كريمة الشريف ضحكة غابت باكراً

ابنتها تحكي قصتها مع الفن وليلى مراد ويوسف وهبي
04:35 صباحا
قراءة 4 دقائق

رغم مرور عشرين عاماً على وفاتها، مازلت أتذكر ضحكاتها وابتساماتها، حزنها الدائم وكلاماً كثيراً كانت تعاتب به الزمن ويملأ عينيها . . وأخيراً لحظات وداعها التي لم ولن أنسى تفاصيلها الدقيقة وقد حفرها الزمن بداخلي، وكأنه يأبى ألا تفارقني أبد الدهر . إنها والدتي كريمة الشريف أو كريمة علي محمد، تلك الفنانة التي فتحت لها السينما أبوابها بسبب الشبه الكبير بينها وبين سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة .

ولدت كريمة لأسرة فقيرة تعيش في حي عابدين بالقاهرة، ولها من الأشقاء ست كانت هي أصغرهم بل وأكثرهم تدليلاً خاصة من أبيها الذي عشقته وماتت وهي لا تكف عن الحديث عنه وعن ذكرياتها معه . لقد شاءت الأقدار أن يفارقها هذا الأب وهي صغيرة السن، فكان فراقه بداية الألم والوجع وحلم التعليم الذي لم يكتمل، ما اضطرها لترك المدرسة مرغمة وهي في الخامس ابتدائي . فقدان الأب والفقر شكلا وجدان هذه الصغيرة التي كانت دائماً تتجه بأنظارها إلى السينما، فكم كانت تقص على مغامراتها هي وأخواتها البنات حينما كن يذهبن إلى سينما مترو لمشاهدة أفلام زمن الفن الجميل .

كانت كريمة من عشاق الراحلة ليلى مراد، فلا يفوتها فيلم لها، بل إنها جمعت في ما بعد كل أفلامها في مكتبة خاصة بها، وكلما تيسر لها الوقت كانت تجلس لمشاهدة أحد هذه الأفلام مراراً . كانت تعشق صوتها ورقة وعذوبة غنائها، وربما لكل هذه الأسباب مجتمعة، أرادت كريمة دخول عالم الفن، فبدأت مشواره الفني القصير بمحاولة لقاء فنان الشعب يوسف بك وهبي، حيث كانت تتوجه باستمرار إلى كواليس مسرحه، في محاولة للقائه، وكثيراً ما قوبلت محاولاتها بالرفض، إلا أنه وتحت إصرارها ووجودها الدائم في الكواليس، استطاعت لقاء يوسف وهبي وإقناعه بموهبتها، ومن ثم الانضمام إلى فرقته لتقدم معها العديد من الأعمال المسرحية، بعضها قام التلفزيون بتصويره، والبعض الآخر لم يصور، ولعل أشهرها مسرحية بيوم أفندي مع الراحلة أمينة رزق .

بدايات كريمة السينمائية، كانت عام 1962 في فيلم مذكرات تلميذة مع حسن يوسف ونادية لطفي وإخراج أحمد ضياء الدين . ولها مجموعة من الأعمال ليست بالقليلة، تدرجت منذ ستينات القرن الماضي وحتى أواخر الثمانينات، وتحديداً عام 1989 في فيلم قلب الليل الذي يعد محطة مهمة في حياتها الشخصية أكثر من الفنية رغم صغر حجم دورها فيه، إلا أن العمل مع عاطف الطيب مخرجاً ونجيب محفوظ كاتباً كان مبلغ سعادتها، وقد ضم الفيلم بوتقة كبيرة من نجوم الفن المصري منهم: نور الشريف وفريد شوقي ومعالي زايد .

بين الستينات والثمانينات اشتركت كريمة في كثير من الأعمال السينمائية مع كبار نجوم زمن الفن الجميل أمثال سعاد حسني ومحمود ياسين ويوسف فخر الدين وفاتن حمامة ونادية لطفي ورشدي أباظة وغيرهم، ومن أشهر أعمالها: شقاوة بنات، وزوجة من باريس، وحب لا أنساه، والباطنية، وشوارع من نار، الخيط الرفيع .

لكريمة الشريف أيضاً علامات مضيئة في التلفزيون المصري منذ إنشائه، حيث بدأت مع المخرج حسين فوزي عام 1963 في مسلسل شجرة الجميز، إلا أن نضوجها جاء في الثمانينات خصوصاً مع المسلسلات الدينية التي كان يقدمها التلفزيون المصري خلال شهر رمضان، وكم كانت عاشقة للغة العربية الفصحى رغم صعوبة الأداء بها، إلا أن حبها لها جعلها تقدم عدداً من المسلسلات ليس بقليل بالفصحى أذكر منها جمال الدين الأفغاني وموسى نصير . كما اشتهرت كريمة ببرنامج حياتي ذات الحلقات المنفصلة، وكان يقدم في كل حلقة مشكلة اجتماعية أو أسرية في محاولة للوصول إلى حل لها .

بداياتها الإذاعية كانت أمام الفنان الشاب الواعد آنذاك محمود ياسين في أولى بطولاتها الإذاعية مع مسلسل الأيام لعميد الأدب العربي طه حسين، وذلك عام ،1962 وقد قيّدا في الإذاعة المصرية كممثلين بعد هذا المسلسل الذي كان من إخراج حامد حنفي، والطريف في الأمر أن اختيار كريمة لأداء دور الزوجة البارسية لطه حسين، الطالبة بجامعة السوربون، جاء للدغتها الشهيرة بحرف الراء، وهو ما كان يتناسب تماماً مع متطلبات الدور .

الجدير بالذكر أن كريمة كانت عضوة في المسرح الكوميدي التابع لمسرح الدولة، حيث قدمت مجموعة من المسرحيات للقطاع العام منها عنتر 8 مع النجم لطفي لبيب .

ابتعدت كريمة الشريف بعد ذلك عن الأضواء والكاميرات، وقبل سنوات من وفاتها عن الفن، حيث داهمها مرض لعين، فاختارت العزلة مناجية ربها، ترجو لقاءه وتتمنى غفرانه، لا تفارق الصلاة ولا تكف عن قراءة القرآن، وكأنها كانت تستشعر قرب النهاية، أو ربما تتمنى دنوها ليرتاح الجسد من آلام المرض رغم عذاب قلبها لفراق أحبتها، لكنها الحياة لقاء وفراق . قابلت ربها عن عمر قصير لم يتعد الخمسين عاماً، تاركة وراءها أعمالاً ليست بالقليلة، وابنة واحدة تكتب الآن قصة حياتها وتدعو لها بالرحمة والمغفرة، وتختم السيرة بكلمة: أمي رغم وجع الفراق وآلامه، إلا أنني أحس بك قربي، وأهديك أولى كتاباتي، فأنت دائماً الغائبة الحاضرة، ربما ليس في قلوب الكثيرين، ولكنك تظلين دائماً وأبداً الغائبة الحاضرة في قلبي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"