رحمانيات البحارة

على ضو الفنر
13:41 مساء
قراءة 3 دقائق

الرحمانيات أو (الرحماني) هو دفتر الإرشادات البحرية الذي لابد أن يحتفظ به البحارة أثناء رحلاتهم وأسفارهم البحرية، ويعتقد أن لفظة (رحماني) أو (رهمانج) مأخوذة من (راهنامه) وتعني بالفارسية (كتاب الطريق)، حيث إن لفظة (راه) تعني طريق و(نامه) دفتر أو كتاب يستخدم في إرشاد السفن إلى الطرق السليمة التي يجب أن تسلكها بعيداً عن الجبال أو الرؤوس والعوارض البحرية . ومن أوائل الرحمانيات البحرية التي استفاد منها البحارة كتاب (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) الذي ألفه أحمد بن ماجد الجلفاري وهو من الأعمال النثرية الجليلة التي أسهمت في تطوير فنون الملاحة، وقد صنفه إلى اثنتي عشرة فائدة، ويجب على البحارة أن يعرفوها ويلموا بها لأنها الدليل البحري الذي يعين على ركوب البحار البعيدة ونلخص هذه الفوائد: الفائدة الأولى (يتحدث فيها عن نشأة الملاحة) والفائدة الثانية (المعلومات والإرشادات الملاحية) والفائدة الثالثة (منازل القمر الفلكية والنجوم الملاحية) والفائدة الرابعة (منازل وردة الرياح الأثنان والثلاثون التي تسمى الأفنان) والفائدة الخامسة (الجغرافيا الوصفية والفلكية وأسماء الكتب والمراجع الفنية التي ينبغي على الربان فهمها) والفائدة السادسة (الطرق البحرية) والفائدة السابعة (الأرصاد الفلكية) والفائدة الثامنة (العلامات التي تشير إلى اليابسة) والفائدة التاسعة (الكلام على السواحل) والفائدة العاشرة (الجزر الكبرى المشهورة) والفائدة الحادية عشرة (مواسم السفر والمواقيت في البحر) والفائدة الثانية عشرة (وصف البحر الأحمر ومجاريه وجزره وشعابه والمناطق الخطرة فيه) .

وذكر الجغرافي العربي المقدسي دفاتر البحارة (الرحمانيات) فقال: رأيتهم من أبصر الناس به ، وبمراسيه ، وأرياحه ، وجزره . . فسألتهم عنه أي البحر وعن أسبابه وحدوده . . ورأيت معهم دفاتر من ذلك يتدارسونها ويقولون عليها ، ويعولون عليها ويعملون بما فيها، وهذا دليل واضح على أن علم الملاحة تطور تطوراً كبيراً بفضل تلك المؤلفات التي أسهمت في ارتياد البحار والمحيطات مستندين إلى تلك الإرشادات العلمية التي طورها ابن ماجد وقبله أساتذة بن ماجد (محمد بن شاذان وسهل بن أبان وليث بن كهلان) . . وبعد ابن ماجد بنصف قرن جاء النوخذا سليمان بن أحمد بن سليمان المهري، وهو بحار من مدينة الشحر التي تطل على الساحل الجنوبي لحضر موت - واشتهر المهري منذ أوائل القرن السادس عشر الميلادي، حيث ألف كتاباً أطلق عليه العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية يعود إلى العام 917ه - 1511م . وله كتاب آخر سماه المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر، وهذان الكتابان للمهري تضمنا الكثير من التجارب العلمية والجهود البحثية التي أثرت في علم الملاحة وأسهمت في تطويره، وظلت هذه المؤلفات رحمانيات الهداية البحرية في القرنين الخامس عشر وحتى السابع عشر ثم ظهرت بعد ذلك مؤلفات وإرشادات ملاحة للأوربيين أخذوها من مؤلفات علماء الملاحة العرب . وعندما جلست مع بعض النواخذه من أهل الإمارات وسألتهم عن الكتب البحرية التي كانوا يستخدمونها في سفنهم أثناء رحلاتهم البحرية ذكروا لي كتاب عيسى القطامي الذي ظهر في أوائل القرن العشرين . . وقد كان كتاب القطامي متداولاً يعرفونه وكانت خرائطه ووصفه للملاحة دقيقين لأنه استفاد من التطور العلمي الذي حدث في الملاحة البحرية مثل دقة القياس والرصد اللذين يتمان عن طريق الآلات والمخترعات العلمية الحديثة . وكان القطامي النوخذا الكويتي المشهور رسم الكثير من الخرائط والجداول الملاحية التي استفاد منها نواخذة البحر وكانت لا تخلو منها سفنهم، ومعظم هذه الكتب أو الرحمانيات طبعت في الهند وتداولها البحارة .

وكان النوخذا مطلعاً ملماً بهذه الفنون، أو أن يستعين بأحد معالمة البحر ويسمى (معلم) وهو الذي لديه معرفة واسعة بفنون الملاحة، وأذكر من هؤلاء في الإمارات (سالم بن عبدالله بن كلبان) وهو من نواخذة البحر وهو على دراية بأصول ركوب البحر وله مؤلفات في هذا الفن، كما ظهر المعلمان عبدالعزيز بن عبدالوهاب وسالم بن يعقوب وجمعت ما ألفه هؤلاء في كتابي زمن الملاحة والأسفار الشراعية في الإمارات الذي سيصدر قريباً .

وجدير بالذكر أن العرب عرفوا فنون الملاحة وظهر منهم ربابنة كبار مخرت سفنهم البحار والمحيطات في العصور الماضية .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"