قضايا المرأة المعاصرة

من المكتبة الإسلامية
06:22 صباحا
قراءة 7 دقائق

الحقوق التي قررها الإسلام للمرأة كانت نقلة نوعية، لا في وضع المرأة العربية فحسب، بل المرأة في كل مكان وزمان . فلم تكن المرأة مهضومة الحق في المجتمع العربي البدوي فقط، بل كانت إنسانيتها مهدرة في كل المجتمعات التي عاصرت نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحيث إن الإسلام هو الدين الخاتم وأنه دين الإنسانية كلها في كل زمان ومكان، فقد كان طبيعياً أن تكون أحكامه ومنها الخاصة بالمرأة جامعة مانعة .

كان عصر الرسالة وعصور ازدهار الأمة الإسلامية هي أزهى عصور المرأة، ففي عصر الرسالة تقررت المبادئ بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . واقترن بتقرير المبادئ التطبيق العملي لها . وفي عصر الرسالة وعصور الازدهار ظهرت المرأة المفتية والمستشارة والمحاربة وسيدة الأعمال والشاعرة والأديبة وصاحبة مجالس العلم . وفي عصور الانغلاق والتدهور نال المرأة ما نال الرجل من قمع وخسف وعنت .

وإذا كان الربع الأخير من القرن الماضي قد شهد ثورة في اتجاه تحرير المرأة وإزالة كل مظاهر التمييز ضدها، فإن بعض ما تطالب به الحركات النسائية يمكن أن يكون له أساس شرعي . ومنها ما يمكن أن يواءم بينه وبين أحكام الشريعة . ومنها أيضاً ما يجب رفضه والوقوف في وجهه، لأنه وليد ثقافات مغايرة مجافية للدين . وهذا ما اهتمت برصده الداعية والمفكرة الإسلامية الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات في جامعة الأزهر في كتابها القيم قضايا المرأة المعاصرة . . رؤية شرعية ونظرة واقعية . تعرضت د .سعاد صالح للحديث عن نظام الأسرة في الإسلام، مؤكدة أنه تنظيم شامل لعلاقة الرجل بالمرأة وما يرتبط بهذه العلاقة من حقوق وواجبات، لأحدهما أو لهما معا أو لمن يأتي من أبنائهما وأحفادهما . بل إن نظام الأسرة في الإسلام هو جزء من نظرة الإسلام للخلق وللكون، ولمركز الإنسان في هذا الكون، وللهدف من وجود الإنسان فيه .

ولذلك كان هذا النظام كلاً متكاملاً جامعاً لكل أسباب الخير للإنسان والمجتمع، مانعاً لكل أسباب الشر للإنسان والمجتمع . والناظر إلى مفردات هذا النظام نظرة واعية يقف مبهوراً بما يراه من إحكام بناء، وتوافق النتائج مع المقدمات، وتسلسل العناصر وتتابعها في نسق بديع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

افتراءات المستشرقين

لقد أدركت أوروبا منذ زمن بعيد عظمة الإسلام وقدرته الفائقة على الذيوع والانتشار، كما أدركت أن الإسلام إذا أحسن المسلمون العمل به صاروا قوة من طراز فريد، وأنهم بالإسلام يكونون مؤهلين بحق لريادة العالم أجمع، وأن ماعدا الإسلام من النظم والأيديولوجيات سوف تتهاوى وتذوب أمام الإسلام، كما تذوب كتل الجليد تحت أشعة الشمس وحرارتها .

ولذلك لم تألُ أوروبا جهداً في محاربة الإسلام بكل وسيلة متاحة . وكان هدفها ولا يزال من محاربة الإسلام: إما القضاء التام عليه إن أمكن، وإما تشويه حقائقه لدى المسلمين أنفسهم والحيلولة بينهم وبين الإسلام ليسلبوهم مصادر قوتهم وعزتهم وكرامتهم . وقد اتخذت في سبيل ذلك طريقين هما: التبشير والاستشراق والمستشرقون هم تلاميذ المبشرين بلا نزاع . . وهم بالنسبة لموقفهم من الإسلام ثلاثة أقسام: قسم منصف معتدل، وقسم حاقد شديد العداء والكراهية للإسلام، وقسم محايد . . ولم تسلم كتاباتهم من الخطأ ومخالفة الواقع .

والناظر في مؤلفاتهم يرى أنهم لم يتركوا نقيصة إلا وقد ألصقوها بالإسلام، ولا حقيقة من حقائق الإسلام الناصعة إلا وقد حاولوا طمسها أو تشويه ملامحها المضيئة حسداً من عند أنفسهم (البقرة: 109) كما يقول القرآن الكريم .

وكان نظام الأسرة في الإسلام أحد مواضع الهجوم، فقد نعوا على المسلمين إباحة الإسلام تعدد الزوجات، ونعوا عليهم إباحة الطلاق في الإسلام . . وقد سايرهم عن غير وعي بعض المسلمين الذين استهوتهم أنماط الحضارة الغربية، وأغمضوا عيونهم عما تشقى به المجتمعات الغربية من مفاسد ناجمة عن التعسف أو التفريط في العلاقات الأسرية، الأمر الذي دفع بعض الدول الغربية وفي مقدمتها إيطاليا بلد الفاتيكان إلى إباحة الطلاق وإن كان بشروط متشددة . وإسهاماً في الدفاع عن الإسلام رصدت د .سعاد صوراً عديدة من افتراءاتهم على الإسلام في مجال الأسرة، من حيث تشريعات الزواج والطلاق وخاصة حق المرأة في الطلاق وتعدد الزوجات . . وحاولت في إيجاز بقدر الاستطاعة إظهار سمو التشريع الإسلامي فيها والحكمة منها .

التلقيح وتأجير الأرحام

وتعرضت د .سعاد صالح إلى سؤال فقهي طبي عصري ملخصه: هل يجوز تلقيح الزوجة بنطفة زوجها الذي تعيش معه؟ فأجابت بقولها: لما كان الهدف الأسمى من العلاقة الزوجية هو التوالد حفظاً للنوع الإنساني، وكانت الصلة العضوية بين الزوجين ذات دوافع غريزية في جسد كل منهما، أضحى هذا التواصل والاختلاط هو الوسيلة الأساسية والوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن في جسده واعتمل في نفسه، حتى تستقر النطفة في مكمن نشوئها كما أراد الله، وبالوسيلة التي خلقها في كل منهما لا يعدل عنها إلا إذا دعت داعية، كأن يكون في واحد منهما ما يمنع حدوث الحمل بهذا الطريق الجسدي المعتاد، مرضاً أو فطرة وخلقاً من الخالق سبحانه . فإذا كان شيء من ذلك، وكان تلقيح الزوجة بذات مني زوجها من دون شك في استبداله أو اختلاطه بمني غيره من إنسان أو مطلق حيوان، جاز شرعاً إجراء هذا التلقيح، فإذا ثبت هذا ثبت النسب تخريجاً على ما قرره الفقهاء من وجوب العدة، وثبوت النسب على من استدخلت مني زوجها في محل التناسل منها .

وحول قضية تأجير الأرحام أكدت د .سعاد صالح أن الإنجاب يكون حراماً إذا كان في الأمر طرف ثالث، سواء أكان منياً أم بويضة أم جنيناً أم رحماً .

ميراث الأنثى

وتعرضت كذلك إلى مسألة ميراث الأنثى والشبهات التي أثيرت حولها، وخلصت إلى بيان وجه العدالة في تقرير نصيب الأنثى بقولها: يزعم أعداء الإسلام أنه لم ينصف المرأة إذ لم يسوِ بينها وبين الرجل في الميراث، وجعل نصيبها نصف نصيب الرجل . ومع أن الحكمة في ذلك ظاهرة بليغة وفيها كل الحق والإنصاف، بل وربما كان فيها الإحسان الذي فوق العدل إلا أننا نقول:

1 إن التشريع الإسلامي من وضع رب العالمين الذي خلق الرجل والمرأة وهو العليم الخبير بما يصلح شأنهم من تشريعات . وليس لله مصلحة في تمييز الرجل على المرأة أو المرأة على الرجل: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد (فاطر: 15) .

2 إن الإسلام جعل عبء الأسرة كله على الرجل وأعفى منه المرأة . فالأنثى في غالب أحوالها مضمونة النفقة في الشرع الإسلامي، سواء كانت أماً أم زوجة أم بنتاً أم أختاً . وذلك بعكس الرجل المكلّف دائماً بالإنفاق كما هو مشاهد وممارس في مختلف الأدوار والبيئات من دون استثناء . فالرجل يدفع المهر ولا حد لأكثره، ويتحمل تجهيز المنزل ونفقات الحياة . وفي حالات الطلاق يتحمل نفقة العدة وغيرها من النفقات . وفي هذا المعنى يذكر الشيخ محمد عبده في تفسير المنار: الحكمة في جعل حظ الذكر كحظ الأنثيين، هو أن الذكر يحتاج إلى الإنفاق على نفسه وعلى زوجه فكان له سهمان . أما الأنثى فهي تنفق على نفسها فإن تزوجت كانت نفقتها على زوجها .

3 إذا أضيف إلى ذلك أن القرآن والسنة قد اهتما اهتماماً عظيماً بتثبيت حق المرأة الذي كان مهضوماً، وحمياها من الظلم والإجحاف، ظهر أن في الغمز واللمز أو النقد قلباً للحقيقة وغضّاً لمزايا الشريعة الإسلامية على طول الخط . ومهما تطورت البشرية فلن يأتي طور تنعكس فيه الحال ويكون الرجل عالة على المرأة، أو تكون المرأة هي المنفقة على الأسرة دونه، أو تكون مكلفة بذلك في الأغلب الأعم . وكل ما يحتمل أن يكون، أن طوائف في النساء يعولن على كسبهن في معيشتهن فتقل رغبتهن في التقيد بقيد الزواج . أو يطرأ على الزوج مانع قاهر من صحة أو ظروف يمنعه من الكسب أو من الكسب الكافي، فتبذل الزوجة جهدها في الكسب للإنفاق على الأسرة، أو المشاركة في ذلك . وهذا لن يكون إلا قلة ولن يغير القاعدة الأصلية ويخفف من مسؤولية وأعباء نفقة الأسرة .

4 لا بد أن نفهم أن الإسلام لا ينظر إلى المرأة كفرد، ولكنه ينظر إليها وإلى الرجل كأسرة مكونة من فردين يكونان نواة المجتمع الكبير . فهي تأخذ سهماً وزوجها يأخذ سهمين من مورثه، فتكون النتيجة ثلاثة أسهم لهذه الأسرة . وأخوها يأخذ سهمين من أبيها وزوجته تأخذ سهماً من مورثها، فيكون المجموع ثلاثة أسهم في أسرة أخرى . فهنا تعادلية، وهنا نظرة طبيعية، لأن الأسرة الجديدة تقوم امتداداً للأسر التي انتهت رسالتها في الحياة . فالتكامل موجود بين الرجل والمرأة في كل بيت . ومن تكامل الأسرة يتحقق تكامل المجتمع، ولا مكان بالتالي لهذا الانفصال بين الرجل والمرأة، بل هما كيان واحد لا تستقيم الحياة إلا به .

وعرضت د .سعاد صالح مسألة المرأة المفتية والقاضية وبعد أن شرحت شروط الإفتاء، خلصت إلى التأكيد على أن الذكورة ليست شرطاً في المفتي، ولهذا يصح إفتاء المرأة بشرط أن تستطيع إظهار الحكم الشرعي بأي وسيلة يفهمها المستفتي، ومن المفتيات الشهيرات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وعاتكة بنت زيد، وليلى بنت قائف وأم الدرداء، وأم الشريك .

والأمر نفسه يتعلق بالمرأة القاضية، حيث إن حجب المرأة عن القيام بمهمة القضاء أو الإفتاء لا يستند إلى نهي قاطع من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مما كان عليه عمل الصحابة والتابعين، وإنما يستند إلى رواسب من التقاليد القديمة الراسخة في النفوس، التي كانت ولا تزال تنظر إلى المرأة على أنها أنثى هيأها الله سبحانه وتعالى لأداء مهمة معينة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"