عباس بن فرناس .. أول من أجرى تجربة طيران

00:46 صباحا
قراءة 4 دقائق
يكاد لا يصدق أن الرجال والنساء اليوم صاروا ينطلقون إلى الفضاء في أسطوانات معدنية، يستكشفون الكون ويعودون إلى الأرض محملين بصخور من القمر، لقد سحر مفهوم الطيران الجنس البشري منذ آلاف السنين.
ترك المصريون وراءهم رسوماً كبيرة تظهر رغبتهم في الطيران تبين الفراعنة محلقين بأجنحة ولدى الصينيين والإغريق والساسانيين حكايات أسطورية عن الطيران ومن أشهر الحكايات الشعبية القديمة تلك التي يسردها الفردوسي في «كتاب الملوك» «shahnameh» الذي أطلقه عام 1000م تقول الحكاية، إن ملكاً اسمه قيقاووس أغرته الأرواح الشريرة بغزو السماء، وكانت واسطته مركبة طائرة على هيئة عرش في زواياه أربعة أعمدة متجهة إلى الأعلى وضع على رأس كل عمود قطعة لحم وربطت نسور في أرجل العرش فعندما حاولت الطيران للوصول إلى اللحم رفعت العرش معها ولكنها حين تعبت تهاوى العرش محطماً.
عباس بن فرناس القرطبي أول مسلم بل ربما أول شخص أجرى في القرن التاسع تجربة طيران بآلة صنعها وطار بها، وكان عباس متعدد المعارف والمواهب كان شاعراً ومنجماً وموسيقياً وعالم فلك ومهندساً، بيد أن شهرته الواسعة جاءت من بنائه آلة طيران كانت الأولى من نوعها حملت إنساناً إلى الفضاء طار بنجاح عدة مرات فوق مناطق صحراوية، وقد حسّن تصاميمه قبل قيامه بمحاولتي طيران في قرطبة.
كانت المحاولة الأولى عام 852 عندما أحاط نفسه بمظلة واسعة مقواة بدعائم خشبية وقفز من مئذنة الجامع الكبير في قرطبة انزلق وكأنه في طائرة شراعية أخفقت المحاولة بيد أن سقوطه كان متباطئاً بحيث لم يصب بغير أضرار طفيفة. فكانت تلك أول محاولة للقفز بالمظلة. المصادر الغربية تسميه خطأ باسم أرمين فيرمان بدلاً من عباس بن فرناس. تعلّم ابن فرناس من التجربة فعمل جاهداً لتحسين تصميمه الثاني، وتقول الأوصاف التي ذكرها شهود عيان وكذلك مخطوطات من تلك الفترة، إن ما صنعه عباس أشبه بآلة تتألف من جناحين كبيرين وهكذا قبل ألف ومئتي سنة صنع رجل في السبعين من عمره تقريباً آلة للطيران من الحرير ومن ريش النسور.
صعد ابن فرناس تلة في منطقة الرصافة من ضواحي قرطبة بإسبانيا قرب جبل يسمى «جبل العروس» بعد أن وضع اللمسات الأخيرة على آلته حدد وقتاً تجمّع فيه الناس ليشاهدوا طيرانه.
ولدى ظهوره أمام الجمع حاملاً آلته الطائرة المصنوعة على شكل جناح شراعي مغطى شرح ابن فرناس كيف خطط ليطير مستخدماً شراعاً مثبتاً بذراعيه.
قذف ابن فرناس بنفسه إلى الهواء وبقي في الجو لفترة وجيزة قبل سقوطه على الأرض فتحطم الشراع وانكسرت إحدى فقراته. ولسوء الحظ فإن الضرر الذي لحق بابن فرناس في الطيران منعه من إجراء مزيد من التجارب ليجسد اكتشافه حاجة الذيل ووظيفته في الهبوط، على أية حال كان ابن فرناس مبدعاً ولا بد أن وصف آلته لشخص ما أو ربما أرشد شخصاً ما وربما يكون من المتدربين عنده لكي يصنع نسخة جديدة.
أخذ الناس يتابعون محاولات الطيران بعد ابن فرناس وجرت عدة محاولات منها محاولة الجوهري، معلم تركستاني ألقى نفسه من مئذنة جامع أولو عام 1002 مستخدماً جناحين من خشب وحبل، وتوفي فور ارتطامه بالأرض وكذلك فعل الراهن الإنجليزي البندكتي ايلمر من مالميسبري وقد نسي هو الآخر الذيل فانكسرت ساقاه عندما قفز عام 1010 من برج بارتفاع ستمئة قدم.
صمت تاريخ الطيران بعد هاتين الحادثتين إلى أن ذكرت أعمال الفنان العالم الفلورنسي الشهير ليوناردو دافنشي. يظل ليوناردو المهندس الرائد الذي أسس تفكيراً علمياً مناسباً في الطيران ولم يحاول ليوناردو أن يطير بنفسه، لكنه صمم ورسم على الورق مخططات عديدة تتعلق بالطيران بما في ذلك آلة مجنحة على هيئة طائر سميت «اورنيثوبتر» وهي آلة صممت لتحزم على الظهر، ومن تصاميمه أيضاً منزلقة هوائية وفي رأي بعضهم صمم ليوناردو حتى طائرة مروحية «هيليكوبتر».
وفي عام 1633 اخترع تركي يدعى لاغاري حسن شلبي أول صاروخ مأهول أطلقه باستخدام ثلاثمئة رطل من مسحوق البارود وقوداً له، وسجل الحدث برسم تخطيطي لأحد الفنانين يقول وليام اباروز في كتابه «هذا المحيط الجديد قصة عصر الفضاء» لاغاري حسن شلبي، تركي انطلق في صاروخ وقوده 54 رطلاً من البارود، للاحتفال بمولد كايا سلطان ابنة السلطان مراد الرابع، حمله الصاروخ عالياً في الجو، حيث فتح عدة أجنحة ثم هبط على الماء سالماً أمام القصر الملكي، كوفئ شلبي بكيس من الذهب، وعين ضابطاً في الفرسان وقيل إنه قتل بمعركة في القرم.
أما هزارفن أحمد تشلبي، وهو تركي من القرن السابع عشر، فقد استخدم للطيران ريش النسور مخيطاً على جناح شراعي وبعد تسع محاولات تجريبية قرر كيف ينبغي أن يكون هذا الجناح الشراعي، أشهر طيران له كان في عام 1638 وعندها قفز من برج غالاتا قرب البوسفور في إسطنبول وحط بجناح في الضفة الأخرى من البحر، وحسبما قال المؤرخ التركي أوليا شلبي الذي شهد المأثرة وسجلها في «كتاب الأسفار» فإن هذا التركي المشهور الذي طار استخدم حسابات الجوهري مع بعض التصحيحات والتعديلات في التوازن وهي مشتقة من دراسته لطيران النسر، نال نزارفن مكافأة قدرها ألف قطعة ذهبية على إنجازه، وصدر طابع بريدي تركي عليه ثناء وإجلال لطيرانه التاريخي.
بعد الطيران الناجح فوق البوسفور أعلن الأخوة مونتغولفير عن آمالهم في الطيران بمنطاد مملوء بالهواء الساخن، ركب فيه خروف وبطة وديك، وبعد بضعة أسابيع كان بيلاتيني دي روزير أستاذ علوم وماركوي دي ارلانديي الضابط العسكري أول من طار في منطاد معبأ بالهواء الساخن نحو خمسة كيلومترات حول باريس.
الألماني أوتو ليلنتال هيمن على علّم الطيران في القرن التاسع عشر، ودرّس القوى الرافعة للسطوح، وأفضل أشكال الانحناء للجناح وحركة مركز الضغط باختلاف زواياه، الأمر الذي كان عاملاً مهماً لاستقرار الطائرة، كان طياراً شراعياً عظيماً ولكنه مات أثناء طيرانه فوق تلال برلين عام 1896 عندما هبت عليه ريح عاصفة أدت إلى انهيار آلته ولم يقدر على استعادة السيطرة عليها.
ربما كان الأخوان رايت هما أكثر الأسماء شهرة في عالم الطيران وحديثاً في الأول من ديسمبر لعام 1903 كانت الذكرى الأولى لطيرانهما.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jmvjcsu8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"