرجل العاقل المؤمن المتتبع لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يعلم علم اليقين كيف يعدل بين زوجاته.

كما ينصح الشيخ علي أبوسنة كل زوج أن يدرك قبل الإقدام على الزواج بزوجة ثانية أن العدل أساس التعدد، وأن الوعيد الشديد لمن كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط. وها يؤكد أنه يحرم ميل الزوج لإحدى زوجاته ميلا يكون معه بخس لحق الأخريات إلا أن يسمحن بذلك.

الميل القلبي

د.عبدالصبور شاهين المفكر الإسلامي والأستاذ في جامعة القاهرة يضم صوته إلى صوت الشيخ علي أبوالحسن في أن العدل بين الزوجات واجب على الزوج الذي يريد أن يتزوج بأكثر من امرأة، لكنه يرى أن العدل بين النساء عدلا مطلقا غير مستطاع فيتجاوز في القليل من الميل ولا يتجاوز عن الميل الواضح الكبير.

ويقول: العدل المطلوب فيما يستطاع، وحدده العلماء بالنفقة والمبيت، حتى لو كان المبيت بغير اتصال جنسي، فهذا الأمر تتحكم فيه ظروف متعددة، أما الحب القلبي فلا يجب العدل فيه وهذا لما جاء في الحديث الشريف: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك وهذا لأنه كان يحب عائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها، لكنه لا يظلم الأخريات في المبيت والنفقة.

ويؤكد د.عبدالصبور شاهين أنه يجب على كل زوج له أكثر من زوجة أن يتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على هذا العدل حتى في أيام مرضه الذي توفي فيه وأخرج البخاري ومسلم أنه كان يلاقي ألما في جولاته على نسائه وكان سأل عن صاحبة الليلة المقبلة، اشتياقا لنوبة عائشة، فعرفت زوجاته ذلك فأذنّ له أن يمرّض في بيت عائشة.

ويضيف: وكان النبي إذا اجتمع معهن في بيت صاحبة النوبة لا يولي اهتماما بغيرها أو يعمل شيئا يدخل الغيرة عليها، فليكن في هذا عبرة للذين لا يعدلون مع زوجاتهم، فذلك ظلم له أثره السيئ على الأولاد والأسرة بوجه عام.

ويشدد د.شاهين على ضرورة أن يكون الزوج الذي يتزوج أكثر من امرأة لديه المقدرة المادية بأن يستطيع أن يوفر لها المعيشة الكريمة، وأن تتوافر فيه المقدرة الصحيحة والأدبية بأن يوفر لها الإمتاع المناسب لسنها وحالتها حتى لا تسلك طريق الفاحشة.

حالات معينة

د.صبري عبدالرؤوف أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر يؤكد أحقية الزوج في تعديد زوجاته في ظل شروط وضوابط معينة أبرزها التأكد بقدر الإمكان من رغبة الرجل أن زواجه الثاني يستهدف البحث عن الاستقرار النفسي والاجتماعي وليس مجرد قضاء نزوة مؤقتة.

ويقول: للأسف هناك بعض الرجال من ضعاف النفوس يتزوجون ويطلقون دون تقدير لقدسية الحياة الزوجية، وهذا موجود بين بعض القادرين فهم يتزوجون في السر عرفيا ورسميا ثم يطلقون زوجاتهم بعد فترة مع تعويضهن ويبحثون عن زوجات أخريات.. وهذا مخالف لما أمر به الإسلام فقد لعن الله ورسوله: الذواقون والذواقات.

ويؤكد د.عبدالرؤوف أن التعدد في الإسلام يظل مشروطا بقيام مشكلة تقتضيه سواء أكانت على مستوى الفرد أم على مستوى المجتمع.

ويقول: لو لاحظنا ختام الآية: ذلك أدنى ألا تعولوا أي لا تظلموا بعد قوله تعالى: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم والمعنى المباشر أن الزواج أقرب إلى العدل وأن التعدد أقرب إلى الظلم، وهذا هو الذي يقع بالفعل أنه لا يعدل بين الزوجات المتعددات إلا القليل من الأزواج، فليظل التعدد مباحا كمخرج أو كحل لمشكلة وكمظهر من مظاهر المرونة والسعة والواقعية من التشريع الإسلامي.

إهمال الزوجة الأولى

د.هناء أبوشهبة أستاذة علم النفس في كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر تؤكد أن مشاعر المرأة هي نفس مشاعر الرجل، فكل امرأة يسوؤها أن ترى امرأة أخرى تشاركها في زوجها مثلما يسوء كل رجل أن يشاركه غيره في امرأته، وللأسف فإن بعض الرجال يدركون تماما أن التعدد حق لهم ولا ينظرون إلى الجانب الآخر وهو وجوب العدل بين الزوجات، فنجد الرجل يبيت عند إحدى زوجاته أكثر مما يبيت عند الأخرى، وقد يمكث الوقت الطويل عند إحداهن ولا يأتي إلى الأخرى إلا لماماً وقد يدعها شهورا وربما أعواما وربما علقها دون أن يطلقها أو يعاشرها بالمعروف.

وتضيف: كما أن بعض الرجال يبالغون في الاهتمام بالزوجة الجديدة وربما كان ذلك على مسمع من الأخرى بما يزيد في غيظها واشتداد غيرتها دون مراعاة لمشاعرها، لذلك فإن هذه القضية تحتاج لطرح اجتماعي وديني في مختلف وسائل الإعلام لتوضيح أبعادها كافة، وحتى تعرف كل زوجة حتى زوجها في الارتباط بالأخرى إذا ما كانت لديه الأسباب المقبولة لذلك، وليعرف كل زوج كيف يحافظ على مشاعر زوجاته وكيف يزرع الحب بين أبنائه.

وتحذر د.هناء أبوشهبة الأزواج الذين لديهم أكثر من زوجة من التمييز بين زوجاتهم وتقول: إن كل زوج يفعل ذلك لا يظلم زوجته فقط بل إنه يعرض نفسه لكراهية منها ومن أولادها تجاهه وتجاه زوجته الأخرى وأولادها وتظل هذه المشاحنات والخلافات قائمة طوال العمر.

صبر وحكمة

د.إلهام فرج أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس ترى أن الزوج من حقه أن يتزوج من زوجة ثانية وتقول: الإسلام يمثل غاية الواقعية لأنه جاء ليتعامل مع ظروف وأحوال المجتمع المسلم المتغيرة والمتبدلة على عكس الأديان الأخرى والقوانين الوضعية التي تجرم التعدد وتمنعه منعا باتا، فماذا لو كان الزوج يحب زوجته الأولى لكنها لا تنجب؟ هل يطلقها كي يبحث عمن تنجب له أم يتزوج بأخرى ويحتفظ بالأولى؟

وماذا لو كانت الزوجة الأولى مريضة وعاجزة عن القيام بأدوارها الزوجية ولكنه يحبها وتحبه فهل من العدل أن يطلقها كي يتزوج بأخرى قادرة على القيام بالأدوار الزوجية.

لكن بعض الرجال يستغلون هذا الحق الشرعي أبشع استغلال، فلا يلقون بالاً لمسألة العدل بين الزوجات، وهناك من يعدد تأديبا للزوجة الأولى ثم يطلق الثانية عندما تستقيم سلوكيات الأولى، وهناك من يملك المال الوفير ويجعل من الزواج والطلاق سلوكا يفخر به.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"