الواسع

الاسماء الحسنى
13:44 مساء
قراءة 6 دقائق

ورد اسم الله الواسع في القرآن ثماني مرات، وقد اقترن باسم الله الحكيم في موضع واحد في قوله تعالى: (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما) (النساء: 130)، واقترن باسم الله العليم في سبع مواضع منها قوله تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) (البقرة: 115)، ومنها قوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) (البقرة: 261)، وفي كتابه ''طريق الهجرتين'' ذكر ابن القيم في بيان العلة في اقتران اسمي الله الواسع والعليم: (ألا يستبعد العبد مضاعفة الأجر، ولا يضيق عنها عطاؤه، فإن المضاعف واسع العطاء، واسع الغنى، واسع الفضل، ومع ذلك فلا يظن أن سعة عطائه تقتضي حصولها لكل منفق، فإنه عليم بمن تصلح له هذه المضاعفة، وهو أهل لها، ومن لا يستحقها ولا هو أهل لها، فإن كرمه وفضله تعالى لا يناقض حكمته، بل يضع فضله مواضعه لسعته ورحمته، ويمنعه من ليس من أهله بحكمته).

ولله المشرق والمغرب

والواسع في اللغة اسم فاعل للموصوف بالوسع، فعله وسع الشيء يسعه سعة فهو واسع، وأوسع الله عليك أي أغناك، ويقال: فلان يعطي من سعة، قال تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته) (الطلاق: 7).

وفى المقصد الأسنى: (الواسع مشتق من السعة، والسعة تضاف مرة إلى العلم إذا اتسع وأحاط بالمعلومات الكثيرة، وتضاف أخرى إلى الإحسان وبسط النعم، وكيفما قدر وعلى أي شيء نزل فالواسع المطلق هو الله تعالى، لأنه إن نظر إلى علمه فلا ساحة لبحر معلوماته، بل تنفد البحار لو كانت مدادا لكلماته، وإن نظر إلى إحسانه ونعمه فلا نهاية لمقدوراته وكل سعة وإن عظمت فتنتهي إلى طرف، والذي لا ينتهي إلى طرف هو أحق باسم السعة، والله تعالى هو الواسع المطلق، لأن كل واسع بالمقارنة إلى ما هو أوسع منه ضيق، وكل سعة تنتهي إلى طرف فالزيادة عليها متصورة، وما لا نهاية له ولا طرف فلا يتصور عليه زيادة).

وهو سبحانه له مطلق الجمال والكمال في الذات والصفات والأفعال، واسمه الواسع متعلق بكل أسمائه فهو سبحانه الذي لا حدود لمدلول أسمائه وصفاته، وهو سبحانه الذي: (وسع كرسيه السماوات والأرض) (البقرة: 255)، والكرسي عند السلف موضع القدمين، فما بالنا بعظمة عرشه، وما بالنا بعظمة من استوى عليه: (سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون) (الزخرف: 82).

والسعة في حقه جل ذكره تشمل السعة في قدرته وفي علمه وفي رحمته، فمنها ما تناول سعة المكان دلالة على سعة الملك: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) (البقرة: 115)، ومنها ما تناول سعة الملك والقدرة والعطاء: (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) (البقرة: 247)، ومنها ما تناول سعة في الفضل: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) (البقرة: 261)، فالفضل كله بيده عز وجل كما في قوله تعالى: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) (آل عمران: 73)، ومنها ما تناول سعة الرحمة والمغفرة: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم) (البقرة: 268).

وهو سبحانه الواسع في علمه فلا يجهل، والواسع في قدرته فلا يعجل، وهو سبحانه واسع الرحمة والمغفرة، وسعت رحمته كل شيء، وفي الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة وقمنا معه فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحدا فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي لقد حجرت واسعا. يريد رحمة الله).

واسع العلم

وهو سبحانه العالم المحيط علمه بكل شيء، وسع علمه كل شيء، وإحسانه شمل كل مخلوق فلا تضيق دائرة علمه عن كل شيء، ولا تضيق دائرة إحسانه عن أي شيء، ولا تضيق دائرة قوته عما دونه، إذا نظرنا إلى علمه فلا ساحل لبحر علومه، وإذا نظرنا إلى إحسانه ونعمه فلا نهاية لإحسانه، وهو سبحانه الذي وسع علمه جميع المعلومات، ولا يغرب عنه أثر الخواطر في الضمائر، ووسع سمعه جميع المسموعات، فلا تخفى عليه خافية، وفي الحديث الصحيح أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها فكان يخفى علي كلامها فأنزل الله عز وجل: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) (المجادلة: 1).

ووسع رزقه جميع المخلوقات، واسع الرحمة والغنى والسلطان والعلم والقدرة والإحسان، وهو سبحانه أفضاله شاملة وعطاياه كاملة، وسع غناه كل فقير، وهو الكثير العطاء، ويروي الإمام مسلم فيما يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

والمؤمن يتعبد الله الواسع ويسأل الله بواسع كرمه أن يوسع عليه بنعمه وإحسانه، ويثق في سعة الرزق مهما طالت أيام بلائه وامتحانه، وقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جواد، فقد قيل ذاك).

وورد عند البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر).

والمؤمن الذي يوحد الله باسمه الواسع يتمنى السعة طلبا للجهاد ودعوة العباد إلى توحيد الله، روى ابن ماجة وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين، ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله، فأقتل ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل).

الرحمن الرحيم

والمؤمن الذي يوحد الله باسمه الواسع يعلم أنه واسع الرحمة فيطمع فيها ويزداد رجاؤه لها ولا ييأس منها أبدا: (إن ربك واسع المغفرة)، وسع على خلقه في الأرض ليعبدوه، وإن ضيق عليهم موضع وسع الله غيره قال تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) (العنكبوت: 56) والمؤمن يفر بدينه من أرض الفتن، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)، وروي عن عطاء أنه قال: (إذا دعيتم إلى معصيته فاهربوا)، ثم تلا الآية الكريمة: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) (النساء: 9).

والمؤمن الذي يوحد الله باسمه الواسع يعلم أن الصبر هو أوسع وما رزق عبد الصبر إلا وسع عليه أمره في الدنيا والآخرة، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر).

والمؤمن الذي يوحد الله باسمه الواسع يعلم أيضا أن حب الله هو أعظم الرزق وأكرمه وأفضله، ولذلك أنعم الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بأعظم السعة فوسع عليه حياته الدنيا والآخرة فشرح صدره بالإيمان وحب الرحمن، وفي الآيات الأربع الأوليات من سورة الشرح يقول عز وجل لنبيه: (ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك. ورفعنا لك ذكرك).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"