الوطن العربي كبير بمساحته فقير بمياهه العذبة

03:25 صباحا
قراءة 6 دقائق
أ .د . محمد سالمان طايع
يرى الكثير من المتخصصين في الشأن المائي أن أزمة المياه هي في جوهرها أزمة إدارة، وتتعدد أسباب تلك الأخيرة فتشمل: عدم كفاية المؤسسات المعنية بالمياه، وتفكك الهياكل المؤسسية وغياب التنسيق بين هياكل صنع القرار، وتعارض مصالح البلدان الواقعة عند أعالي الأنهار وتلك الواقعة على مجرى الأنهار فيما يتعلق بحقوقها ووصولها إلى تلك المياه .
وفي هذا السياق، تبرز خصوصية حالة العالم العربي، حيث تعاني أغلب دوله ندرة المياه، ويرجع ذلك إلى وقوع معظم بلدان العالم العربي في المنطقة الجافة وشبه الجافة من الكرة الأرضية . ومع اطراد النمو السكاني في العالم العربي، تتفاقم مشكلة الندرة المائية كنتيجة منطقية لتزايد الطلب على المياه لتلبية الاحتياجات الزراعية والصناعية والمنزلية .
على الرغم من أن الوطن العربي يضم عُشر مساحة اليابسة (10%)، فإنه يصنف على أنه من المناطق الفقيرة في مصادر المياه العذبة، إذ لا يحتوي إلا على أقل من 1% فقط من كل الجريان السطحي للمياه، ونحو 2% من إجمالي الأمطار في العالم .
وقد انعكس فقر الوطن العربي فيما يتعلق بمصادر المياه على التأمين المائي للفرد، الذي يجب ألا يقل عن ألف متر مكعب سنوياً، وفقاً للمعدل العالمي، فوصل متوسط حصة الإنسان العربي في جل البلاد العربية إلى ما يقارب خمسمئة متر مكعب في العام، وقد بلغت أعداد الدول العربية الواقعة تحت خط الفقر المائي (أقل من 1000م3 للفرد سنوياً) 19 دولة منها 14 دولة تعاني شحاً حقيقياً في المياه، إذ لا تكفي المياه سد الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، ولأن المنطقة العربية تقع جغرافياً ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة فإن 30% من أراضيها الصالحة للزراعة معرضة للتصحر بسبب نقص المياه .
يأتي هذا في وقت لا يستغل العالم العربي من موارده المائية البالغة نحو 340 مليار متر مكعب سوى 50% فقط، والبقية معرضة للهدر والضياع، من هنا تنبع أهمية الالتفات إلى قضية المياه، ووضع السياسات المتعلقة باستخدامها وترشيدها وزيادة كمياتها .
في هذا الصدد، قامت منظمة الأغذية العالمية (FAO) في عام 1995 بعمل دراسة مسحية للموارد المائية في عدد من الأقطار العربية، بهدف التعرف إلى تلك المصادر، ورصدها، ومتابعة إيراداتها المائية، وتقييم عمليات إدارتها، وصولاً إلى بحث أفضل الوسائل والسبل لتطويرها وتنميتها مستقبلاً، بما يتسق والمتغيرات التنموية التي تفرض زيادة الطلب المائي في المنطقة العربية، التي تصنف مائياً على المستوى العالمي بأنها من أكثر المناطق جفافاً .
وانتهت هذه الدراسات المسحية إلى نتيجة مفادها أن جميع الدول العربية تعاني، بدرجات متفاوتة في الشدة، محدودية في مواردها المائية الحالية .
وطبقاً للمؤشر الذي يفضي إلى أن أي بلد يقل فيه متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنوياً عن 1000-2000 متر مكعب يعتبر بلداً يعاني ندرة مائية، فإن ثلاثة عشر بلداً عربياً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية . وهذه الندرة في المياه تتفاقم باستمرار بسبب زيادة معدلات النمو السكاني العالية .

مستويات إجهاد المياه في بعض البلدان العربية (2006)

ويوضح تقرير البنك الدولي لسنة 1993 أن متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد في الوطن العربي (مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض) سيصل إلى 667 متراً مكعباً في سنة ،2025 بعدما كان 3430 متراً مكعباً في سنة ،1960 أي بانخفاض بنسبة 80% .
وقد ذهب بعض التقديرات الصادرة عن "منظمة الأغذية والزراعة" إلى أن نصف سكان العالم العربي يعانون ندرة مائية منذ منتصف تسعينات القرن المنصرم، وأن هذه الإحصاءات ليست في سبيلها إلى التحسن في المستقبل المنظور وحتى عام 2005 .

الإجهاد المائي في العالم العربي مقارنة ببعض المناطق (1990-2050)

يُقدر الحجم الإجمالي لموارد المياه المتوافرة في البلدان العربية بنحو 300 مليار م3 سنوياً، أما الحجم الإجمالي لموارد المياه السطحية المتوافرة في البلدان العربية فيقدر بنحو 277 مليار م3 في السنة، ينبع 43% منها في البلدان العربية، وتمثل موارد المياه الخارجية المشتركة مع بلدان مجاورة خارج المنطقة نحواً من 57% من إجمالي موارد المياه السطحية المتاحة في المنطقة .
ويُقدر مخزون المياه الجوفية العذبة في الأراضي العربية ب7734 مليار م،3 بينما لا تتعدى كمية المياه التي تعيد ملء هذه المكامن 42 مليار م3 سنوياً من مختلف المناطق، ولا تتجاوز الكمية المتاحة للاستعمال 35 مليار م3 في السنة . ويقع المخزون الأكبر والأكثر تجدداً في الدول العربية في منطقة شمال إفريقيا وشرقها (مصر، تونس، الجزائر، السودان، الصومال، ليبيا، المغرب) .
ومن المهم ملاحظة أن نصف الموارد المتجددة من المياه العذبة توجد في السودان والعراق .
وفي دراسة عن مستقبل المياه في المنطقة العربية، توقعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، ظهور عجز مائي في المنطقة يقدر بنحو 261 بليون م3 عام 2030 . فقد قدرت الدراسة كميات الأمطار التي هطلت في الدول العربية بنحو 2238 بليون م،3 يهطل منها 1488 بليون م،3 بمعدل 300 ملم على مناطق تشكل 20% من مساحة الوطن العربي، ونحو 406 بلايين م3 تهطل على مناطق أكثر جفافاً يتراوح معدل أمطارها بين 100 و300 ملم، بينما لا يتجاوز هذا المعدل 100 ملم في المناطق الأخرى . وأوضحت الدراسة التي ناقشها وزراء الزراعة والمياه العرب أن الوطن العربي يملك مخزوناً ضخماً من الموارد المائية غير المتجددة يعتبر احتياطياً استراتيجياً ويستثمر منه حالياً نحو 5% . وتقدر كمية المياه المعالجة والمحلاة بنحو 9 .10 بليون م3 سنوياً، منها 5 .4 بليون م3 مياه محلاة، و4 .6 بليون م3 مياه صرف صحي وزراعي وصناعي . أما بالنسبة للحاجات المائية المستقبلية فهي مرتبطة بمعدلات الزيادة السكانية في العالم العربي التي أصبحت بين الأعلى في العالم . فمن المتوقع أن تصل إلى 735 مليون نسمة عام 2030 مقابل 221 مليون نسمة عام 1991 . ولتضييق الفجوة القائمة بين الموارد المائية المتاحة والحاجات المستقبلية، اقترحت الدراسة محورين للحل: يتمثل الأول في تنمية مصادر مائية جديدة واستثمار مصادر مائية جوفية ممثلة في أحواض دول عدة . أما الحل الثاني فيتمثل في ترشيد استخدامات المياه وحمايتها .
واتساقاً مع البيانات والإحصاءات المذكورة أعلاه، ذهبت التقديرات المتعلقة بقياس "حالة ندرة المياه المتوقعة بحلول عام 2025م" إلى أنه فيما عدا الصومال وجيبوتي والمغرب وموريتانيا والسودان، فإن كل الدول العربية الأخرى لن تعاني في ذلك التاريخ أزمة مياه حسب المعيار الاقتصادي (أي توافر البنية المائية التحتية للمياه والصرف الصحي) . وذلك على الرغم من تأكيد تلك التقديرات على أن العام المذكور سيشهد حالة ندرة مائية في كل البلدان العربية حسب المعيار الكمي (يقل نصيب الفرد عن 1000 م3 السنة) .
وبشكلٍ عام، يمكن القول إن هناك شبه إجماع بين المتخصصين والمهتمين بالشأن المائي على أن نصف سكان العالم العربي يعانون ندرة مائية منذ منتصف تسعينات القرن المنصرم، وأن كل الدول العربية، إما أنها تعاني ضغطاً مائياً شديداً أو شديد الحدة . ولا توجد دولة عربية واحدة - حسب بيانات الخريطة لعام 1999 - خارج نطاق الضغط المائي، باستثناء الصومال وبعض أجزاء من السودان .
وفي دراسة عن مستقبل المياه في المنطقة العربية، توقعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، ظهور عجز مائي في المنطقة يقدر بنحو 261 بليون م3 عام ،2030 وأن هذه الإحصاءات ليست في سبيلها إلى التحسن في المستقبل المنظور، وحتى عام 2050 .
وفي هذا السياق، أكد تقرير التنمية الإنسانية للعام 2009 الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أن ندرة المياه كانت ولا تزال تمثل أحد تحديات الأمن الإنساني في البلدان العربية . بل صنفها التقرير ضمن التهديدات البيئية الأكثر خطورة وأهمية في المنطقة العربية . لذلك، يقترح التقرير إمكانية معالجة التحديات الخاصة بندرة المياه من خلال تبني سياسات الإدارة المتكاملة للموارد المائية عبر آليات إدارة العرض والطلب على المياه .
في هذا السياق، تصبح الإدارة الفعالة للموارد المائية العربية هي المخرج من أزمة المياه في العالم العربي، وتقوم إدارة المياه على عدد من المبادئ والأسس الحاكمة لتأمين العدالة والمساواة، أبرزها:
* الماء أولاً وقبل كل شيء منفعة اجتماعية، فهو هبة من الله وعنصر ضروري لاستمرار الحياة .
* المياه ملك للمجتمع بأسره، وليست ملكاً لأي فرد بالمعنى الحرفي للكلمة .
* أولى الأولويات في استعمال المياه هي الحصول على مياه الشرب بكمية ونوعية مقبولتين للحفاظ على حياة البشر، ولكل كائن حي الحق في الحصول على هذه الحاجة الأساسية .
* الأولوية الثانية لاستعمال المياه هي في توفيرها للحيوانات الأليفة، والأولوية الثالثة هي توفيرها لأغراض الري .
* ينبغي إدارة واستعمال الموارد المائية بما يكفل استدامتها .
* على المجتمعات العربية أن تبادر في الحصول على حصص عادلة من الموارد المائية .

* أستاذ العلوم السياسية المساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية (جامعة القاهرة)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"