تعاليم الإسلام هدية الله إلى البشر

كتاب «عروبة الإسلام وعالميته» لشبلي العيسمي
03:00 صباحا
قراءة 5 دقائق
كتب: يوسف أبو لوز

يخصص الكاتب والمفكر السياسي السوري شبلي العيسمي القسم الثاني من كتابه «عروبة الإسلام وعالميته» إلى الآفاق الإنسانية والعالمية للإسلام، ويقول «مع أن الإسلام ولد في رحم العروبة ونشأ في حضنها وكنفها وعبر عن تطلعاتها وهمومها، وكان لها ثورة وثروة، فإنه لم يستهدف العرب وحدهم، ولم تقتصر دعوته عليهم، وإنما استهدف كل الشعوب والأمم، وتوجه بتعاليمه إلى البشر كافة، نابذاً كل تمييز عنصري، ولكننا نجد بعض المؤرخين وبخاصة الأجانب منهم، يشككون بعالمية الإسلام ويعتبرون الدعوة في الأصل موجهة إلى العرب، وأن التوجه نحو العالمية أمر طارئ ومستجد، أي أن الظروف اللاحقة هي التي فرضت على العرب أن يتوسعوا وينشروا الإسلام».
ويقول أيضاً: «لا شك في أن الإسلام قد أكد على مبادئ إنسانية خالدة وصالحة لكل زمان ومكان، كمبادئ الحق والعدل والمساواة والمحبة والرحمة والأخلاق الكريمة والإيمان بوحدانية الله خالق الكون العظيم، ولكن القرآن الكريم لم يكن كتاباً علمياً يبحث في علوم الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات وما إليها، بل كتاب يهدي الإنسان إلى هذه المبادئ».
ولد الإسلام في الجزيرة العربية في قلب قبيلة عربية هي قريش، وهو حقاً ثورة وثروة.. ثورة لأنه نقل عرب الجزيرة وجوارها وأبعد منها من الجهل إلى الوعي، ومن الأمية إلى المعرفة، ومن الظلام إلى النور، وثروة لأنه جاء بمبادئ تشريعية وأخلاقية وسلوكية وقانونية كانت أساساً علمياً لفكرة الدولة المدنية المحكومة بدستور ومواثيق وإن كان دستور تلك الدولة قائماً أولاً وأخيراً على القرآن الكريم.

شمس ساطعة

شمس الإسلام سطعت في بيئة عربية، لكن المدى الكوني والإنساني لهذا النور لم يكن محدداً في جغرافية بعينها أو موجهاً إلى شعب بعينه، بل هو دين الإنسانية، دين الشعوب والقبائل التي تلتقي على قيمة كبرى ساطعة وواضحة تماماً في النص القرآني قبل مئات السنوات، وقبل أن تتحول إلى ما يشبه المصطلح المتداول اليوم بكثرة في الأدبيات السياسية وهو «التعارف» أي «التعايش».
مجتمع التعارف أو التعايش الذي دعا إليه الإسلام العرب والإنسانية هو ما نفهمه من هذا النص القرآني الصريح «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير».
إذاً، دائرة الإسلام دائرة كونية عالمية، دائرة دينية توحيدية تشمل ابن الشمال وابن الجنوب. إنسان الشرق وإنسان الغرب. دائرة إسلامية ينسب إليها الأسود والأبيض، الغني والفقير، ابن الأصل، وابن الفرع. على مبدأ التوحيد والوسطية الفكرية والثقافية التي ينادي بها الإسلام دائماً.. والوسطية هي التي تصنع ذلك التعادل الاجتماعي والثقافي بين شعوب الشمال، وشعوب الجنوب، بين شعوب الشرق وشعوب الغرب، ومقولة«الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان» إنما تنطوي على نوع من التمييز، أو الفصل الذي رفضه الإسلام.
توجُّه الإسلام إلى الإنسان في دائرة كونيته وبشريته هو المبدأ الأول الذي ينص على نبذ التمييز العنصري، وقبل أن يولد هذا المبدأ في أروقة ومداولات سياسيي ومنظري الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغير ذلك من كيانات ذات صلة بالقوانين الإنسانية الدولية، نقول: قبل أن يظهر مبدأ أو مصطلح نبذ التمييز والفصل العنصري فإنه موجود في الإسلام «لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى»، ولم يكن رفض التمييز العنصري مجرد نص في الكتاب أو في السنة أو في كتب الفقه والتشريع، بل كان وما يزال أحد مكونات القانون الذي تصدر عنه أحكام وعقوبات شديدة، وفي الإمارات يعاقب كل من يصدر عنه سلوك عنصري أو تصدر عنه كراهية للآخر وتحقير له بأحكام صارمة.

أسبقية فكرية

العرب سبقوا الغرب في مبادئ وأخلاقيات العدالة، والفكر الإسلامي والفلسفة الإسلامية سبقا مبادئ «مارتن لوثر كينج»، والخليفة الإسلامي عمر بن الخطاب صاحب عبارة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً» سبق المادة 1من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص بالحرف على «ولادة جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء».
أليست هذه العبارة استنساخاً عن روح عبارة عمر بن الخطاب أحد أعمدة الدولة الإسلامية، وأحد مشرعيها الأقوياء على قاعدة العدل، والقوة أيضاً، ولذلك وبهذه القوة الدينية العادلة توجه الإسلام إلى فارس وإلى أوروبا لنشر دينه الحنيف بالتسامح والإقناع والسلام، لا بالسيف والدم والغزو كما يروج مؤرخون أجانب هم في الأصل كارهون للإسلام ويصدرون في أحكامهم وقراءاتهم عن منطلقات سياسية تتغذى عادة على سلطتين: سلطة الكنيسة، والسلطة السياسية، ومن صف المؤرخين المتشددين الذين شككوا في عالمية الإسلام «دانيال بايبس» مواليد 1949متخصص في نقد الإسلام، ومن الطريف أن والده «ادجار ريتشرز بايبس» ينحدر من أصول بولندية يهودية لكنه يحمل الجنسية الأمريكية وهو مفكر يميني يشكك عادة بالإسلام.
من المؤرخين المشككين في عالمية الإسلام أيضاً «برنار لويس» الذي يقول بلا مواربة إن الإسلام هو أزمة العصر، ويصفه الكاتب والباحث المصري إميل أمين بصاحب الوجهين «يشبه الإله الروماني جانوس، وجه إنسان ووجه إله، فهو أي برنار لويس يقدم ذاته تارة على أنه الباحث الأكاديمي وأخرى بوصفه السياسي والمنظر الثيولوجي».
قائمة المفكرين والمنظرين والمؤرخين الذين يتخذون موقفاً عدائياً من الإسلام طويلة، ولكن يجب أن نشير أيضاً إلى أن هناك قائمة عربية تضم صفاً موازياً للأجانب هم الآخرون عندهم موقف عدائي من التراث الإسلامي.
عالمية الإسلام بل إنسانيته وثقافته وأخلاقياته يتجاهلها «القس فرانكلين جراهام» والمستشرق الآخر بات روبرتسون وله هذه العبارة المتداولة حيث يقول «إن هدف الإسلام هو التحكم والسيطرة ثم التدمير» وإلى جانبه أيضاً «جيمي سوجارت». نقول إن هذا الصف من المتشددين لا ينظرون إلى الوجه الحقيقي للإسلام الذي يعلي من شأن العدل ويجعل منه سلوكاً ضميرياً بالدرجة الأولى، وينادي بالمساواة «الناس سواسية كأسنان المشط» والإسلام دين المحبة واللين والرفق واحترام الجار والبر بالوالدين وبالجار وبالصديق. الإسلام أيضاً دين الرحمة.. أدبياته تشير إلى ذلك.
هذه مبادئ وأخلاقيات موجودة في القرآن، ومثلما هناك مشككون ومرجفون وصيادون في الماء العكر تجاه الإسلام وثقافته هناك أيضاً بالمقابل من عرف روح الدين الإسلامي وروح محمد وروح القرآن: غاندي، المستشرق زويمر، المستشرق برتلي سانت هيلر، برنارد شو، المؤرخ مايكل هارت، وغيرهم المئات إن لم يكن الآلاف.
ديننا الحنيف له فلك سماوي أرضي. دين العرب والمسلمين ودين العالم أيضاً.

شبلي العيسمي

ولد شبلي العيسمي وهو باحث وسياسي وكاتب سوري في محافظة السويداء في العام 1925وتسلم في ستينات القرن العشرين وزارات سورية عدة، وزارة الإصلاح الزراعي، التربية والتعليم، الثقافة والإرشاد القومي.
صدر له أكثر من 15كتاباً منها: حول الوحدة العربية، في الثورة العربية، رسالة الأمة العربية، حول الوحدة والتضامن والتسوية، بعض القضايا العربية، غير أن كتابه «عروبة الإسلام وعالميته» لقي قراءة واسعة.
العيسمي إلى جانب اهتمامه بالفكر السياسي ألقى عدداً من المحاضرات غير البعيدة عن اهتمامه وتخصصه الثقافي والسياسي، فقد انشغل بدور الأحزاب العقيدية وأثرها في تطور الأمة.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"