فتح العراق

سيف الله
02:08 صباحا
قراءة 4 دقائق

أبلى خالد بن الوليد رضي الله عنه في حروب الردّة البلاء الحسن . وأدى واجبه فيها كأحسن ما يكون الواجب . إذ قام بأوفر سهم في هذه الحروب، فقمع أخطر الفتن في الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، حيث أنهى فتنة بني أسد وحلفائهم . وكان خطر فتنتهم أنها كانت أقرب الفتن إلى المدينة ومكة وكذلك قمع فتنة بني حنيفة . التي كانت شديدة الخطر على الإسلام، لأنها كانت فتنة القبيلة الأقوى بعديدها بين قبائل العرب .

وكان خالد رضي الله عنه خير مطيع للخليفة في كل أمر . وخير من وضع خطة حرب ونفذها بصبر وثبات وحنكة ومرونة، وبذلك ظهر للمسلمين مصداق قول النبي صلى الله عليه وسم بأنه سيف من سيوف الله . وكان الخطر على الدين الجديد من بعض العرب أنفسهم، ومن أمم الأعاجم التي تحيط ببلاد العرب، فكان لخالد رضي الله عنه في ما ذكرنا خير يد في وقاية الإسلام في أرضه .

انتصارات مجيدة

في المحرم من السنة الثانية عشرة للهجرة، فرغ خالد بن الوليد رضي الله عنه من حرب اليمامة، فجاءه أمر الخليفة أبي بكر رضي الله عنه بالتوجه إلى العراق ودعوة أهله إلى الإسلام ورفع الغبن الكسروي عن كاهلهم . وكانت أولى وقائعه في العراق وقعة الحفير، قرب خليج البصرة . وكان اسم صاحبها هرمز، حيث برز إلى خالد بجيشه . وقد روي أن جنوده كانوا مقيدين بالسلاسل كي لا يفروّا . وقد طلبه خالد رضي الله عنه للمبارزة . فبرز إليه . ولم يتجادلا إلا قليلاً، حتى احتضنه خالد، فحمل عليه حراسه، غير أنه سرعان ما عاجله بضربة سيف أودت بحياته، قبل أن يصل إليه الحراس، وكان بين رجال خالد في تلك الموقعة الفارس العربي الشهير القعقاع بن عمرو، وقد حمل بالمسلمين فأزاحوا جنود هرمز وهزموهم، ثم أخذ خالد سلب هرمز، وكان على رأسه قلنسوة الإمارة أو الشرف، وكان قد تم شرفه، حيث جرت العادة عند الفرس، أنه إذا تم شرف الإنسان، كانت قلنسوته بمئة ألف .

ويذكر المؤرخون، أنه بعد اجتماع خالد رضي الله عنه بهرمز، أرسل هذا الأخير كتاباً إلى كسرى يستمده . فأمدّه بجيش عظيم، بقيادة قائد اسمه قارن . وعندما وصل جيش قارن إلى منطق المذار قبل بلوغ الحفير، لقي المنهزمين من جيش هرمز، فاجتمعوا ورجعوا إلى منطقة الثنى حيث يفصل بين جند قارن وجند خالد نهر الثنى .

وعلى ضفاف نهر الثنى كانت وقعة خالد الشهيرة والتاريخية إذ قاتلهم وهزمهم . وقتل وسبى ما لا يعد ولا يحصى من جيش قارن .

وكان كسرى أزدشير قد علم بانهزام جيش هرمز وجيش قارن من بعده وعلى ضفاف نهر الثنى، فسارع إلى إرسال جيش آخر بقيادة الأندرز عز وكان في معظمه من العرب الضاحية والدهاقين . فسار إليهم خالد وأعد لهم كميناً . وحين التقوا عند الولجة . ونشبت بينهم الحرب خرج الكمين على العدو، وأحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم . فقتل منهم من قتل، وانهزم من انهزم . وكان بين من قتل على أرض المعركة قائد كسرى نفسه الأندرز عز نفسه .

فتح الحيرة والأنبار

واستنجد كسرى بجميع رجال بكر بن وائل، وكانوا لا يزالون على النصرانية، فاستنفروا إخوانهم، واستمدوا أزدشير فأمدهم بقائده بهمن جازويه، فقدم لنصرة نصارى العرب بالليس وبقشيناتا . كذلك سار باجان ومعه عرب الضاحية، ونصارى عجل وتيم اللات وضبيعة وجابر بن بجير، فسار إليهم خالد رضي الله عنه، وكانوا على طعامهم، فقاموا للحرب، فهزمهم شرّ هزيمة .

وقصد خالد بعد ذلك بلاد الحيرة في العراق ولما بلغها، صالحه أهلها بعد مناوشات خفيفة . وكان فتح الحيرة في شهر ربيع الأول من سنة 12 ه . وقد كتب خالد رضي الله عنه لأهل الحيرة كتاب الصلح .

وبينما كانت مملكة كسرى في شغل شاغل من الاضطراب السياسي والعسكري، كان خالد بن الوليد رضي الله عنه يتم فتح العراق . فسار إلى الأنبار، وكان بها شيرزاد، فخرج لقتاله، فلم يفلح . وطلب المصالحة، فصالحه خالد . ثم صالح خالد رضي الله عنه من هم حول الأنبار واستخلف عليها الزبرقان بن بدر . وتابع خالد مسيره إلى عين التمر، فاستقبله عاملها للفرس مهران بن بهرام جوبين بجند عظيم . وكان يساعده عقة بن أبي عقة بجمع كثيف من العرب من النمر وتغلب وإياد . فتقدم العرب لمواجهة خالد رضي الله عنه . فاندفع خالد على عقة في صفوفه، واحتضنه وأخذه أسيراً، وانهزم العرب المناصرون له من دون قتال وكذلك مهران، وقد تحصنوا جميعاً في حصن، فنازلهم خالد وافتتحه وسبى من كان فيه . ومن بينهم سيرين بن سيرين، ونصير أبو موسى بن نصير فاتح الأندلس . وسار خالد بعد ذلك إلى دومة الجندل، حيث التقى عياض بن غنم، فخرج الجودي صاحب دومة الجندل يقاتلهما، فأخذ المسلمون الحصن ومن فيه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"