وهؤلاء الشعراء الثلاثة هم: الدكتور عارف الشيخ، والأستاذ سيف المري، والأستاذ محمد القرق، وعندي أن هؤلاء متميزون في وصف النخل، ولم أقرأ في دواوين الشعر العربي قديمه وحديثه قصائد انصبّ موضوعها على النخلة وحدها باستثناء قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التي أتينا على ذكرها في الحلقة يوم أمس.. فإذا كان الأمر كذلك، فإن على مؤرخي الأدب والشعر العربي أن يضعوا هؤلاء الشعراء الإماراتيين الثلاثة في رأس قائمة الشعراء الذين خصّوا هذه الشجرة العتيقة بالذكر الجميل والنغم الحلو ، وأضافوا إلى الشعر العربي موضوعاً لا يجده المتذوّق للأدب إلا عند من عرف هذه النبتة التي بارك الله فيها وأشاد بجمالها القرآن في الآية الكريمة، «والنخل باسقات لها طلع نضيد».
ونبدأ بمقاطع من قصيدة الدكتور عارف الشيخ - النخلة - التي أقتبس منها أبياتاً لأنها طويلة ولا يسعها الحديث في هذه الحلقات الرمضانية المختصرة، وآمل أن أضمها وغيرها في كتابي الذي أعده عن النخلة في الأدب العربي في يوم من الأيام- إن شاء الله.. يقول الشيخ عارف:
قُلتُ يَوماً للنّخَلة الشّمّاءِ:
لِمَ لَم تَخرُجي، إلى الأضواءِ؟
فأجَابَت بِقَولها: قد تجَاوَزتُ
عنَانَ السَّماء والجوَزاءِ
كم تَغَنّت بِيَ الحُداةُ وساَرت
بِحَديثي مَواكبُ الحُكماءِ
ردَّدَتني الأجَيالُ وانَطلَقَت بي
في مَديح قَرائحُ الشّعراءِ
باسِقاتٌ أصُولُنا ثابتاتٌ
وفُروُعٌ قد شُيّدتَ في السَماءِ
سَل عُماناً وَبَصْرَة ثُمَّ عَرِّجْ
بِبلاد البَحرَين والأحساءِ
وَبِأَرض الحِجازِ قد ذاعَ صِيتِي
مِن جوار القُبَيبَةِ الْخضراءِ
فأنَا لَستُ نَبْتَةً في مَسِيل
الْماءِ تَنمُو كاَلبَقلةِ الحَمقاءِ
أنا سرّ الحَياة لو عَرَفُوني
أناِ في الأوفياءِ رَمزُ الوَفاءِ
مَعدنِي طيّبٌ وأصَلي كريمٌ
وَإلى آدم يُقالُ انتِمائي
أنَا أحيا في كُلّ بُقعَةِ أرض
فَاغْرِسوني في الدّار فيِ الدَهناءِ
وغَداً تَجتَنُون مِنّي ثِماراً
يانِعات لكَمُ بدون عَناءِ
لِيَ طَعْمٌُ حُلوٌ وطَلْعٌ نَضِيدٌُ
وكَثيرٌ للخارِفين عَطائِي
أنَا زادُ الفَقير في كُلّ وَقت
وَطَعامُ المُلوك والأمراء
أَنا في مُنتَهى الجَمال فإنَي
أتَوارى عنَ أعَيُن الرّقَباءِ
أنا إن متّ بعدَ طُول عَناء
سَترَون الفَناءَ قبلَ فَنائي
وسَيأتي يومٌ إذا نضَب النَفْطُ
وولّت عنكُم عُهودُ الرَّخاءِ
يومَ لا يَنفع السّمِنْتُ ولا الطابوقُ
إلاّ عَرائشاً في الخَلاء
فسَلاماً على رفُات شهيدات
بلادي من ساحةِ الشّهَداءِ
وكما قلت، فإني اختصرت أبيات هذه القصيدة التي نظمها الشيخ عارف الشيخ في النخلة، وهي تربو على خمسة وثلاثين بيتاً.. ومن هنا فإنها تعتبر كما أعتقد أطول قصيدة عربية في هذه الشجرة، وتتميز بأنها قيلت في النخلة نفسها وبالتركيز عليها وحدها.. وللدكتور عارف الشيخ أرجوزة أو «تغرودة» في النخلة وهي خفيفة الظل، ومطلعها:
أنا زينة البستان
ذات العلا والشان
سهل الغراس محبب
أحيا بكل مكان
وللحديث صلة غداً - إن شاء الله.
بقلم: عبد الغفار حسين
[email protected]