طريق الأفلام العربية إلى "الأوسكار" صعب

3 أعمال في قائمة الترشيحات
00:21 صباحا
قراءة 5 دقائق

هناك قصة شهيرة عن ساعة صلاح الدين التي كان الفنان أحمد مظهر بطل فيلم الناصر ليوسف شاهين يرتديها وحرمت العمل من الوصول لمسرح كوداك للتنافس على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي ضد أربعة أفلام أخرى، وهناك حكايات أخرى أقل شهرة عن اقتراب فيلم أم العروسة لعاطف سالم، أو الفيلم التونسي بابا عزيز لناصر خميري، أو اللبناني بيروت الغربية لزياد دويري، وأخيراً سهر الليالي للمصري هاني خليفة الذي وصل للتصفيات الثانية ضمن عشرين فيلماً، وتبقى الحقيقة المثيرة للانتباه: عبر أكثر من نصف قرن لم تستطع دولة عربية باستثناء الجزائر وفلسطين الوصول لترشيح الأوسكار عوضاً عن الفوز بها .

أكد عدد كبير من النقاد أن الأمر في الترشيح لا يتعلق فقط بجودة الفيلم أو الإنتاج، ولكن كذلك بتوجهات العمل ومدى مواءمته للنظرة الليبرالية التي تنتهجها الأكاديمية، وأخيراً وربما الأهم ثقل الدول المشاركة في الإنتاج وقدرتها على الدعاية للفيلم إعلاميا قبل وصوله للمصوتين . لذلك فإن الجزائر ذهبت هناك في أربعة ترشيحات بصحبة فرنسا، وفلسطين ذهبت في فيلم المخرج هاني أبوأسعد الجنة الآن 2004 بصحبة ألمانيا وهولندا، بل وإسرائيل التي شاركت في إنتاج الفيلم، والأفلام التي ذهبت دارت أغلبها حول نبذ العنف والحرب والميْل إلى السلام .

ولعل تلك المقدمة كانت ضرورية قبل النظر إلى الأفلام الثلاثة العربية التي احتوتها القائمة الأولى لأكاديمية العلوم والفنون الأمريكية (الأوسكار) ضمن خمسة وستين فيلماً، سيصل خمسة منها فقط للحفل الذي سيقام في مارس/ آذار المقبل، وهي ضرورية لمحاولة رؤية فرصة كل منها للترشيح .

رشحت الجزائر للجائزة أربع مرات: الأولى بالفيلم الشهير غ وكان من إخراج اليوناني كوستا جافراس، والثانية كانت عن فيلم فق مج من إخراج الإيطالي إيتوري سكولا، والثالثة والرابعة كانتا عن طريق مخرج جزائري الأصل هو رشيد بوشارب عام 1995 عن فيلم غبار الحياة، وعام 2006 عن فيلم بلديون الذي تناول فيه تضحيات الجنود العرب من الشمال الإفريقي الذين انضموا إلى الجيش الفرنسي لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي أثناء الحرب العالمية الثانية . وينافس رشيد هذه المرة بالعمل الممثل الرسمي للجزائر في الأوسكار خارج القانون وهو الفيلم الذي أثار جدلاً كبيراً في الأوساط الفرنسية عند عرضه في مهرجان كان الماضي .

الفيلم الجديد لرشيد بوشارب يعد استكمالاً لثلاثية التاريخ الجزائري غير المروي كما يسميها، بدأها مع بلديون واستمرت في خارج عن القانون كجزء ثان، ويتناول هذه المرة العنف الفرنسي أثناء فترة احتلال الجزائر، عن طريق ثلاثة إخوة يرون أن المقاومة هي الطريقة الوحيدة للاستقلال، ويؤسسون حركة كفاح مسلح ضد الفرنسيين، فيقرر المسؤولون الفرنسيون تأسيس فرقة سلاح مضادة غير رسمية باسم اليد الحمراء للتصدي لما أسموه الإرهاب الجزائري بإرهاب مضاد بكل الوسائل، حتى لو أدى ذلك إلى قتل المدنيين . ونتج عن ذلك مذبحة سطيف عام ،1945 قبل أن ينتهي الفيلم باحتفال الجزائريين بعيد الاستقلال عام 1962 .

تعرض رشيد بوشارب بسبب هذا العمل للكثير من الهجوم، وتحديداً من اليمين الفرنسي الذي هاجم الفيلم ومخرجه بضراوة حتى قبل عرضه، وزعم النائب البرلماني عن حزب الاتحاد ليونيل يوركا أن الفيلم يزور التاريخ ويؤجج مشاعر الكراهية من دون داع، بوشارب علق على كل هذا بهدوء قائلاً إن الفرنسيين لا يتقبلون فكرة أن يروي الجزائريون قصتهم بأنفسهم، مفسراً في تصريحاته السبب الذي دعاه إلى إخراج الفيلم قائلاً: قول الحقيقة كاملة عن حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر مهم لمصالحة الشعبين مع تاريخهما المشترك، لأن الأمور ستحل والعلاقات ستتقدم عندما يتم التطرق للتاريخ الاستعماري، وبشكل كامل، حيث يمكن بعد ذلك للعلاقات بين الشعبين أن تنتقل إلى مرحلة جديدة .

السؤال الآن: هل يستطيع فيلم بوشارب الوصول للترشيح من دون مباركة فرنسا؟ فيلم بلديون كان احتفاءً بالمبادئ الليبرالية ورفض الحروب، أشبه بقول الجميع الجزائر/ فرنسا/ أمريكا إنهم ضد النازيين وما مثلوه في التاريخ، ولكن الترشيح تلك المرة قد يعني الإقرار بما يقوله رشيد في فيلمه وإدانة فرنسا عن جرائم شنيعة في حق الشعب الجزائري، وهو موقف لن تتخذه الأكاديمية، رغم القيمة الفنية الرفيعة للفيلم .

رسائل داود لن تصل

الفيلم الثاني الذي ضمته قائمة الخمسة وستين فيلماً هو رسائل البحر للمصري المخضرم داود عبدالسيد، وهو الفيلم الوحيد في الأعمال العربية الثلاثة الذي كان بعيداً عن السياسة، ويحكي قصة إنسانية عن الطبيب يحيى الذي لديه مشكلات في النطق تجعله عاجزاً عن التواصل طوال حياته، ويقرر عند هجرة أهله أن يسافر إلى الإسكندرية كي يبدأ حياته من جديد، وهناك يتعرف إلى الحبيبة نورا والصديق قابيل الذي يكتشف من خلاله عالماً لم يره من قبل .

كما يحدث مع مصر في كل مرة، تكتفي لجنة المشاهدة التي تكونها وزارة الثقافة بترشيح الفيلم، ولكن من دون متابعة أو دعاية حقيقية له داخل أمريكا، ففيلم عبدالسيد أرض الخوف كان المرشح المصري الرسمي عام ،2000 ولكن لم يحظ بمتابعه جيدة فخرج من التصفية الأولى .

وبصرف النظر حتى عن ذلك، ففيلم عبدالسيد يبدو غير مؤهل بمعايير الأوسكار لأن ينال ترشيحاً، فهو فيلم هادئ على النمط الأوروبي، منفصل، بقصد، عن زمنه ومكانه، ويدور في إطار الحنين إلى الماضي، ولا يدعي أنه يتناول قضية كبيرة تهم العالم، وكلها أمور لا تفضلها الأكاديمية في اختياراتها، ولو كان هذا الفيلم عرض في مهرجان دولي كبير، وتحديداً كان وبرلين وفينيسيا قبل عرضه تجارياً، لربما زادت فرصته في أن ينال تكريماً أكبر، ولكن رسائل داود عبدالسيد التي لم تصل إلى أوروبا عبر البحر المتوسط لن تستطيع أيضاً الوصول إلى أمريكا .

الفيلم العربي الثالث هو الأقرب للوصول من وجهة عدد من النقاد ابن بابل، الذي يمثل العراق بمخرجه الشاب محمد الدراجي . يدور حول صبي في عمر الثانية عشرة وجدته الكردية يبحثان عن الأب/ الابن إبراهيم المفقود منذ حرب الخليج في سجون العراق . وتمتد بها الرحلة عبر العراق إلى بغداد ثم الناصرية ثم صحراء ومقابر جماعية، في هجائية سياسية مباشرة للنظام السابق .

الفيلم لا يتحدث عن أمريكا مباشرة، ولكنه يجمّل وجهها حين يسبب من دون أن يقول ذلك حرب العراق في ،2003 فيجعل الخلاص من النظام السابق غاية يمكن من خلالها تبرير كل شيء . ومن خلال حبكة وقصة بحث مؤثرة، واستعراض جميل بصرياً للعراق وتأثرها بالحروب، فإن فيلم محمد الدراجي يبدو قريباً من الترشيح، بخاصة أن الأمور التي تؤخذ عليه كالاستدرار العاطفي ومحاولة المبالغة في مأساوية الحدث، أمور لن تستوقف الأكاديمية والجمهور الغربي بشكل عام، وهو ما أكده تصفيق الجمهور الألماني عقب عرض الفيلم، بعد بكائه أثناء عرضه، في مهرجان برلين الماضي .

كذلك فإن منح مجلة فاريتي الأمريكية لمحمد الدراجي جائزة مخرج الشرق الأوسط، يعبر بشكل واضح عن تحيز ورضا إعلامي أمريكي عن الفيلم، وبخاصة حينما تصفه المجلة بأنه المخرج الأكثر اجتهادا في المنطقة، ويقدم أفلاما تجعلنا ننظر إلى العالم من منظور مختلف، كل هذا يجعل من ابن بابل الفيلم العربي الأقرب للوصول لترشيح الأوسكار ممثلاً للعراق في حدث تاريخي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"