"تل أبرق" تاريخ ينبض بالحياة

يعود إلى حضارة أم النار
12:21 مساء
قراءة 5 دقائق

يقع تل الأبرق بالقرب من الطريق الرئيسي المؤدي إلى إمارة رأس الخيمة، بين الشارقة وأم القيوين، ويعتبر من أقدم المواقع الأثرية في الدولة، حيث يعود تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد، معاصراً حضارة أم النار في أبوظبي .

الموقع اكتشف من قبل بعثة آثار عراقية في عام 1973م، بالتعاون مع دائرة الآثار السياحية في العين، وأعيد التنقيب فيه بشكل أوسع من قبل البعثة الأسترالية، برئاسة الدكتور دان بوتس .

استمرت التنقيبات فيه لمدة 3 مواسم، حيث تم الكشف عن بناء دائري لقلعة كبيرة على شكل مدرجات مبنية من الأحجار البحرية، ومجموعة من البرونزيات، والفخاريات، واللقى الأثرية المهمة . كما تم الكشف عن أعشاش الصيادين، أول موقع أثري لسكان السواحل .

الموقع بحسب الشيخ خالد بن حميد المعلا، المدير العام لدائرة الآثار بأم القيوين، يكتسب أهمية تاريخية، وعمرانية، واقتصادية كبيرة لدى المحللين والمهتمين بالآثار في الدولة، لأن به الكثير من العلامات الدالة على وجود حياة كاملة في تلك المنطقة منذ عقود، ومنها القلعة الكبيرة الدالة على تطور العمارة الإماراتية التي تعود إلى آلاف السنين، كما تشهد على ذلك الرسوبيات المكتشفة في عام ،1989 الغنية بالبقايا الحيوانية وعظام الأسماك والطيور، إضافة إلى كميات كبيرة من الأصداف المكتشفة في الطرف الشمالي من الموقع، وتم العثور أيضاً على لقى حجرية كانت مستخدمة لفتح الأصداف البيضاوية الشكل، التي تنتمي أنواعها إلى المروج الصدفية المنتشرة على ساحل الشارقة .

ويضيف: هناك دليل على وجود حياة زراعية في تل الأبرق، حيث اكتشف العلماء بقايا نخيل محروقة على الطبقات الأولى من مستوطنات العصر الحديدي، وهو ما يمكننا من القول إن شجر النخيل كان يؤدي دوراً مهماً في اقتصاد المنطقة، كما أن وجود مطاحن حجرية يدل على وفرة الحبوب واستخدامها آنذاك . وكانت أغلبية الفخاريات محلية الصنع، وعلى الأغلب كان مصدر الطين وادي حقيل الذي يقع شمالي رأس الخيمة، كما دل وجود الأوزان الرخامية على امتهان الأجداد لحرفة الغزل والنسيج .

وأظهرت دراسات تحليل العظام التي اكتشفت في أحد القبور أن عظام السكان كانت كبيرة جداً، وأن بعضهم عانوا بعض الأمراض، وهو ما أوضحته الدراسة التي أجريت على هيكل عظمي لفتاة تبلغ من العمر 18 عاماً، والتي أظهرت أنها كانت تعاني مرض شلل الأطفال، كما اكتشفت حالات عدة من مرض التهاب المفاصل .

وتوضح علياء محمد الغفلي، مديرة متحف أم القيوين، أن موقع تل أبرق كان من المدن المهمة التي امتد تاريخها إلى ألفي عام مروراً بعصر أم النار حتى العصور الحديثة .

وتضيف: يوجد دليل على أن سكان تل أبرق مارسوا الزراعة، خاصة في فترة العصر البرونزي، وهو ما تشير إليه وسائل طحن الحبوب، كما أن هناك شواهد على صناعة النحاس، دلت عليه آلات مصنوعة من النحاس المحلي والقصدير، الموجودة في الجبال المجاورة، وصنعوا منها الأدوات التي كانوا يستخدمونها في حياتهم اليومية .

وتشير الغفلي إلى أن بيوت التل كانت مقامة من سعف النخيل، ويستدل على بيوت تلك البيوت اليوم بوجود عدد كبير من ثقوب الأعمدة في جميع المناطق المكتشفة . كما يحتوى الموقع في داخله على بئر، كانت توفر ملجأ ومصدراً للمياه .

ومن الأشياء التي أسهمت في التعرف إلى علاقات أهل منطقة تل أبرق بالعالم الخارجي، عدد كبير من الصناعات والفخاريات التي تعود إلى البحرين، وجنوب غربي إيران، ووادي السند، وبلوشستان، وأفغانستان، إضافة إلى مواد أثرية أخرى مثل الأختام الأسطوانية الفضية من إيران، والقصدير من أفغانستان، وتظهر هذه المصنوعات أن أهالي المنطقة كانوا على اتصال مع مناطق أوسع في العصر البرونزي في غرب ووسط وجنوب آسيا . وتضيف مديرة متحف أم القيوين: ضمت مكتشفات تل أبرق مجموعة من بقايا حيوانية، تعد الأكبر في أي موقع اثري في شبه الجزيرة العربية، وتشير إلى ممارسة تربية حيوانات الأغنام، والماعز، والماشية، كما تم اصطياد حيوانات برية محلية مثل الغزلان، والظباء العربية . ومن بين البقايا العظمية هيكل كامل لحمار عمره 4 آلاف سنة، إضافة إلى الكثير من عظام الهجن .

من الاكتشافات المهمة في المنطقة الأختام المتعددة الأشكال، ومنها ختم محفور عليه يدان وقدمان، ويبدو على شكل مخلب ثلاثي الأطراف، وتظهر عليه لقى طرف متعرج، وأخرى تأخذ شكل خنجر أو سيف، يظهر في وسطه رأس بيضوي يربط بين الرقبة وبقية الجسم .

وترجع تلك اللقى إلى الممارسات البابلية، وكانت تستخدم للوقاية من الأمراض، وتظهر بوضوح على أحد أوجه قلادات صغيرة، بهدف حماية المحارب، وكانت تلك الممارسات شائعة في بدايات الفترتين الآشورية، والبابلية، ومعاصرة لتل الأبرق، وربما قد تكون متزامنة لها، كما تظهر على الوجه الآخر قدمان قطراهما متعارضان، ويبدو أن ذلك كان متعارفاً عليه ومحبباً في المنطقة بكاملها، حيث ظهر كذلك في أختام دلمون بالبحرين، كما ظهر على ختم دائري مسطح الشكل قرص في منطقة طيب يحيى .

وتم اكتشاف هذا الختم مخفياً بعض الشيء بين شجرتين، كما عثر على قلادة نادرة بأشكال غير منتظمة خارج برج أم النار قياساتها 2،1 #215; 2،1 #215; 0،4 سم . وهي مثقوبة من الأعلى، والوجه الآخر للقلادة مزخرف بخطوط بسيطة متقاطعة .

كما شهد موقع الشمال وجود قلادة من الحجر الناعم متقاربة الشكل نسبياً مع القلادة السابقة، وتم اكتشاف قلادة منتظمة ومستطيلة الشكل، ومحفورة من الأعلى بمقياس (0،6 #215; 1،8 * 2،5 سم) وعثر عليها في جدار بشمالي وادي سوق، وهي مزخرفة من الجانبين بخطوط متوازية، يلاحظ أن أحد جانبيها أكثر زخرفة من الآخر .

كما عثر على قلادة حجرية بوساطة العالم كي . فريفيلت بالرميلة عام ،1968 وهي أيضاً مزخرفة من جانب واحد بخطوط منقوشة . كما عثر في منطقة فيلكا على لقى حجرية غير مثقوبة تشبه القلادة السابقة .

كما شهد موسم 1990 اكتشاف قلادة أخرى وهي بيضوية مقاسها (0،6 #215; 2،3 * 2،6 سم)، وتظهر عليها خطوط عميقة على أحد جانبيها، بينما تظهر خطوط باهتة على الجانب الآخر، وتعددت التفسيرات حول هذه القلادة، لأنه حفر عليها زورق ذو شراع مفتوح، ما يؤكد أنها تعد الأولى من نوعها، التي تمثل بعض منتجات العصر الحديدي الواردة من خليج عمان، كما تم كذلك التعرف إلى قلادة بيضوية أحادية الوجه من مدفن ثانوي في وادي صمد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"