الكتاب الورقي لايزال الأفضل

ساعد جامعيين على فهم أعمق للمادة
02:28 صباحا
قراءة 5 دقائق

إعداد: أشجان محمود
على الرغم من التطور التقني السريع الذي يحيط بعالمنا، ومحاولة الكثيرين اللحاق بركبه، إلا أن الأبحاث والدراسات التي أجريت، مؤخراً مازالت تؤكد أهمية الكتاب الورقي واعتباره أفضل من الإلكتروني، وعددت مزاياه لدى القارئ، ومنها سهولة فهم النص الورقي عن الظاهر على الشاشة، وسرعة تذكر المعلومة واسترجاعها ذهنياً عند الحاجة إليها .
طبقاً لمجلة "ساينتفيك أمريكان" فإن الأجيال الحديثة التي نشأت في عصر التكنولوجيا الرقمية واستخدمت الحاسوب والأجهزة اللوحية في مرحلة مبكرة من حياتها ترى أن قراءة الكتب والمجلات الورقية أصبحت عديمة الجدوى وتشكل صعوبة في فهمها، عما إذا تمت قراءتها من خلال الأجهزة اللوحية، وهو ما جعل علماء النفس وهندسة الحاسوب والمختصين بعلوم المعرفة والمكتبات يعكفون على إجراء الأبحاث منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن لمعرفة مدى الاختلاف بين القراءتين الورقية والرقمية .
وكانت النتيجة في مصلحة الكتاب الورقي، توصلت الدراسات والأبحاث التي أجريت قبل عام 1992 إلى أن الأشخاص الذين يقرأون القصص والمقالات على شاشات الحاسوب أو الأجهزة اللوحية مثل الآي باد يكون أداؤهم أكثر بطئاً وأضعف في تذكرهم للمعلومة، وعلى الرغم من ذلك فإن مبيعات الكتب الإلكترونية في الولايات المتحدة تشكل20% من إجمالي المبيعات .
وتؤكد الدراسات أن الورق مازال يحتفظ بميزات كبيرة، فالأجهزة الرقمية تمنع الأشخاص من الإبحار في قراءة النصوص الطويلة وتعوق عملية فهمها، وتستنزف الشاشات اللوحية الموارد العقلية للقارئ، فيجد صعوبة في تذكر ما قرأه، ولا يقبل الأشخاص على التعلم من خلال الحاسوب بنفس القوة التي يقبلون عليها عندما يمسكون بكتاب ورقي .
ويرى العلماء أنه لفهم مدى الاختلاف بين القراءة على الورق وعلى الأجهزة اللوحية يجب أولاً فهم الطريقة التي يترجم بها العقل اللغة المكتوبة، فعلى الرغم من أن الحروف والكلمات هي رموز تمثل الأصوات والأفكار إلا أن العقل يعتبرها أجساماً مادية (محسوسة)، في الطفولة يقوم المخ بعمل دائرة واسعة لعملية القراءة من خلال دمج الأنسجة العصبية والمخصصة لقدرات أخرى مثل الكلام والحركة والرؤية مع بعضها، مما يساعده في التعرف إلى الأجسام من حوله مثل التمييز بين التفاحة والبرتقالة سواء من خلال شكل كل منها أومن خلال تصنيفهما كفاكهة، وبنفس الطريقة عندما نتعلم القراءة والكتابة نتعرف إلى الحروف من خلال ترتيبها المميز على السطور وطريقة رسمها، ولذلك فإن الدائرة العقلية المختصة بالقراءة عند طفل يبلغ 5 سنوات تنطوي على نوع من النشاط عندما يقوم بكتابة الحروف باليد بدلاً من كتابتها من خلال النقر على لوحة المفاتيح، والشخص عندما يقرأ نصاً ورقياً يقوم بتمثيله وتخيله عقلياً وهوما لا يحدث عند قراءته على شاشات الأجهزة الرقمية .
وتتضمن الكتب الورقية - كما يرى الباحثون- تضاريس واضحة، فهناك صفحتان إحداهما إلى اليمين والأخرى إلى اليسار، وثماني جوانب، ومن الممكن التركيز على أي جزء من الصفحة من دون أن يتشتت انتباه القارئ عن أصل النص، ويمكنه في نفس الوقت أن يشعر بسمك الكتاب عندما يمسكه بإحدى يديه، وأيضاً بحجم الصفحات التي يحتاج لقراءتها عندما يمسكها بيده الأخرى، وهو ما يسهل عليه الإبحار في عملية القراءة، وعلى العكس من ذلك فالأجهزة اللوحية تعيق القارئ عن مواصلة رسم أو تخيل رحلة القراءة في ذهنه، وتجعل من الصعب توصله لعبارة أو فقرة معينة من النص الكامل .
وتؤكد بعض الأبحاث على أن القراءة من خلال الشاشات الرقمية تعيق عملية الفهم، وذلك على الرغم من أن الحبر الإلكتروني مماثل للعادي، لكن شاشات الأجهزة اللوحية والهواتف النقالة والحاسوب التي تركز الإضاءة على وجه القارئ تصيبه ببعض الأعراض مثل الصداع وإجهاد العين وضعف البصر، وهو ما أثبته اختبار قراءة أجرى لبعض الطلاب على الحاسوب والأخير على الورق، وأحرزت المجموعة الثانية درجات مرتفعة فيه عن زملائهم الذين اعتمدوا على الحاسوب الذين شعروا بالإجهاد والأرق أكثر من غيرهم .
وأظهرت اختبارات الذاكرة والانتباه أن الأشخاص الذين استخدموا الشاشات والأجهزة اللوحية أحرزوا نقاطاً ضعيفة بالمقارنة بالآخرين الذين اعتمدوا على القراءة الورقية، والانتقال عبر الصفحات من خلال استخدام الفأرة يتطلب تركيزاً في النص، مما يؤدي إلى استنزاف عدد من الموارد العقلية، وهو ما لا يحدث عند تقليب الصفحة باستخدام أصابع اليد، والذي يتم بشكل بديهي وبسيط، ولذلك فكلما كان تركيز الشخص موجهاً على تقليبه للصفحة كلما قل فهمه للنص .
وأوضحت دراسة أجريت في 2005 على 113 شخصاً من جامعة سان جوس ستيت بشمال كاليفورنيا أن الأشخاص الذين يعتمدون على القراءة من خلال الشاشات يقضون وقتاً أطول في التصفح وعمل مسح ضوئي للنص والبحث عن الكلمات الرئيسية بالمقارنة بزملائهم الآخرين الذين يقرأون النص الورقي مرة واحدة فقط .
وتؤكد أحدث الأبحاث التي أجريت في هذا الإطار على أن استبدال الشاشات بالورق في مرحلة مبكرة من العمر ربما يكون له مزايا، وفي دراسة أجريت عام 2012 في أحد المراكز الأمريكية بنيويورك سيتي وتم فيها تجنيد 32 من الآباء وثمانية أطفال تتراوح أعمارهم من ثلاث إلى ست سنوات، وجد أن الأطفال تذكروا تفاصيل دقيقة عن قصص ورقية قرأوها أكثر من الأخرى الإلكترونية والمزودة بفيديوهات ورسوم متحركة وألعاب، وفي إحصائية شملت 1226 من الآباء، أكد معظمهم أنهم وأطفالهم يفضلون الكتب الورقية عن الإلكترونية عندما يقرأون سوياً .
وفي دراسة مماثلة أجرتها جامعة بنسلفانيا، أشار الآباء إلى أنهم عندما كانوا يقرأون لأبنائهم القصص الورقية كانوا يربطون أحداثها بالحياة الواقعية لأطفالهم، بينما عندما يقرأون لهم الإلكترونية فكان لزاماً عليهم مقاطعة القراءة كل فترة وحثهم على تجنب اللعب بالمفاتيح المختلفة، مما يعيق عملية التواصل أثناء القراءة، وهذا التشتت كان يجعل الصغار غير قادرين على فهم جوهر القصة .
ويتميز استخدام النصوص الرقمية ببعض الميزات في مواقف بعينها كأن يبحث الشخص عن معلومة في زمن محدد، فسرعة إنجاز ذلك من خلال استخدام الإنترنت يفوق البحث عنها من خلال المكتبات العادية .
وفي إحصاء أجري على طلاب من خريجي جامعة تايوان الوطنية أكد معظمهم أنهم يتصفحون فقرات قليلة من مادة بعينها على الإنترنت قبل طباعتها كاملة لقراءتها بشكل أعمق، وهو ما أكدته أيضاً إحصائية أجرتها إحدى جامعات مكسيكو، ووجد أن 80% من 687 طالباً يفضلون القراءة الورقية عن الإلكترونية ليتمكنوا من فهم المادة بشكل أعمق .
وتعد الطريقة التي يشعر بها الشخص وهوممسك بالكتاب في يده هي التي تحدد كيفية شرائه، سواء من خلال الذهاب إلى المكتبة وتحسس ملمسه وجودة غلافه أوتحميله من على المواقع المخصصة ببيع الكتب مثل موقع أمازون، وربما يشعر الشخص بمتعة معينة عند إمساكه بالورق ورؤية الحبر المكتوب به وتقليبه للصفحات بأصابعه، وهذه المتعة لا يجدها القارئ في الكتاب الإلكتروني الذي يفتقد للشكل والسمك الذي يستهوي القارئ .
ومؤخراً قام بعض مطوري الأجهزة الرقمية بتطوير شاشة القراءة، ولم يعد الانتقال بالفأرة هوالحل المثالي الوحيد لمطالعة نص إلكتروني طويل، لذلك قاموا بتزويد النصوص بمقاطع للصوت وفيديوهات لخلق حالة سينمائية عند قراءة مقال أونص، وهو ما جعل بعض الصحف الكبيرة مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز لا تنشر مقالات كتابها إلا من خلال الإنترنت، ومع ذلك فعندما يتعلق الأمر بالقراءة المكثفة لنصوص طويلة فالكتاب الورقي لا يكون له منافس .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"