العلاج بالموسيقى .. نغمة تمكين لذوي الإعاقة

برنامج تأهيلي تتبناه «الخدمات الإنسانية»
03:00 صباحا
قراءة 5 دقائق
تحقيق: مها عادل

الموسيقى غذاء للروح وصفاء للذهن ولغة تواصل عالمية بين الشعوب المختلفة. وأثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن فوائدها تتعدى هذا الحيز بكثير. لثبوت قدرة الموسيقى على علاج الكثير من الأمراض النفسية والعضوية وبعض حالات الإعاقة الذهنية والحركية. وفي مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية كان للموسيقى دور مهم، حيث تبنت المدينة مشروعاً رائداً للعلاج بالموسيقى للأشخاص ذوي الإعاقة يهدف لتطوير أساليب وخطط العلاج لطلابها، حيث نجح برنامج العلاج بالموسيقى في تغيير حياة وتطوير مهارات أكثر من 313 طالباً وتحسين حالتهم الصحية وتعزيز استجابتهم السلوكية والحركية والاجتماعية للبيئة المحيطة بهم وتأهيل 72 أخصائياً من كوادر المعلمين بالمدينة. في السطور التالية نصحبكم بجولة في أروقة المدينة، ونلتقي بالمسؤولين والمعلمين وأولياء الأمور للوقوف على ثمار التجربة وفوائدها.
د. سامية محمد صالح مدير مدرسة الوفاء لتنمية القدرات بالمدينة تقول: «العلاج بالموسيقى آلية مساندة للخدمات التعليمية والتربوية التي تقدم للأشخاص من ذوي الإعاقة، حيث يقوم المعالج بمساعدة الأطفال وتحسين مهاراتهم الحركية والمعرفية والمهارات الاجتماعية ونوعية الحياة عبر استخدام المجالات الموسيقية لتحقيق أهداف العلاج. ومن هذا المنطلق تم تبنّي استخدام العلاج بالموسيقى ليكون من البرامج الأساسية والداعمة للأشخاص ذوي الإعاقة بصورة عامة. وتضيف: البرنامج يساعد ذوي الإعاقة على التعبير عن مشاعرهم وتحسين الذاكرة وتعزيز الانتباه والتركيز والقدرة على التواصل والتوجيه الذاتي والاستقلالية والتعلم والإبداع والتخيل وإزالة التوتر وتنمية عضلات الطفل بالعزف على الآلات الموسيقية.
يعرب محمد فوزي، مدير مركز التدخل المبكر، عن تفاؤله بما يحققه برنامج العلاج بالموسيقى ويقول: «امتلاك المعلمين لمهارات وقدرات جديدة تزيد من الثقة بالنفس وتعزز مهاراتهم بشكل واضح، وهذا الأمر ينعكس بشكل إيجابي على الأطفال الذين يتلقون البرامج التدريبية والتعليمية على أيديهم، وهو ما يغذيه حرص المدينة على التدريب المستمر للكوادر العاملة مع الأطفال من ذوي الإعاقة. وما يميز البرامج التي يجري تطبيقها أنها مرنة ذات أهداف وظيفية وتتطور بشكل مستمر لتلائم احتياجات وأولويات الأسرة بالإضافة إلى الاحتياجات الخاصة بالطفل.
وللتعرف على نوعية التدريبات والخبرات التي اكتسبها المعلمون بالبرنامج، التقينا ماري عزمي المعلمة بمركز التدخل المبكر، وتوضح: «التحقت بدورة العلاج بالموسيقى للدفعة الثانية للعام التدريبي 2016، التي أقامتها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية بالتعاون مع جامعة ايوا بكوريا الجنوبية، بمعدل 150 ساعة تدريب، بالإضافة إلى دورات تدريبية لمدة 3 أعوام متتالية تتراوح عدد ساعاتها بين 15-30 ساعة تدريب إلى جانب تنظيم جلسات فردية وجماعية تتراوح مدتها من 30-45 دقيقة لعدد 15- 20 طفلاً حتى يومنا هذا.
وتعلمت خلالها ماهية العلاج بالموسيقى وأسماء الأدوات الموسيقية الجديدة والمستحدثة وتصنيف الأدوات والآلات الموسيقية التي تناسب كل أنواع الإعاقة، وطرح أفكار مبتكرة لألحان ونغمات متعددة تناسب جميع المراحل العمرية وكيفية تأليف مقطوعات موسيقية، بالإضافة إلى وضع أسس سير الجلسة الموسيقية سواء كانت فردية أو جماعية وعدد الأنشطة المقامة أثناء الجلسة والوقت الذي تستغرقه كل جلسة.

الحد من آثار الإعاقة


تجربة أخرى يرويها لنا فوده فتوح العسكري، معلم بمركز الشارقة للتوحد، ويقول:«التحقت بدورة العلاج بالموسيقى بداية العام الدراسي 2017 وقد احتوت الدورة على مادة علمية نظرية متكاملة تغطي كافة أنواع الإعاقة وتواجه كافة التحديات الحركية واللغوية والاجتماعية والسلوكية التي تواجه ذوي الإعاقة. فاحتوت المادة على كل ما يدعم تطوير وتنمية قدراتهم وسبل الحد من أثر الإعاقة على حياتهم والتغلب على كل ما يحول دون دمجهم وتمكينهم في مجتمعاتنا، وأثر ذلك بشكل مباشر في إثراء معارفنا وخبراتنا النظرية والعملية في الحد من آثار الإعاقة، وتعلمنا كيفية تطويع الموسيقى والتي تعتبر من أحدث استراتيجيات الحد من آثار الإعاقة وتطوير وتنمية قدرات أبنائنا من ذوي الإعاقة.
أما حمدة صغير الكتبي، المعلمة بمدرسة الوفاء لتنمية القدرات، فتقول: التحقت بالدفعة الخامسة من برنامج العلاج بالموسيقى عام 2019 واستمرت قرابة 5 أشهر، وتعرفت خلال الدورة على أهم استراتيجيات ومنهجيات العلاج بالموسيقى مع تأهيلنا كمتدربين على تطبيق جلسات العلاج بالموسيقى على الطلاب مع رصد وتحليل النتائج من الجلسات والتدريب على استخدام الأدوات الموسيقية واستراتيجياتها قبل البدء في الجلسات كأساس للعلاج بالموسيقى، وطبقت العلاج بالموسيقى بهدف تطوير قدرات ومهارات الطلاب في جميع المجالات الاجتماعية والمعرفية والحركية والنفسية.


تحسن في الشخصية


كان لأولياء الأمور آراؤهم حول مدى التقدم الذي حققه أبناؤهم بفضل العلاج بالموسيقى، فتحدثنا أم علي سعيد بمدرسة الوفاء لتنمية القدرات عن تجربتها وتوضح: «يعاني ابني من إعاقة ذهنية ويصاب أحياناً بتشنجات بسبب وجود كهرباء زائدة في المخ واخترت أن يخضع طفلي للعلاج بالموسيقى طلباً للتحسن في حالته وبالفعل استفاد من هذا البرنامج بشكل كبير، حيث لاحظت تحسناً كبيراً في شخصيته وأصبح أكثر هدوءاً وتنظيماً وبعد الانتظام على العلاج بالموسيقى زادت قدراته الإدراكية والتركيز وبدأ يميز الألوان وأصبح ينتظر دوره في اللعب عندما يمارس ألعاباً جماعية مع أطفال آخرين، وهذا يعدّ تحسناً كبيراً في سلوكه الاجتماعي .
أما فاطمة ناصر أم موزة بمركز الشارقة للتوحد فتقول عن طفلتها: إنها مصابة باضطراب طيف التوحد مع مرض جيني وقد اخترت لها العلاج بالموسيقى لرفع مستواها في التواصل مع الآخرين وبالفعل نجحت الموسيقى في تحقيق نتائج ممتازة، حيث أصبحت طفلة أكثر اجتماعية وتعززت لديها مهارة التواصل مع الآخرين.


تحسن بعد الجلسات


تشرح أم كريم هشام، بمركز التدخل المبكر، حالة ابنها وتقول: «يعاني ابني متلازمة داون ولديه إعاقة شديدة لا يستطيع استخدام قدميه، بالإضافة إلى بعض المشاكل الصحية الأخرى في التنفس والقلب. واخترت له العلاج بالموسيقى لأسباب متعددة، فقد لاحظت شغف ابني وانتباهه الشديد عندما يسمع عزف الموسيقى ولمست تطوراً واضحاً في حالته بعد أن بدأ العلاج بالموسيقى. وكان كريم لا يستطيع الحركة تماماً ولا يقدر على تحريك قدميه أو الوقوف. ولكن بعد عدد من جلسات العلاج بالموسيقى بمصاحبة العلاج الطبيعي استطاع ابني أن يقف بمفرده بمساعدة ضئيلة ويستطيع أن يدفع الدراجة الرباعية بقدميه الاثنين باستقلالية.


313 مستفيداً و 72 أخصائياً


تحدثنا خديجة أحمد بامخرمه، المشرف العام على برنامج العلاج بالموسيقى في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، ومسؤول التخطيط والمتابعة عن أهمية تبني هذا المشروع وتقول: «تعتبر المدينة أول مؤسسة تعنى بشؤون الأشخاص من ذوي الإعاقة على مستوى الدولة وتدخل برنامج العلاج بالموسيقى ضمن خدماتها المقدمة لهذه الشريحة من أبناء المجتمع، بالتعاون مع جامعة إيوا بكوريا الجنوبية، حيث يعتبر العلاج بالموسيقى من أفضل البرامج التأهيلية والعلاجية التي تساهم في تطوير قدراتهم ومهاراتهم حركياً واجتماعياً ولغوياً وتربوياً وتنميتها بشكل علمي متميز».
وتوضح بامخرمه: استفاد حتى الآن 313 طالباً وطالبة من ذوي الإعاقات المختلفة من جلسات العلاج بالموسيقى التي تم تطبيقها لهم. ولضمان استدامة البرنامج حرصت المدينة على تأهيل وتدريب الكادر الفني والتعليمي بها على استخدام تقنيات العلاج بالموسيقى من قبل الخبراء والمختصين، وقد تم حالياً تأهيل 72 أخصائياً من قبل جامعة إيوا ليكون العلاج بالموسيقى من ركائز تدريب الطلبة ذوي الإعاقة وتمكينهم.
وتضيف: يجري حالياً التوسع في تطبيق برنامج العلاج بالموسيقى على مستوى المدارس والمراكز التربوية والتعليمية، ويتم التدريب من قبل فريق العمل في المدينة الذي تم تأهيله لضمان استدامة البرنامج.
وتشير بامخرمه إلى أن الفريق البحثي في المدينة أجرى دراسة حول فعالية برنامج العلاج بالموسيقى على الأشخاص من ذوي الإعاقة وأثبتت النتائج أهميته وفعاليته في تنمية مهاراتهم وقدراتهم، وسيتم نشر البحث في المجلة العلمية بجامعة الشارقة، وجار التعاون مع جامعة الشارقة لإقرار وجود دبلوم لاختصاصي العلاج بالموسيقى بها، سيتم تطبيقه من قبل جامعة إيوا وبالتعاون مع مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، على أن يتم تنفيذه العام القادم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"