جولييت بينوش ممثلة حتى الجنون

جسدت دور النحاتة وسط مرضى حقيقيين
13:56 مساء
قراءة 4 دقائق

تعيش النجمة الفرنسية جولييت بينوش تجربة سينمائية رائعة دفعتها إلى أقصى حدود الفن السابع من خلال تصويرها لفيلم كاميليا كلوديل 1915 للمخرج رينو دومون . يروي الفيلم قصة حياة فتاة (كاميليا كلوديل) تنتظر على مدى ثلاثة أيام زيارة شقيقها الدبلوماسي الشهير في ملجأ مع المرضى والممرضات والأطباء . هذه النحاتة العبقرية والمحبة لأوغوست رودان (فنان ونحات فرنسي مشهور ويعد أحد رواد فن النحت خلال القرن التاسع عشر)، كانت على قناعة بأن احتجازها في الملجأ برضا والديها لن يستمر طويلاً لكنه استمر ثلاثين عاماً . كاميليا كلوديل، أو بالأحرى جولييت بينوش ذات التعابير الحادة، حولت هذه القصة إلى رواية مفعمة بالمشاعر والانفعالات . شركاؤها في الدور كانوا من الممرضات والأطباء القائمين على رعاية المرضى المعوقين الذين يعانون من اضطرابات نفسية . عن هذه التجربة الجديدة كان لمجلة إيل الفرنسية هذا اللقاء مع بينوش .

متى اكتشفت كاميليا كلوديل؟

عندما كنت في سن السادسة عشرة، حيث وقعت على كتاب للروائية آن ديلبيه التي كشفت عن عبقرية كاميليا وحياتها المأساوية حين احتجزت مدة ثلاثين عاماً في ملجأ . في نفس السن، رأيت أعمالها واكتشفت منحوتاتها ووقعت في حبها وولد لدي هذا الاكتشاف شيئاً من الحماس، وقدح الشرارة في فكري . وأعتقد أن اكتشافاً مثل هذا لا يزول بسرعة من فكرك ولا يمكن نسيانه، بل يضيء دربك في الحياة .

ما الأسباب التي دعتك إلى التصوير مع أناس يتألمون ومحتجزين بسبب المرض؟

عندما نقضي بعض الوقت في هذا المكان، نتفاجأ بالفرح الذي يهيمن عليه فرغم الصراخ والضوضاء، تشعر بأنك ستنفجر لترسم وتبدع وتستكشف . في هذا المكان يوجد فرح مكبوت مثله مثل الألم أو الحزن الذي يعتصر هؤلاء النزلاء، فالحياة بالنسبة لهم لا تتوقف بحجة الجنون . والحقيقة أن الخوف الأكبر لم يكن التمثيل مع المرضى، بل الخوف من الفشل في عدم تمكني من محاباة الجنون داخلي والتقرب منه كي لا يبدو نمطياً، ووهمياً ومصطنعاً . فضلاً عن أنني لم أكن أريد أن أدخل كلياً في موضوع الجنون حتى لا أصبح قلباً وقالباً فيه، لذا وافقت على المضي قدماً في الأمر ولكن الخروج منه بأقصى سرعة .

هذا الخوف من عدم الخروج سالمة من هذه التجربة هل له ما يبرره؟

في بداية التصوير، انتابتني نوبات من البكاء لم أعرف سببها، كنت كمن حل به شبح فالانفعالات التي ألمت بي غريبة عني، وعندما رأتني الكسندرا، شريكتي الرئيسة في الدور وهي مريضة وتعاني من إعاقة شديدة، جاءت كي تواسيني وعانقتني بحنان شديد، وأعتقد أن تدخل الكسندرا بهذه الطريقة يظهر أن كل شيء ممكن، فنحن نعتقد أننا نعيش في عمق الإنسانية لكننا نكتشف أننا في حالة من عدم التواصل الفعلي مع هؤلاء الأشخاص الذين نجد لديهم الكثير من الحنان .

هل كان من الممكن تكرار المشاهد غير الموفقة؟

نعم، ولقد كنا في البداية مندهشين لتفهم المرضى لذلك، ولا سيما فيما يتعلق بالتجهيزات، وهذا يعني أن مفهوم التمثيل والتكرار متأصل في الكائن البشري، فالأشخاص الذين كنت أصور معهم كانوا لا يعرفون أنهم يمثلون ولم يدركوا أنني كنت أجسد شخصية معينة، ومع ذلك فقد كانوا مستوعبين ما يدور حولهم، وهذا دليل على أن الثقة التي نوليها للآخر هي التي تمكنه من التطور . وإذا كنا تعتقد أن أحداً لا يفهم شيئا فإننا نجعله مجنوناً وأصماً .

إلى أي مدى جسدت شخصية كاميليا؟

كان الجميع أثناء التصوير يناديني بكاميليا، حتى خارج الأستديو، وذلك لتجنب أن يرتجل أحد الممثلين دوره خطأ ويناديني جولييت، لذلك كنت كاميليا طوال الوقت وذات ليلة استيقظت فجأة وشعرت أن كاميليا معي في الغرفة ولم أستطع تذكر الحلم، ولكنني كنت خائفة قليلاً . وعندما طلب مني برينو دومون أن أمثل ثلاثة أيام في حياة كاميليا التي لا تفعل فيها شيئاً سوى الانتظار اليائس لمجيء أخيها بول كلوديل، فإنه بالطبع كان يريد للأشياء أن تخرج مني من تلقاء نفسها غير مقنعة بشخصية كاميليا، وكان يريدني أن أظهر ذاك الوجه السافر، وذلك الحرمان والجفاف العاطفي الذي كان يعتمل داخلها، فالحب الذي كانت تبحث عنه ويمنع عنها كان يحرك فيها مشاعر أخرى مدفونة من الحرمان، في هذه التجربة لمست في داخلي أماكن مؤلمة للغاية لم أكن أعرفها عن نفسي .

هل كانت لديك فكرة مسبقة عن هذا الدور؟

لم يكن هناك سيناريو حقيقي، بل الكثير من الصمت، وبضع رسائل، وكلمات تأتي فجأة بعد طول انتظار! كان برينو يريد مني الارتجال والالتزام بكلام كاميليا والانفصال عن النص، كي أكون حرة، وأن أنسى شخصيتها كي لا أكررها، وفي نفس الوقت يطلب مني تجميلها بل الانغماس في لغتها بشكل صارم . لقد شعرت أنني غدوت في هذا الفيلم منحوتة من منحوتات كاميليا . .

هل ذكر كيف كانت تعامل كاميليا طوال السنوات الثلاثين في ملجئها؟

لا يمكن أن نتخيل وضع الملاجىء في ذلك الوقت، فظروف الاحتجاز كانت لا إنسانية، إذ لم تكن الغرف مجهزة بالمدافئ وكان هناك القليل من الرعاية، وعلى مدى ثلاثين عاماً، جاء شقيقها عشرات المرات لرؤيتها وأمضت وقتها في محاولة لفهم لماذا تم احتجازها؟ وكانت تكتب الراهبات طيبات لكن ليس لدي ما أفعله معهن . ويقال إنه في نهاية حياتها كان وجهها يشع نوراً فقد بلغت مرحلة ما بعد اليأس وفيما وراء المخاوف وأصبحت كائناً نورانياً .

بعد أن مثلت كاميليا كلوديل 1915 ما رغباتك المقبلة؟

أنا دائماً على أهبة الاستعداد للمغامرة، إنه أمر غريب بالفعل فكلما تقدمنا في السن، غدونا أكثر جرأة من ذي قبل إذ لم يسبق لي أن كشفت عن مكنونات نفسي مثلما فعلت في هذ الفيلم، يا إلهي كم تتغيرالسينما ! إن ما يثير إعجابي في هذا كله هو أن أكون قادرة على المضي قدماً في تحقيق رغباتي الفنية، والتوجه غدا إلى فانكوفر للمشاركة في العمل السينمائي الكبير غودزيلا . وخلاف ذلك، حياتي كلها مكرسة لأولادي، وأختار الأماكن التي يمكنني العيش فيها معهم بسعادة، ونحن نحاول قدر الإمكان تذليل الصعوبات لهذا الهدف .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"