حكم الضرر والتعويض في الإسلام

03:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. محمود أبوزيد الصوصو*

جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام وآداب لضبط تصرفات الناس في أقوالهم وأفعالهم، وفي عصرنا الحاضر، ، نشأت خلافات بين الناس أدت إلى الضرر بنوعيه: المعنوي والمادي، فما معنى الضرر؟ وما هو التعويض؟ وما حكمهما في الإسلام؟
الضرر: ضد النفع، وهو الأذى بغير الحق، الذي يستوجب التعويض (وهذا تعريف الدكتور أبو ستيت في كتابه مصادر الالتزام ).
ويقسم الضرر إلى قسمين: معنوي، ومادي.
1 - المعنوي: الأذى بغير حق في العِرض والشرف،والآلام الجسمية أو النفسية،والتخويف،ما يستوجب العقوبة الشرعية.
2 - المادي: ما يصيب الإنسان من الأذى بغير حق، في البدن أو المال،ما يستوجب تعويضاً مالياً.
وأما التعويض: فهو معاوضة ُمَنْ وقع عليه ضرر من غيره في نفسٍ أو مالٍ أو شرفٍ أو اعتبار.
(وهذا تعريف الدكتور وهبه الزحيلي رحمه الله تعالى في كتابه نظرية الضمان). وأركان التعويض ثلاثة:
1 - الأذى: وهو ما يلحق الإنسان في ماله أو نفسه حساً أو معنى.
2 - التعدي: وهو مجاوزة الشيء إلى غيره، وهو الظلم والاعتداء.
3 - الارتباط بين الأذى والتعدي، بحيث يكون الأذى الذي يلحق بالمجني عليه ناتجاً عن تعدي الطرف الآخر،فإذا انفك أحدهما عن الآخر لم يحصل ضررٌ موجبٌ للتعويض. يقول الشيخ إبراهيم بن محمد الحيدر في كتابه «التعويض عن الأضرار»: اختلف السادة العلماء في التعويض عن الضرر المعنوي بمال،أوالتعويض عن الضرر المادي بعقوبة على قولين: - القول الأول: لا يجوز التعويض بالمال عن الضرر المعنوي للأدلة التالية:
- الدليل الأول: قول الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون)، [النور: 4]. فقد دلت الآية على العقوبة لا على التعويض المادي.
- الدليل الثاني: قول الله تعالى: (وإنْ عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) [النحل: 126]، فالإسلام لا يعدُّ شرف الإنسان مالاً متقوَّماً، فدلت الآية على العقوبة بالمثل لا بالمال. - الدليل الثالث: قول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، [البقرة: 194]، فدلت الآية على أخذ حقه المعنوي بالمثل.
- القول الثاني: يجوز أخذ التعويض المادي بدلاً عن الضرر المعنوي للأدلة التالية:
- الدليل الأول: قول الله تعالى: ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به...)، [البقرة: 229]. ففي الآية جواز أخذ الفداء من الزوجة التي ألحقت الضرر المعنوي بزوجها، وذلك لنشوزها وبغضها له، ولعدم إقامتها لحدود الله.
- الدليل الثاني: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا ضرر ولا ضرار] رواه الإمام ابن ماجه، والإمام أحمد والإمام البيهقي رحمهم الله تعالى، ففي الحديث دليل على تحريم الضرر، وهذا يشمل الضرر المعنوي والمادي، وإذا كان الضرر المعنوي محرماً وجب التعويض عنه، ورفع أثره بالبديل أو المماثل، ومنه التعويض المادي.
- الدليل الثالث: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ لطمْ مملوكه، فضربه فكفارته أن يعتقه]، (رواه الإمام مسلم)، ففي الحديث يكون التعويض المادي بعتق المملوك، مقابل الضرب والإذلال بلطم الوجه وبهذا يقول الإمام ابن القيم في كتابه «أعلام الموقعين»: (اقتَضتْ السُّنَّةُ التعويضَ بالمثل).
وعلى ما تقدم: هل يسقط التعويض؟ قال السادة العلماء: يسقط التعويض في حالتين:
- الأولى: تنازل المتضرر عن التعويض وعن المطالبة به مستقبلاً.
- الثانية: التقادم وترك المطالبة بالحق، وقد ذكر بعض الفقهاء كالحنفية في «حاشية ابن عابدين»، و«المبسوط» للسرخسي، والمالكية في «حاشية البهجة شرح التحفة»، السقوط بالتقادم من دون المطالبة مع عدم المانع، ولكن اختلفوا في تقدير مدة التقادم من سنتين إلى خمس سنوات.

*أستاذ المعاملات المالية في جامعة طيبة - المدينة المنورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"