صيغ الفعل بين العربية والإنجليزية

00:52 صباحا
قراءة 3 دقائق

في موازنة أقرب إلى المغالطة وازن بعض الناس بين لغتنا العربية وبين الانجليزية في تفصيلات زمن الفعل أو زمن الجملة، ونتيجة المغالطة غلط لا ريب فيه، ولذا كانت ثمرة الموازنة أن الجملة الانجليزية تفصيلات الزمن فيها أكثر، ففيها الماضي البسيط وفيها الماضي المستمر وفيها الحاضر البسيط وفيها الحاضر المستمر وفيها المستقبل والمستقبل المستمر، وهكذا إلى آخر السلسلة من هذه الصيغ في الأفعال الانجليزية.

بينما صيغ الفعل في العربية حسب رأيهم ثلاث لا غير: الماضي والحاضر والمستقبل.

هكذا زعموا، ولو أن الإنسان تأمل مثالاً واحداً من الانجليزية لتبين وجه المغالطة في هذه الموازنة.

وهو الحاضر المستمر نحو قولهم: gniog maI.

فهذه الجملة (أنا أكون ذاهبا) كما تُترجم حرفيا مركبة من فعلين.

الفعل المساعد mA والفعل المستمر gniog.

ولو نظرنا في الجملة العربية المركبة على وجوه التركيب في العربية لوجدنا أن التفصيلات في العربية أكثر من الانجليزية، ولوجدنا الانجليزية من دون اللواحق والتركيبات ليس فيها من صيغ الفعل إذا نظرنا إلى الصيغة في الكلمة الواحدة إلا صيغة واحدة هي الحاضر البسيط إن سبقت الفاعل كانت أمرا وإن سبقها كانت إخبارا عن الحاضر، بينما لكل من الماضي والحاضر والأمر صيغة في العربية مستقلة.

ونتيجة المقارنة بين الصيغ إجمالاً تجعل العربية أكثر تفصيلاً فيها الماضي والحاضر والأمر والجملة الاسمية.

ونتيجة المقارنة بين الصيغ تفصيلا وبعد التركيب تجعل العربية أكثر تفصيلاً أيضاً.

وذلك أننا نقول في العربية (يذهب) وهي للحاضر غالبا وتحتمل المستقبل.

فإذا أردنا أن نجعلها للمستقبل الخالص قلنا (سيذهب) بتركيبها مع السين كما يفعل أهل الانجليزية العكس حين يريدون أن يجعلوا الفعل الحاضر البسيط في صيغة الماضي فيضيفون إلى الحاضر البسيط (de) إذا لم يكن الفعل شاذا.

وبهذه الطريقة (طريقة الدلالة التركيبية) تكثر التفصيلات في العربية.

فالصيغ الأصلية ثلاث: ذهب يذهب اذهب.

ويضاف إليها المستقبل الخالص فيقال: سيذهب أو سوف يذهب.

والاستمرار في الماضي إلى الحاضر: ما زال فلان قائما.

والاستمرار في الحاضر: لا يزال فلان قائما.

والمستقبل قبل التكلم: كان فلان سيذهب.

والمستقبل المستمر فيما مضى: كان فلان لا يزال قائما.

والجملة المجردة من الزمان أي الاسمية: فلان أخوك.

ثم هناك صيغ خاصة بوقت معين من أجزاء الزمن.

فبدلا من أن نقول: قام زيد في الصباح، نقول: أصبح زيد قائما.

وكذلك أضحى زيد قائما للضحى، وأمسى زيد قائما للمساء، وبات زيد قائماً لبقية الليل.

فهذه ثلاثة عشر من تفصيلات الزمن في الجملة العربية، وهذا كله إفادة للمعاني المفصلة في الزمن مع الإيجاز، وفي العربية تفصيلات أكثر من ذلك.

ولا بد أن يتنبه القارئ الفطن إلى أن اللغة العربية فيها هذا التفصيل وفيها الإجمال.

فنقول: ذهب فلان.

فيكون الذهاب محتملا لكل جزء من أجزاء الزمن الماضي دون تحديد ذهابا مستمرا أو منقطعا، فإذا أردنا استمرار الذهاب حتى اللحظة الحاضرة قلنا: ما زال فلان قائماً.

فإذا أردنا الاستمرار في الوقت الحاضر أيضا قلنا لا يزال فلان قائماً.

وكذلك إذا أردنا الإجمال في المضارع قلنا يقوم فلان فيحتمل الحاضر والمستقبل.

فإذا أردنا التحديد بالمستقبل قلنا سيقوم فلان كما تقدم.

وكذلك الأمر في الأسماء فنقول في الشخص حسن فعله بعد سوء فهو حاسنٌ، فإذا تكرر منه فهو حسّان، فإذا ثبتت فيه تلك الصفة فهو (حسن)، فهذا تفصيل أفاده لفظ واحد اختلفت صيغته وهو تفصيل مع المحافظة على الإيجاز.

أما القارئ العادي فيهتم بالقدر اليسير كما هو الشأن في كل اللغات الواسعة ذات التفصيلات الكثيرة.

وفي اللغة العربية تفصيلات دقيقة تزيد على هذه التفصيلات في الدلالة التركيبية كثيرا يحسبها القارئ العادي واحدة وليست كذلك، فمثلا نقول: زيد يقوم، ويقوم زيد. فيكون تقديم الفاعل دالا على أنه المقصود الأهم في الجملة، وإذا قدمت الفعل كان هو المقصود الأهم في الجملة ونسبة الفعل مؤكدة له في الحالة الأولى دون الثانية.

وملاحظة زمن القيام ليست مقصودا أصليا على عكس الجملة الثانية وفي الجملة الأولى لا تدل كلمة قائم على حركة حدوث القيام بينما الجملة الثانية تدل على ذلك.

ولكن هذا الكلام قد يثير إشكالا فيقول من يسمعه: هذا من صعوبة اللغة العربية التي تنفر الناس منها، وهو إشكال وهمي لأن هذا من المقدار الزائد على الحاجة الأساسية للقارئ العادي، وليس مطلوباً منه إلا إذا أراد التعمق في فهم دقائق الكلم في العبارات الأدبية أو الدينية أو القانونية، إنما المطلوب من القارئ العادي هو المقدار الأساسي من النحو والصرف والبلاغة وهي مقادير يسهل فهمها وتعلمها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"