دفاتر الأيام

ليس إلا
13:55 مساء
قراءة دقيقتين

ترى من يكتب التاريخ؟ سيقال المنتصر. وقد يكون هذا الجواب هو الأنسب عن سؤال أصبح تقليديا لكثرة تكراره. لكن السؤال الذي يبقى الأهم بتقديري هو: هل سيكتب المنتصر التاريخ بدقة ليكون شاملا كاملا بلا نقصان؟ إنها مهمة صعبة وهذا ما يُشك باكتمالها. فالمعروف أنه غالبا ما يأتي التاريخ ناقصا غير مكتمل، ليقضي قراؤه، من بعد، حينا من أعمارهم يبحثون عن الأوراق التي سقطت، عن الفصول التي لم تذكر، عن الحلقات الضائعة والتي من دونها لن يكتمل المشهد، عن تلك المنمنمات الضرورية التي ستساعد على اكتمال اللوحة وبالتالي سيسهل وضعها داخل إطار من أجل البناء والإفادة. إن ما جعل هذه المقدمة ضرورية هو 116 صفحة فقط من القطع الصغير ضُمَّت في كتاب بعنوان (دفاتر الأيام) لمؤلفه فضل النقيب، وهو بالمناسبة إعلامي وكاتب صحافي معروف. وهذا العدد المحدود من الصفحات غطى فترة زمنية حُددت هي الأخرى ب 4 سنوات فقط. والكتاب، وهو عبارة عن سلسلة مقالات صحافية تم نشرها في الصحف اليومية في كل من صنعاء وأبوظبي. يتحدث ببساطة عن سيرة طالب تخرج حديثا في كلية الإعلام بالقاهرة العام 1970 ليعود إلى مدينة عدن موظفا في الإذاعة والتلفزيون معدا ومقدما للبرامج. ولم يكن ليعلم أن السنوات القليلة المقبلة من حياته العملية في هذا الميدان والتي تتوافر فيه على موجبات وأسباب هيأت له الظروف للاحتكاك بمختلف المواقع السياسية والثقافية والفئات والشرائح الاجتماعية.. لم يكن ليعلم أنها ستكون الأكثر عبثية وتراجيدية والأكثر دموية مما يكون قد سمع أو قرأ من قبل. والقصة تبدأ كما يذكر في الصفحة 64 عندما تم الاتصال بين(عدن الثورة وصين ماوتسي تونج) قبل الاستقلال من الإنجليز العام 1967 حين ذهب علي سالم البيض وعبد الله الخامري إلى بكين سرا ليقابلا (لين بياو) الذي نصحهما بتدمير كامل البنية والبناء اللذين سيخلفهما البريطانيون لأن في تلك البنية والبناء تكمن عوامل الردة وبكتيريا الثورة المضادة ووعدهما بأن الصين الشعبية ستساهم بسخاء كبير في تشييد البنى الجديدة. وبدأ بناء على ذلك سياسة (الخراب) كما سماها الكاتب. رغم أن الصين نفسها ممثلة بماوتسي تونج أبدت لكن بفترة متأخرة على ما يبدو، استغرابها لسالم ربيع علي رئيس اليمن الجنوبي في توجهه لبناء (مؤسسات ثورية) من الآن والتي ستعيق الحركة الثورية وتحولها إلى دولة مشغولة بهموم الحياة اليومية بينما الهدف المركزي هو الزحف لتحرير جزيرة العرب بكاملها، بعدها يكون الوقت مناسبا لبناء المؤسسات. إن دفاتر الأيام تضع بعض لبنات مهمة في جدار قلعة الدفاع عن المستقبل في هذا الجزء الحيوي من المنطقة. والكتاب، وبرغم أسلوبه البسيط والسلس وأريحية الكاتب التي لا تخلو منها صفحة والكم الهائل من المعلومات المهمة، يترك لدى قارئه مشاعر هي مزيج بين البكاء حد الصراخ والحزن حد الخرس. فكم كان واضحا أن الاستمرار في وضع سياسي كالذي تحدث عنه الكاتب سيكون صعباً بل مستحيلاً في مدينة/دولة في جزيرة العرب. لقد قدم الكاتب بجرأة إضافة نوعية إلى المكتبة السياسية- الثقافية في المنطقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"