جولييت بينوش: كل فيلم يكشف شيئاً في شخصيتي

اللحظات الاستثنائية في الأدوار تجذبها
13:53 مساء
قراءة 7 دقائق

وصفت بأنها الممثلة الأغلى ثمناً في تاريخ فرنسا، ففي العام 1996 شهدت مسيرتها الفنية حدثاً مميزاً، فقد فازت بجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة ثانوية عن دورها كممرضة كندية تدعى هانا وتعتني بإنسان غريب أثناء الحرب العالمية الثانية في الفيلم الشهير المريض الإنجليزي .

إنها الممثلة الفرنسية المشهورة عالمياً جولييت بينوش التي حصلت وهي في الرابعة والعشرين على فرصتها الأولى للمشاركة في فيلم كبير عنوانه خفة الوجود التي لا تطاق وذلك في 1998 وأخرجه فيليب كوفمان .

في هذا العمل، أظهرت بينوش أداءً رائعاً نالت لأجله مديح النقاد وانهالت عليها جراء ذلك العروض للعب الأدوار الرئيسة في مجموعة من الأفلام بما في ذلك ثلاثية المخرج كريستوف كييسلوفسكي الشهير الأزرق: ثلاثة ألوان ونالت عن دورها فيها جائزة السعفة الذهبية كأفضل ممثلة .

كما حصلت على جائزة الجولدن جلوب في العام 2001 كأفضل ممثلة كوميدية عن فيلم: شوكولا .

اليوم وبعد فترة من الغياب الفني تعود بينوش بفيلمين جديدين: الأول بعنوان هُنَّ والثاني بعنوان حياة ثانية فضلاً عن مسرحية بعنوان الآنسة جولي . ولذا يقال في الأوساط الفنية الفرنسية إن 2012 هي سنة جولييت . بين هذين العملين، تبقى الممثلة جولييت بينوش المعروفة بأدوارها الجريئة تبحث عن المجازفة والهوى في أعمالها ولذا استغلت مجلة بروميير الفنية هذه الرعونة الفنية لتكسب هذا الحوار الذي تتحدث فيه بينوش عن العلاقة العاطفية التي تربطها بالسينما .

في بداية فيلم حياة ثانية ثمة ذلك المشهد الذي تستيقظين فيه ذات صباح وتكتشفين أنك نسيت 15 سنة مرت من حياتك . عندما استعرضت هذا المشهد قلت في نفسي كيف كان يمكن لجولييت بينوش الحقيقية أن تتصرف في هكذا حدث؟

- ياإلهي بالطريقة ذاتها؟ لا أجزم بذلك، والحقيقة أن المسألة صعبة عندما نكابد مثل هذه الحالة لكن لا شك أنني كنت سأصاب بالهلع .

نطرح السؤال بطريقة أخرى، كيف يمكنك تقييم الخمس عشرة سنة التي مرت من حياتك منذ فيلم جندي فوق سطح المنزل؟

- ثمة أشياء عدة منها ابنتي (هانا) والرقص مع أكرم خان، وصداقات جديدة، ومدربتي سوزان، وكتابي عن الشعر والحبر، وأفلام عدة، وحب، وذهابي إلى القارة القطبية الجنوبية، وتعلمي لرياضة الكي غونغ أو (تشي غونغ) وهي ممارسة المواءمة في التنفس والحركة والتأمل، وأعتقد أنني اكتشفت شيئاً جديداً في شخصيتي، لكن أعتقد أيضاً أن ثمة هوة شاسعة بين الشخصيات التي أجسدها وبيني، فهذه الشخصيات هي في داخلي بمعنى أن المشاهد يرى فقط صورة هذه الشخصية على الشاشة لكن بين ما نعيش حقاً وبين ما يشاهده الجمهور على الشاشة أو في الحياة، فثمة فضاء كبير جداً .

هل هذا يعني بالنسبة لك أن السينما والحياة هما شيئان مختلفان جذرياً؟

- السينما والحياة هما انعكاسات فالسينما في رأيي تولد الحياة . وكي أكون صادقة معك أقول؟ بين ما أعيشه على خشبة المسرح أو موقع التصوير والفيلم الذي استعرضه فيما بعد ثمة فارق كبير لأنني في غالب الأحيان أصاب بخيبة أمل عندما أشاهد نفسي وأنا أمثل، لأن ما قدمته أثناء التصوير أو ما أديته بعمق لا أجده بالفعل في الفيلم، ولذا أعتقد أن الأحاسيس القوية التي نعايشها في بعض اللحظات تبقى مطبوعة في الذاكرة كبصمة لا تمحى، ومن هنا أرى أن النتيجة تكون دائماً دون المستوى الذي تحققه لك التجربة التي عشتها حقاً .

تقولين دائماً هذا، أليس ذلك غريباً حقاً؟

- حسناً، بعض الأفلام نال إعجابي في لحظتها ولم أتمكن بالفعل من الحكم عليها كما يجب مثل (موعد)، (الأزرق: ثلاثة ألوان)، (عشاق بون - نوف)، صورة طبق الأصل)، أو (رحلة الكرة الحمراء) . ولكن أعتقد أن النظرة التي يحملها كل منا عن نفسه ليست موضوعية أو منطقية وهذا أمر طبيعي .

ألا تعتقدين بأن وصفك للأفلام التي مثلت بها، بأنها لم تكن أبداً (حسب رأيك) في المستوى المطلوب، هو أمر مخيب للآمال ويشعرنا بالإحباط؟

- ألا تعتقد أن هذه المهنة هي مهنة تخييب الآمال وإضعاف المعنويات؟ ومع ذلك، فلو قبلنا بهذه الإحباطات، فأعلم أن عالماً كاملاً ينفتح أمامك وتشعر بأنك أقل بؤساً مما تعتقد .

ولكن ما الذي يحمسك إذن أو يحركك ويستنهض مشاعرك؟

- ما يحمسني هي الرغبة في عيش لحظات استثنائية من العاطفة الجياشة وما يحركني هي النزوات التي توصلك إلى لحظات من الانتشاء وتحقيق الذات والتحليق مع الخيال .

وما أحبه هي اللحظة التي اختفى بها من نفسي تاركة المجال لظهور شخصية أخرى، فمثلاً نعمل قبل التصوير على التحضير الجيد لما سنقدم ونتمرن وبين هذا كله، نقابل أشخاصاً ونترك لأنفسنا الاستغراق في الخيال لنعيش الشخصية التي نرغب في تجسيدها بطريقة كامنة ثم تأتي لحظة الغطس التي اعتبرها لحظة الشعور بالدوار بمعنى أنه في لحظة البدء في التصوير أكون كمن يقف عند ساحل البحر وعندما أغطس وأندمج في الدور، لم يعد بمقدوري التحكم في ارادتي، بل أدخل في حالة يمكن أن تسميها بنسيان الذات لأنني أنسى الكاميرا والنص وكل ما يحدث بعد ذلك، إنما يحدث في مستوى آخر من الوجود .

ألا تخشين من أن تستغرقي في الدور إلى حد الخطر؟

- ما أريده من الدور الذي ألعبه هو أن يقلب كياني، فهل سمعت عن أحد غطس من دون أن يصيبه البلل؟ إن الخطر في حد ذاته لا يشعرني بالخوف لأنني أنا الذي اخترته ولكن ما اعتبره خطراً حقيقياً هو أن أبقى على الشاطئ من دون أن أغوص .

هل هذا النوع من المشاركة أو الاندماج في الدور يقودك إلى التحكم في جزء من سير الفيلم الذي تمثلينه وهو كما حدث مع سيلفي تستوود عندما طلبت منها إعادة كتابة بعض المقاطع في فيلم حياة ثانية قبل قبول الدور؟

- الحث على إعادة الكتابة لا يعني التحكم بالدور، بل هو نوع من التعاون والتفاهم، فنحن ننتظر الكثير من الممثل ولذا عليه بالتالي أن يقدم جزءاً من روحه ليخرج العمل على أكمل وجه .

وأعتقد أن هذا الأمر ينطبق على المخرج أيضاً . وأرى أيضاً أن التكبر لا محل له في عملنا فإما أن يأخذ المخرج عن طيبة قلب ما يعرض عليه أو يتركه لأن المسألة ليست شخصية .

ولو تجنب المخرج هذا النوع من التعاون، فهذا يدل على رؤية محدودة ولحسن الحظ لم يحدث ذلك مع سيلفي تستوود، بل استماتت في العمل .

هل كل المخرجين لديهم هذه المرونة في التعاون؟

- التكيف مع الآخرين من دون المساس بأي شيء يعكر صفو العلاقة هو فن بحد ذاته، فقبل فترة دعوت على العشاء المخرجين ميكائيل هانيك وبرينو ديمون وتحاورنا حول هذا المفهوم، فقال ميكائيل إنه مستعد للوصول إلى آخر المطاف ليبلغ الهدف المراد من الفيلم وذلك بالتعاون مع فريق العمل برمته، أما برينو فقال بأنه لا وقت لديه لهذا الأمر وإنما يعمل بما يمتلك من مقومات لبلوغ الهدف تاركاً الأمور للظروف . . ولذا نرى أن لكل وجهة نظره في هذا الأمر .

ولكن ما هي وجهة النظر التي تناسبك؟

- ميولي في هذا المجال تدفعني إلى الحرية ولكن ميكائيل هانيك فاجأني في فيلم كود مجهول الذي أخرجه في العام ،2000 إذ كان يعلم مكنونات نفسي بطريقة مدهشة قلما يمتلكها مخرجون آخرون . ويمكنني القول إن ميكائيل كان يعمل معي كمن وضعني تحت جهاز سكانار ليزري، إنه أمر رائع من مخرج كهذا لأنني كنت أشعر وأنا أعمل معه بالراحة لأنه يفهمني جيداً ويرى كل ما أراه وأريد عمله .

لاحظت من خلال سيرتك الفنية أن جزءاً منها يمكن فهمه من أمور لم تحدث من خلال المشاريع التي رفضتها؟

- إنها رؤية جيدة حقاً وإذا كنت رفضت بعض الأعمال فهذا كي أترك لنفسي المجال لعمل شيء آخر أكثر فائدة، ولست نادمة على شيء، فكل عمل قدمته كانت له ظروفه، سواء تعلق الأمر بظروفي الشخصية أو بظروف العمل الفني ذاته، ومبدأي في الحياة ألا أندم على شيء فعلته . وإذا كان علينا في الأصل أن نأخذ على عاتقنا الأفلام التي مثلناها أو نقبل بنتائجها، فعندئذ لا يبقى هناك مجال للندم . وأعتقد أن حياتنا هي مجموع النجاحات والإخفاقات والاختيارات، ولذا لا يمكنني القول إنني نادمة لأنني مجبولة من كل هذا .

هذا جيد ولكن عندما ترفضين عملاً مثل جوراسيك بارك للمخرج ستيفن سبيلبرغ، أليس هذا بأمر يؤسف له؟

- هذا صحيح، ولكن لو قبلت هذا العرض، لكان يتوجب عليَّ أن لا أمثل في فيلم الأزرق: ثلاثة ألوان للمخرج كيسلوفسكي وهذا أمر لم يكن بمقدوري فعله .

هناك ما رفضته وما رُفض لك أن تستمري فيه، وهنا أفكر في فيلم لوسي أوبراك الذي كان من المفترض أن تلعبي فيه الدور الرئيس، لكن كلود بوري استبدلك بكارول بوكيه بعد أسبوع من التصوير؟

-لا، هذا غير صحيح، إذ حدث هذا الأمر بعد 3 أشهر من انتهاء الجزء الأول من التصوير، والواقع أنها قصة قديمة وكلود ليس هنا للرد لأنه أصبح في العالم الآخر ولندعه يرقد بسلام، أوضح حينها وبطريقته السبب الذي جعله يستبدلني، علماً بأن الأمر كان مؤلماً جداً وشعرت كأنه ذبحني من الخلف وبشكل ماكر حقاً .

يقال إن الأفلام التي لم تمثليها أقوى بكثير من التي قبلت بها ما ردك؟

- كنت خرجت للتو في تلك الآونة من تصوير فيلم: المريض الإنجليزي ولم ألبث أن شرعت في العمل في فيلم لوسي أوبراك، ولذا كان الفارق بين ما تعودت على فعله في الفيلم الأول والفيلم الجديد كبيراً إلى درجة أنني كنت لم أزل أشعر بالألم الداخلي من شدة تأثري بفيلم المريض الإنجليزي، وأذكر جيداً المشهد الأول الذي صورته مع كلودبوري، فمن كان يراني لا يشك مطلقاً أنني في حالة حزن أو حداد .

إلى هذه الدرجة تأثرت بفيلم المريض الإنجليزي .

- نعم، بل وأكثر من ذلك أيضاً، لأن درجة القربى التي عايشناها كممثلين أثناء التصوير جعلتنا نندمج في الدور وخاصة أنا إلى درجة بلغت حد السريالية .

هل كان لأحد من الممثلات الشهيرات دور في توجهك أو رسم الطريق الذي تسيرين عليه؟

-الطريق الذي تسير عليه هو طريقك وأنت الذي تختاره، ولكن لأكون صادقة، أقول إن بعض الممثلات أمثال آنا مانياني، وليف أولمان، وجينا رولوند، كان لهن أثر في اختياراتي واستوحيت منهن العديد من الأشياء الفنية، وعندما أشاهدهن في دور من أدوارهن أشعر أن نبض قلوبهن في الأداء يسحرني جداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"