كساد الثلاثينات يغتال مهنة الغوص

أصاب الحياة في المنطقة بالشلل التام
13:26 مساء
قراءة 12 دقيقة

في بداية القرن العشرين، كتب لوريمر في دليله الضخم دليل الخليج يقول لقد قدر لإمدادات اللؤلؤ ان تنضب، فإن تجارة الكويت مثلاً ستصاب بالشلل، في حين أن البحرين قد تفقد خمس عائداتها، أما موانئ ساحل عمان فستختفي من الوجود. (1) وبالطبع، فإن أحداً من أهل الخليج لم يكن يتخيل في ذلك الوقت ان من الممكن ان تصاب هذه الصناعة بانتكاسات مدمرة، ولكن ما حدث لم يكن مجرد كساد أو انتكاسة، وإنما انهيار أبدي لمهنة الغوص على اللؤلؤ. وتحقق ما ورد من افتراضات في مخيلة لوريمر، حيث اصيبت الحياة الاقتصادية في الخليج بالشلل التام. واستعرضنا تطورات مسلسل انهيار اللؤلؤ في الامارات، ومن المهم معرفة ما حدث في أهم ميناءين للؤلؤ في الخليج، وهما الكويت والبحرين، وتأثير ظهور اللؤلؤ الاصطناعي في حياة الناس هناك.

لم تشر التقارير البريطانية الى دخول أي لؤلؤ اصطناعي للكويت في بدايات العشرينات، وحتى عام ،1923 كانت التقارير مازالت تتحدث عن طبيعة التعامل اليومي بين الغواصين والنواخذة ومموليهم، وتظهر المراسلات المتبادلة بين المسؤولين البريطانيين مظاهر الوضع الاقتصادي، وطرق التعامل المختلفة بين مدن الخليج، ويقول الوكيل السياسي البريطاني في رسالة لنظيره في البحرين بتاريخ 3/3/1923 واصفاً الوضع في الكويت بشكل عام، عمليات الغوص في الكويت هي نفس تلك التي ذكرتم في البحرين، ولكن ليس بنفس المدى من استغلال الغواصين، والفرق الرئيسي، وهو فرق كبير، هو أن اطقم السفن تعلم فعلاً ما تم جلبه من اللؤلؤ، وبالتالي يحصلون على نصيبهم بالتقريب، وهناك بعض النواخذة يقومون ببيع اللؤلؤ بطريقتهم الخاصة، ولكن هؤلاء معروفون، وسمعتهم سيئة، ويجدون الآن صعوبة في الحصول على غواصين جدد ليعملوا لديهم، وكثير من الغواصين يكونون مديونين بصفة مستمرة، ولكن ليس كلهم، وكثير منهم يذهب للغوص دون اخذ أي دفعة مقدمة، وأسوأ شيء هنا هم الممولون الماليون، وبعضهم نواخذة، حيث يتقاضون 20% فائدة لتمويلهم أي قارب، ويرفض الممول أحياناً شراء كل اللؤلؤ، وما يشترونه يتم حسب تقييمهم، وأحياناً يتم البيع بشكل متفق عليه عندما يبدي المستلف استعداده لدفع الدين كاملاً وفوراً، وهو ما لا يستطيعه أبداً. (2) وتبدو المعاملات المالية في الكويت مختلفة قليلاً عنها في الامارات، وفي كل الأحوال، كانت تلك هي الأيام الأخيرة لتلك التعاملات، فبعد سنوات قليلة، ستختفي تلك التعاملات تدريجياً وتنتهي الى الأبد، وقد انتشر اللؤلؤ الاصطناعي في الكويت منذ منتصف العشرينات أسوة بما حدث في الامارات وغيرها، ولكن اساطيل اللؤلؤ استمرت في العمل، ويشير تقرير بريطاني الى أن موسم الغوص لعام 1927 كان أفضل للاسطول الكويتي من موسمي 1925 و1926 رغم ان الكميات الوفيرة من المحار حوت في اغلبها محاراً صغيراً. (3) وفي موسم الغوص الكبير صيف عام ،1929 خرج الاسطول الكويتي الذي تكون من 600 قارب الى الهيرات في النصف الثاني من مايو/أيار، وكانت بشائر الموسم طيبة حيث عاد الأسطول في العشرين من سبتمبر/ايلول، وكانت الهيراث التي تقع شمال خط عرض 27 شرق ابو شعاب أوفر صيداً من غيرها، ولكن الركود غير العادي في سوقي نيويورك وباريس أثر سلباً في تجار اللؤلؤ، ووجه لهم ضربة، إذ لم يكن هناك طلب على اللؤلؤ لدرجة ان تجار اللؤلؤ الكويتيين كانوا ينزلون بحصيلتهم من اللؤلؤ الى الاسواق، في الوقت الذي مازال محصولهم من موسم عام 1928 في حوزتهم ولم يستطيعوا بيعه ويتابع التقرير قائلاً من الصعب تحديد الأسباب التي أدت الى هذا الركود، ولكن المؤكد ان كبار المتعاملين في اوروبا لم يبعثوا مندوبيهم الى الخليج، ولم يبدوا ميلاً أو رغبة في شراء اللؤلؤ، وعزا الرأي العام المحلي هذا الكساد الى الازمة المالية في نيويورك في مطلع عام 1929 التي كانت السبب الرئيسي لما يحدث. (4) ولكن شعوب الخليج لم تكن تعلم ما سيحدث في اكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، حيث انهار سوق المال في نيويورك انهياراً تاماً، وانهارت معه معظم اقتصادات الدول الصناعية. ودخلت منطقة الخليج نفقاً مظلماً، وسنوات من الفقر والجوع والحرمان. فكيف كانت الأوضاع في الكويت؟

الكويت وسنوات الكساد

شهدت الكويت كغيرها من مدن الخليج سنوات عجافاً منذ أوائل الثلاثينات، وواقع الأمر أن الكساد الذي ضرب اقتصاد العالم، كان ذا تأثير عميق على الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، مع الفارق في التأثير، فأبناء الدول الغنية أصبح لزاماً عليهم التخلي عن الكماليات من ذهب ولؤلؤ والماس وغيره، فيما دخل أبناء المجتمعات الفقيرة ومنها ابناء الخليج في سنوات مجاعة كادت ان تقضي عليهم، ويشير أحد المصادر الى أن ظهور اللؤلؤ الاصطناعي غير في ازياء المجتمعات الغنية، وتخلت سيدات الطبقة المخملية في اوروبا وأمريكا عن لبس عقود اللآلئ الطويلة الملفوفة مرات عدة حول اعناقهن، عندما كانت تلك من أهم مظاهر المباهاة بالغنى الفاحش بوجود أكبر كمية من اللؤلؤ على اعناق السيدات، ولكن في المقابل فإن التأثيرات الخطيرة على المجتمعات الفقيرة كانت في الصميم، ولم يقتصر هذا التأثير في مجتمعات اللؤلؤ، بل امتد ليؤثر في رحلات الحج، فالتراجع الصناعي سبب هبوط أسعار المطاط والسكر في جاوا وماليزيا اللتين كانتا اثنين من أكبر واغنى مصادر الحج الى مكة والمدينة المنورة، اذ انخفض عدد الحجاج الكلي من جميع البلدان من 100 الى 120 الف حاج في السنة أواخر العشرينات، الى 40 الف حاج عام 1931 و20 الف حاج عام 1933م. (5) أما في الكويت، فقد كان موسم عام 1930 فاشلاً تماماً فيما يتصل بالمبيعات كما تشير الوثائق، ويقول ديكسون المعتمد البريطاني في الكويت والذي قدم وأقام بهامنذ أواخر العشرينات ولسنوات طويلة ان المبيعات كانت ضعيفة للغاية على الرغم من أن المحصول الحقيقي لذلك العام كان في حدود المعدل المعروف، ولم يكن هناك فائض في المعروض من الممكن ان يؤدي الى رخص الاسعار، ويضيف أن هذا الوضع إحدى النتائج لكارثة موسم عام ،1929 وبدأ الأمل يراود التجار الكويتيين بتغير الوضع مع وصول المسيو روزنتال أحد كبار تجار اللؤلؤ الفرنسيين، يرافقه بعض المتعاملين الفرنسيين الى البحرين، وهي سوق اللؤلؤ الرئيسية في الخليج، ولكن خيبة الأمل كانت كبيرة، اذ عادوا ادراجهم دون ان يشتروا أي كميات من اللؤلؤ، وفي نهاية عام ،1930 كان اغنى تجار اللؤلؤ في الخليج أصبحوا فقراء لدرجة أنهم عجزوا عن دفع مستحقات النواخذة والغواصين عن انصبتهم في الموسم السابق على الرغم من تكدس اللؤلؤ في خزائنهم، وأثار هذا الوضع أزمة حادة في الكويت بسبب ثورة النواخذة والغواصين، الأمر الذي دفع بحاكم الكويت الى التدخل والطلب من التجار توفير المال بأية وسيلة لإنهاء هذه الأزمة، وكان أكثر المتضررين هم الغواصين. (6)

تذمر شعبي

ضربت الأزمة الاقتصادية بقوة المجتمع الكويتي، فالممولون الكويتيون وملاك سفن الغوص تأثروا بالكارثة الاقتصادية أكثر من البحارة الذين لا يملكون شيئاً بالأصل ويقول ديكسون في تقرير له عام 1931 نتيجة الكارثة الاقتصادية، كان هناك نقص في الأموال لدى ملاك سفن الغوص عندما بدأ الموسم الجديد في شهر مايو/أيار، ونتيجة لهذه الظروف، اتفق الملاك فيما بينهم وقرروا تخفيض الدفعات المقدمة للغواصين والسيوب، وكما كان متوقعاً، فقد نشأت حالة من التذمر والرفض وسط البحارة، ووصلت الى المدى الذي قرر فيه هؤلاء عدم النزول الى البحر في منتصف مايو/أيار، وتعلل ملاك السفن بأنهم لا يستطيعون ان يدفعوا القيمة المتعارف عليها بسبب الظروف الاقتصادية، واهتم حاكم الكويت بهذه المسألة فأرسل رئيس البلدية للبحث في كيفية تجاوز هذه الأزمة، وبعد مباحثات مستفيضة، وافق حاكم الكويت على القرارات التي أصدرها رئيس البلدية وكانت كالتالي: (1) يمنح كل الطاقم الذي حقق انتاجاً مقبولاً في العام الماضي، قرضاً ومقدماً عن نصيبه في حصاد الموسم السابق بحيث يحصل كل غواص على 55 روبية مقابل 45 روبية للسيب (2) افراد الطاقم الذين حققوا انتاجاً أقل يمنح الواحد منهم 40 روبية للغواص و30 للسيب (3) كل من يعترض هذا الامر سيعرض نفسه للعقاب ويتابع ديكسون: لم يرض هذا الحل الغواصين والسيوب، مما حدا بحاكم الكويت الى القبض على رؤوس وقيادات هذه الحركة وإيداعهم السجن (7) وكانت هذه العقوبة الرادعة والموقف الحاسم من الحكم سبباً في توجه الاسطول الكويتي لمغاصات اللؤلؤ في بداية الموسم، وعلى الرغم من سوء الاوضاع التي كان يعانيها البحارة، وخاصة بعد تخفيض الدفعات المقدمة من الاموال، التي تعتمد عليها عائلاتهم طوال موسم الغوص، إلا ان الاضراب عن العمل لو استمر كان سيشل الحركة التجارية تماماً، فالممولون والتجار في أزمة حقيقية، وهم بالفعل لا يستطيعون تقديم المبالغ المتعارف عليها، ويصف ديكسون الاسطول الخارج للغوص قائلاً: بدأ الموسم بخروج 350 قارباً للصيد، وهو رقم أقل من حجم اسطول اللؤلؤ الكويتي المعتاد المكون من حوالي500 قارب في المتوسط، وعندما عاد الاسطول، كان المحصول بحدود المعدل المعروف، ولكن الطلب على اللؤلؤ كان معدوماً تماماً خاصة في الانواع الجيدة منه، أما الانواع الرخيصة فقد بيعت للهند بأسعار أكثر قليلاً مما كانت عليه عام ،1930 وأدى هذا الوضع الاقتصادي المتدهور الى نشوء الكثير من الصعوبات وخاصة وسط الفقراء، كما أثارت كثيراً من السخط والتبرم. وفي وسط البدو كان التذمر اكثر، فقد كان البدو يعتقدون ان سكان المدن يستأثرون بكل التسهيلات، وخاصة بعدما تفشى مرض السل في المناطق البدوية، وأودى بحياة الكثيرين، الشيء الذي اضطر المقيم السياسي الى التدخل حيث أمر ان يصرف لكل فرد ما قيمته 300 روبية من الارز، كما بذل الحاكم بعض الجهد في هذا الاتجاه، ولكن بقية افراد العائلة الحاكمة لم يقدموا شيئاً على الرغم من انهم يعتبرون من تجار اللؤلؤ، وقد انزعج الحاكم كثيراً بسبب الحصار المضروب على بلاده، وخشي على مصير مزارع النخيل الخاصة بالكويت في شط العرب مما فرض على الحكومة الكويتية ان تنتهج سياسة التقشف والترشيد تحسباً لما قد تؤول اليه الاحوال في المستقبل.(8) ولكن الاحوال ساءت في العام التالي ،1932 حيث يشير ديكسون في تقرير آخر إلى انه لم يخرج في موسم عام 1932 سوى 250 قارباً من مجموع 700 قارب كان يفترض ان تخرج ذلك العام (9). وكان البحارة وملاك القوارب يأملون تحسن الاوضاع، ولكن ها هو العام الرابع من عمر الأزمة، وما زالت الاوضاع كما هي، وحالة اليأس التي لا بد انها اصابت الجميع ساعدت على تفاقم الوضع السيئ، ويبدو ان ملاك السفن لم يرضوا بالقرار الذي أصدره رئيس البلدية عام 1931 بتحديد مبالغ القروض التي تمنح للغواصين والسيوب، وليس واضحاً إن كانوا قد نفذوا القرار أو امتنعوا عن تنفيذه، ولكن الاضطرابات التي نشبت من جديد عام 1932 وسط البحارة في بداية موسم الغوص بسبب السلف والقروض، كانت بسبب القرارات التي اتخذها ملاك القوارب الذين اجتمعوا من جديد قبل موسم عام 1932 واتفقوا فيما بينهم على خفض قيمة القروض مرة اخرى، ويقول ديكسون ان البحارة رفضوا القرارات الجديدة، وقرروا عدم الذهاب الى الغوص، وتدخل الحاكم من جديد، واصدر قراراً يحدد فيه الفئات على النحو التالي: 37 روبية تمنح للغواص، و32 روبية للسيب، ويعلق ديكسون على هذا القرار بأنه رغم ضآلة هذه الارقام، إلا انها كانت بكل المقاييس افضل مما كان ينوي ملاك السفن دفعه (10) ورغم سوء الاوضاع، وثورة الغواصين، وقرارات الحاكم، إلا أن السفن التي خرجت عام 1932 أتت بمحصول جيد أفضل من السنوات الثلاث السابقة ويقول ديكسون مستغرباً بيعت كل النوعيات المنخفضة القيمة الى الهند، وبيعت اللآلئ ذات الاحجام الكبيرة في الاسواق الاوروبية على الرغم من عدم وجود طلب من اسواق اوروبا وأمريكا، ويمكن القول ان محصول 1932 قد بيع كله مما أنعش الحالة الاقتصادية في الكويت، ولم يتبق أمام التجار إلا مخزون اعوام 1929 و1930 و1931 حيث قرروا الاحتفاظ به لبعض الوقت لعلمهم ان اللؤلؤ يفقد قيمته التجارية كلما ظل لفترة أطول لدى اصحابه، ولكنهم ما كانوا ليعرضوا انفسهم للخسارة لأنهم اشتروه بأسعار أعلى بكثير من اسعار البيع المتاحة في الوقت الراهن، (11) ولكن هذه الفترات المزدهرة التي تحدث اثناء فترات الكساد الطويلة لا يعول عليها، وتحدث انتعاشات مشابهة في اسواق الاسهم عندما تنهار لسنوات طويلة، والمشكلة التي يواجهها التاجر في كل زمان ومكان هي عدم القدرة على بيع محصول أو بضاعة اشتراها غالية في اوقات الازدهار في أوقات الكساد، واضطراره الى الاحتفاظ بها أملاً في بيعها في المستقبل وهو عادة ما يؤدي الى جمود عمليات البيع والشراء وتفاقم خسائر التجار، ويبدو المأزق واضحاً في حالة تجار اللؤلؤ في بداية الثلاثينات، فالاسعار التي انهارت عام 1929 دعت التجار للاحتفاظ بمحصول تلك السنة ثم السنوات التالية لها، وهذا التراكم هو الذي ادى الى ازدياد الاحتقان، ومحاولات التجار لتعويض الخسائر بتخفيض قروض البحارة، ولكن تلك الحلول الجزئية أدت بدورها الى تأثر البحارة الذين هم بالاصل طبقة فقيرة، وبالكاد يكفيها ما كان يعطى لها، ويؤكد هذه الحقيقة تقرير آخر لديكسون عن عام ،1933 ويعلق قائلاً: كان عام 1933 بصفة عامة أفضل من الاعوام الاربعة السابقة، فقد بيع معظم محصول اللؤلؤ باستثناء النوعيات الممتازة منه من اللآلى ذات الاحجام الكبيرة، وكان اكثر التجار تأثراً أو تضرراً من الركود الاقتصادي اولئك الذين ظلوا يحتفظون بكميات من اللؤلؤ خلال الخمسة اعوام الماضية حيث انهم في ذلك الوقت اندفعوا لشراء اللؤلؤ عندما كانت الاسعار مرتفعة، أما الآن فإنهم لا يستطيعون بيعها حتى بأسعار تنتج عنها خسارة معقولة، وذلك لأن الاسعار انخفضت كثيراً، وكان أبرز هؤلاء الحاج شملان الذي كان أحد أثرى أثرياء الطواشين. (12)

مدينة صغيرة محاطة بالصحراء

في عام ،1930 كانت الكويت مدينة صغيرة محاطة بالصحراء من كل جانب عدد سكانها يقارب الستين ألف نسمة، ورغم الأزمة الاقتصادية الخانقة، استمرت الحياة تسير بأسلوب بسيط وتقليدي، ولم يتوافر للسكان بين الحربين العالميتين من الغذاء سوى الأرز والسمك وبعض الخضار، ونادراً ما كان يتوافر اللحم، وفي بعض الأحيان لم يكن هناك ما يكفي من الطعام، لذا انتشرت أمراض سوء التغذية (13)، وتكاتف الكويتيون فيما بينهم لمواجهة آثار الأزمة الخانقة، ويقول ديكسون ان كميات اللؤلؤ التي جمعت خلال موسم عام 1933 كانت موزعة على كل القوارب التي خرجت للصيد، ولم يعد للكويت قارب خالي الوفاض بعكس الموسم الذي قبله حيث احتكر عدد قليل من القوارب كل الكمية التي جمعت (14) وكان أمير الكويت مهتماً بتطورات الأزمة، ففي عام 1932 بعث برسالة الى الحكومة البريطانية يقترح فيها عقد مؤتمر يجمع حكام الكويت والبحرين وقطر والسعودية لتحديد مغاصات معينة يحظر الصيد فيها لفترة معينة حتى تستعيد قدرتها الانتاجية، على أن تخصص أماكن أخرى للصيد المؤقت، وكان الغرض من هذا الاقتراح قطع الطريق على الغواصين الذين كانوا يستنزفون الهيرات، واغلبهم من الغواصين الهواة كما يقول التقرير، وربما يقصد بهؤلاء الشركات الاجنبية، حيث يشير التقرير إلى أن موافقة الانجليز على هذا الاقتراح تعني إرسال بعض السفن الحربية للقيام بدوريات في الخليج (15).

موعد مع ثرة جديدة

يقول ألن فاليرز الرحالة الاسترالي الذي اصطحبه الكويتيون في احدى رحلات الغوص عام ،1939 وألف كتاباً بعنوان ابناء السندباد في العام نفسه خرج من الكويت مائة وخمسون مركباً من جميع الاحجام والأنواع للغوص على اللؤلؤ، وكان العدد ينوف على الستمائة قبل اربعين عاماً فقط، وكان الأسطول الذي خرج في ذلك الصيف الذي قضيته في الكويت اكبر اسطول يقوم بذلك منذ بداية الكساد، وفي تلك الاثناء، كان عدد من التجار الذين ضرب الكساد تجارتهم قد انسحبوا كلياً من هذه التجارة، وتركوا لغيرهم من التجار الجدد أن يجربوا حظهم فيها، وكانت منافسة اللؤلؤ الياباني الاصطناعي قد خفت حدتها كثيراً، فقبل سنوات عدة، كان اللؤلؤ الاصطناعي نادراً نسبياً، وكان يستطيع المنافسة بقوة أكبر مما هو عليه الحال في الوقت الحاضر حيث أصبح كثيراً جداً، وفي أحوال كهذه، لم يعد اللؤلؤ يستحق الغوص عليه وصيده، لذلك فإن شاطئ الكويت مملوء حتى هذا اليوم بهياكل مئات من مراكب الغوص ملقاة هناك ومهملة لمدة طويلة جداً، بحيث اصبحت لا تصلح لشيء سوى أن تكون وقوداً للنار، هذا مع أن عدداً كبيراً من المراكب الكبيرة ومعظم مراكب البوم والسنوك انتقلت ملكيتها من أيدي الكويتيين الى ايدي اصحابها الجدد من الايرانيين أو سكان الباطنة أو ساحل الامارات أو ساحل المهرة، واصبحت تستخدم لنقل الركاب والبضائع، لقد نقص عدد المراكب المسجلة في الكويت نقصاً كبيراً في السنوات العشر الماضية، إلا أن عدداً آخر ما زال مسجلاً فيها، وهناك حوض لا يبعد كثيراً عن المستشفى الأمريكي تزدحم فيه المراكب بكثافة كبيرة جداً من جميع الأنواع والاحجام، إلا أن تلك المراكب غدت الآن قديمة ومهترئة بحيث لا يستطيع أي من تلك المراكب أن يبحر من جديد. لقد كانت الكويت منذ مدة طويلة، ولم تزل، ميناء مهماً جداً للغوص على اللؤلؤ لا تفوقها أهمية إلا البحرين غير أن كساد تجارة اللؤلؤ كان كبيراً وقضى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 على كل أمل بازدهار اسواق اللؤلؤ. (16) إلا أن الكويت كانت على موعد مع ثروة جديدة تفوق كثيراً اللؤلؤ، ألا وهي النفط الذي اعلن عن اكتشافه في أواخر الثلاثينات، وبعد الحرب العالمية الثانية اصبحت الكويت منطقة جاذبة للعمالة القادمة من جميع مناطق الخليج وخاصة الامارات للعمل في حقول النفط.

هوامش

(1) Lorimer, Gagetteer of the persiam Gulf Oman, Historical, part2, vol.1, p.2220

(2) From Political Agent, kuwait, to the Political Agent Bahrain, 3 march 1923, Records of the Persion gulf pearl fishries, vol.2, pp.217 - 218

(3) Haworth, Report of Kuwait for the year 1927 the persian Gulf Administration Report, vol.8, p. 40

(4) Dickson, Report of kuwait for the year 1929 thr persian Gulf Administration Report, vol. 8, pp. 65 - 66

(5) مايكل فيلد، التجار، الجزء ،2 ص 37

(6) Dickson, Administration Report for the kuwait for the year 1930 thr Persian Gulf Administration Report, vol. 8, pp. 57-58

(7) Dickson, Administration Report of kuwait for the year 1931, the persian Gulf Administration Report, vol.IX, p. 65 - 66

(8) Ibid

(9) Dickson, Administration Report of kuwait for the year 1932, the persian Gulf Administration Report, vol.IX, pp. 52-53

(10) Ibid (11) Ibid

(12) Dickson, Administration Report of kuwait for the year 1933, the persian Gulf Administration Report, vol.IX, pp. 61-62

(13) مريم جويس، الكويت 1945 - ،1996 رؤية انجليزية أمريكية

(15) Dickson, Report of the year 1932, Ibid (14) Dickson, Report of the year 1933, Ibid

(16) ألن فاليرز، أبناء السندباد، ص 513 - 615

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"