تحقيق مصالح الناس.. هدف تعاليم الإسلام

هذه شريعتنا
01:43 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحمل شريعة الإسلام خصائص ومميزات تجعلها صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان.. كما تحمل من العدالة والإنصاف ما يجعل غير المسلمين يطالبون بتطبيق أحكامها والاحتماء بمواقفها وتشريعاتها لتحقيق مصالحهم ورعاية حقوقهم والعيش في أمان واستقرار وطمأنينة في عالم يموج بكل صنوف الظلم وتضيع فيه حقوق الضعفاء حتى في أكثر الدول تقدما وتحضرا.

ورحلتنا مع هذا الباب هذه شريعتنا تبدأ بالتعريف بالشريعة الإسلامية وتوضيح مصادرها والكشف عن خصائصها وبيان مقاصدها والوقوف على مدى رعايتها لمصلحة الإنسان.. والذي هو هدف كل تشريعات الإسلام.

في البداية يوضح لنا الدكتور صبري عبدالرؤوف أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر معنى الشريعة فيقول: بأسلوب بسيط يمكن القول بأن الشريعة الإسلامية هي كل ما شرعه الله عز وجل لعباده من أحكام تتعلق بأمور عباداتهم ومعاملاتهم وتنظم كل شؤون حياتهم، فالله سبحانه وتعالى يقول لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ويقول: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون.

وتعتمد شريعة الإسلام في كل ما يصدر عنها من أحكام ومواقف على مصادر موثوق فيها، فالقرآن الكريم دستور المسلمين الخالد هو المصدر الأول للتشريع وقد جاء كتاب الله المحكم شاملا لأحكام تشريعية في مجالات عديدة منها ما يتعلق بأمور العبادات ومنها ما يتعلق بشؤون الأسرة، ومنها ما يتعلق بالمعاملات المدنية والتجارية، ومنها ما يتعلق بالجرائم والعقوبات من الحدود والقصاص، ومنها ما يتعلق بالأمور السياسية والعلاقات الدولية، والآيات التي تتناول كل ذلك تعرف عند الفقهاء والدارسين للشريعة باسم آيات الأحكام. والمصدر الثاني لشريعة الإسلام هو السنة وهي تشمل كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.. وإذا كان القرآن هو المصدر الأول للشريعة، فالسنة هي المصدر الثاني لها، وهي البيان النظري والتطبيق العملي للقرآن.. وإذا كان القرآن الكريم هو الدستور الذي يتضمن الأصول والقواعد الإلهية الأساسية التي لابد منها لتوجيه الحياة الإسلامية، وهداية البشر إلى ما هو أقوم.. فإن السنة النبوية هي المنهاج النبوي الذي يفصّل ما أجمله هذا الدستور، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى لرسوله الكريم: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون.. فالسنة هي الشارحة والمبينة والموضحة لأحكام القرآن، ولولا السنة ما عرفنا الكثير من أحكام الإسلام من عبادات أو معاملات.

مذكرة تفسيرية

وهنا يفند الدكتور صبري عبدالرؤوف مزاعم هؤلاء الذين يطالبون بالاعتماد على القرآن الكريم وحده للوقوف على تشريعات الإسلام ويقول: لا يمكن الاعتماد على آيات القرآن الكريم وحده في معرفة الأحكام الشرعية، فالسنة النبوية هي الموضحة والشارحة والمذكرة التفسيرية للقرآن، ولولا السنة ما عرفنا الكثير من أمور العبادات والمعاملات.. فقد أمر الله عز وجل في القرآن بالصلاة ولكن لم يبين عددها ولا مواقيتها ولا كيفيتها ولا أنواعها، والسنة النبوية هي التي أوضحت لنا كل ذلك.. وأمر القرآن بالزكاة، ولكن لم يبين كل أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة، ولا النصاب اللازم لوجوب الزكاة، ولا مقدار الواجب، ولا زمن الوجوب.. ولكن السنة هي التي حددت لنا كل ذلك.. وكذلك الحال في الصوم والحج والعمرة.

ويوضح الدكتور صبري عبدالرؤوف أن مزاعم هؤلاء الذين يطالبون بالاعتماد على القرآن وحده مرفوضة من القرآن نفسه، فقد أمر الله في كتابه العزيز بطاعة الله وطاعة رسوله فقال: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وقال عز وجل: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.. بل نفى القرآن الإيمان عمن لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقسم على ذلك حيث يقول الحق سبحانه: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما.

ويشير أستاذ الشريعة الإسلامية بالجامعة الأزهرية إلى أن لشريعة الإسلام مصادر أخرى مثل الإجماع والقياس والاستصلاح والاستحسان والعرف والاستصحاب.. وبعض هذه المصادر أو أهمها مستمد من القرآن والسنة.

وهناك فرق واضح بين الشريعة والفقه حيث يخلط كثير من الناس بينهما.. فإذا كانت الشريعة جملة الأحكام الثابتة بالأدلة الموثقة من الكتاب والسنة.. فإن الفقه هو: العلم المتعلق باستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.. ومن هنا يبرز الفارق الكبير بين الشريعة وهي شرع الله وأحكامه وهذه لها القدسية وبين الفقه والذي هو جهد بشري لتوضيح الأحكام واستنباطها وفق أدوات الاجتهاد في كل عصر.

مقاصد الشريعة

الدكتور محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر والأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية المصري يعرفنا بمقاصد شريعتنا الإسلامية وأهدافها فيقول: الشريعة الإسلامية لم تأت بأحكام جامدة وتتركها للناس يطبقونها بعيدا عن مصالحهم الحقيقية، بل جاءت كل أحكام شريعة الإسلام تستهدف مصلحة الإنسان وحمايته من كل ما يضر بعقله وجسده ومصالحه الدنيوية قبل الدينية.. فالله سبحانه وتعالى قد بعث رسوله الخاتم رحمة للناس جميعا فقال في كتابه العزيز: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين كما أودع الحق سبحانه وتعالى في المصدر الأول لهذه الشريعة وهو القرآن الكريم الشفاء والهدى والرحمة لكل من آمن به واتبعه فقال سبحانه: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين.

ويضيف: من يقرأ كل أحكام الشريعة الإسلامية حتى تلك التي تتعلق بالعقوبات والحدود يتبين له أنها تستهدف أولا وأخيرا مصلحة الإنسان، فالعبادات التي هي حقوق الخالق عز وجل على عباده روعيت فيها مصلحة من يؤدونها، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والزكاة تطهر الأموال وتزكيها، والصوم يحقق التقوى ويهذب النفوس، والحج به منافع كثيرة ومتنوعة.

وبعد تحقيق المصالح يأتي الجانب الآخر من مقاصد وأهداف التشريعات الإسلامية والذي يتمثل في درء المفاسد.

يقول الدكتور الجندي: الشريعة التي تستهدف جلب كل ما يحقق مصلحة للإنسان من الطبيعي أن تجنبه كل المفاسد ولذلك ترفع شريعة الإسلام شعار لا ضرر ولا ضرار بمعنى ألا يضر الإنسان نفسه ولا يجلب الضرر لغيره.

منهج وسطي

لكن: ما الموقف لو كان في الأمر مصلحة لإنسان وضرر لآخرين؟ أو ما الحكم لو تعارضت المصالح والمفاسد؟

يقول الدكتور الجندي: موقف الشريعة الإسلامية هنا مثالي وموضوعي حيث تلجأ الشريعة إلى التوفيق من خلال منهج وسطي يوازن بموضوعية بين المصالح والمفاسد، فلو كانت المصالح تغلب على المفاسد غلبت المصالح.. والمصالح في حد ذاتها تتفاوت في درجاتها فالتحسينات ليست في رتبة الحاجيات.. والاثنتان لا يمكن أن تتقدما الضروريات.. إذ الضروريات أهم المصالح وأولاها بالرعاية، فإذا تعارض أمر تحسيني مع أمر حاجي قدم الحاجي، فإذا تعارض أحدهما أو كلاهما مع أمر ضروري قدم الضروري.

وفي النهاية يذكرنا الدكتور محمد الشحات الجندي بخصائص وسمات شريعتنا الإسلامية فيقول: تحمل شريعة الإسلام كل عوامل تميزها وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان.. فهي من صنع الخالق عز وجل الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه وما يفسده وأحكام هذه الشريعة بالتالي أحكام أخلاقية تستهدف مصلحة الإنسان، وهي أيضا أحكام واقعية تعالج كل مشكلات الإنسان والمجتمع.. وإلى جانب كل ذلك تتبنى منهج التيسير والتخفيف عن الناس، وتتدرج في تطبيق الأحكام وتحمل من عوامل السعة والمرونة ما يجعلها تتقدم كل التشريعات السماوية السابقة وتتفوق على كل النظم والتشريعات والقوانين الوضعية.

كل هذه السمات والخصائص تفرض على المسلمين وغير المسلمين أن يتعاملوا باحترام مع شريعة الإسلام وأن يتوقف السفهاء عن التشكيك في عدالة أحكامها ويصمت المغرضون الذين يتهمونها بعدم الصلاحية الآن.. فشريعة الإسلام هي شريعة كل العصور وهي وحدها القادرة على تحقيق مجتمع العدل والرخاء والأمان والاستقرار.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"