العلاج الإسلامي لمشكلة البطالة

03:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. محمد عبد الحليم عمر*

الإنسان هو أهم منظومة في التنمية الاقتصادية، فهو الذي يستخدم رؤوس الأموال والموارد الطبيعية بالعمل المنتج، ويقاس تقدم كل أمة بما لديها من العناصر البشرية القادرة على العمل والإنتاج، فاليابان على سبيل المثال لا تملك الكثير من الموارد الطبيعية، لكنها استطاعت بالقوة البشرية العاملة تحقيق التقدم الاقتصادي.. من هنا فإن البطالة هي أبرز معوقات التنمية. والعاطل - وفق مفهوم منظمة العمل الدولية - هو: «كل قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأجر السائد»، وهذه هي البطالة الإجبارية.
أما البطالة الاختيارية فهي: العزوف عن العمل رغم توافره، وعدم طلبه رغم القدرة عليه، كما يوجد نوع آخر من البطالة يسمى «البطالة المقنعة»، وتتمثل في الذين يؤدون عملاً هامشياً أو الأفراد الذين يعملون معاً في عمل يمكن أن يؤديه فرد واحد منهم.
وللبطالة آثار سيئة منها اتساع دائرة الفقر والمعاناة بما يؤدي إلى الإحباط والاكتئاب لدى العاطلين، فيدفعهم ذلك للجوء إلى مفاسد كثيرة منها المخدرات بأنواعها.. ونظراً لعدم وجود مال لديهم فإنهم يحاولون الحصول عليه بطرق غير مشروعة مثل البلطجة والدعارة والسرقة، كما يكون العاطلون فرصة لتجنيدهم في منظمات الإرهاب التي تمثل خطراً على المجتمع، وتدفع البطالة الأفراد إلى الهجرة خارج البلاد، ونظراً لضيق أبواب الهجرة الشرعية فإنهم يلجؤون إلى سماسرة الهجرة غير الشرعية الذين يقودونهم إلى رحلات غير مضمونة، كان من نتائجها غرق الكثيرين منهم في البحار دون الوصول إلى غايتهم، وإذا وصل البعض منهم فإنهم يقيمون في بلاد الهجرة إقامة غير شرعية بما يعرضهم للمهانة والعقوبات.
ومشكلة البطالة في تزايد مستمر ولها تداعيات خطرة على بلادنا العربية، ورغم وجود منظمات معنية بالعمل والعمال فإنها لم تستطع وضع أساليب ناجعة للحد من هذه المشكلة، ما يفرض علينا اللجوء إلى الحلول التي جاء بها ديننا الحنيف.. وأبرزها:
- اهتمام الإسلام بالعمل والإنتاج، فالقرآن يحث على العمل، وقد ورد لفظ العمل ومشتقاته في القرآن 267 مرة، وهذا الكم يدل على مدى عناية القرآن بأن يكون الإنسان في عمل دائم.
- الإسلام يحث على العمل ويرغّب فيه، ويحذّر من البطالة، حيث يقرر الفقهاء أن البطالة - حتى لو كانت للتفرغ للعبادة مع القدرة على العمل والحاجة إلى كسب قوته وقوت من يعوله - تكون حراماً.
- توظيف فريضة الزكاة لمواجهة البطالة، وذلك من خلال قيام الدولة بواجبها نحو الزكاة بالتحصيل والصرف والإدارة، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إنشاء جهة حكومية يتم فيها تشغيل مجموعة كبيرة من العاملين، وبذلك تمتص جزءاً من البطالة.. ومن شأن إقامة ركن الزكاة في المجتمع بطريقة منظمة أن يؤدي إلى الإنعاش الاقتصادي لما توفره الزكاة من دخل للفقراء الذين لديهم ميل كبير للاستهلاك، فيزيد الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي يتوسع الإنتاج مما يتطلب عمالة جديدة.
والزكاة تعمل على منع البطالة الاختيارية، فلا تعطى الزكاة للفقير القادر على الكسب لكنه لا يعمل تهاوناً أو كسلاً، كما جاء في الحديث الشريف في قوله - صلى الله عليه وسلم - «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرّة سويّ» أي قادر على العمل.
وبالنسبة للعاطلين عن العمل إجبارياً، أي أنهم يبحثون عن عمل ولا يجدونه فإنه يصرف لهم من الزكاة ما يعينهم على العمل في صورة رأسمال مناسب للبدء في مشروع صغير.
وبهذا يمكن للزكاة أن تعالج مشكلة البطالة في إطار ما يعرف الآن بتمويل المشروعات الصغيرة التي بدأ الاتجاه إليها في جميع الاقتصادات.

*أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"