مدرسة «القاسمية».. بدايات الوعي

ثمرة جهود آمنت مبكراً بحق التعليم
01:13 صباحا
قراءة 7 دقائق
الشارقة علي كامل خطاب:

تحتل بعض الأماكن في ذاكرتنا مكانة خاصة، من خلال ما تحمله من ذكريات، وما أرخت له من أحداث وارتباطها بأجيال وتأثيرها في تكوينها.

والمدرسة القاسمية في الشارقة هي منذ بدايتها مركز للإشعاع الثقافي والمعرفي، وإحدى المدارس التي تخرج فيها جيل من الرواد، فعلى أيديهم تشكل الضمير الإنساني في الإمارات عموماً، والشارقة خصوصاً.
كانت المدرسة ثمرة جهود كل من آمن بحق التعليم لكل فرد، مع بداية الوعي بأهمية التعليم النظامي كطريق يمنح الأمة رسم مستقبلها، ودليل نجاحها ما نراه اليوم.

تأسست مدرسة الإصلاح القاسمية «كما كانت تسمى في البداية» في العام 1948، كما ذكرت الكثير من الروايات، في مقدمتها رواية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في كتابه «سرد الذات»، إذ قال سموه:«في شهر سبتمبر من العام 1948، استقبلت مدرسة الإصلاح القاسمية طلابها، حيث كانت مبنية بسعف النخيل، على شكل خيام مغطاة بالخيش، والتي صُب عليها القار السائل، ليمنع الأمطار من اختراق السقف، أما الأرضية، فكانت مفروشة بالحصير الجديد، والتي أحضرت مطوية، لذا عندما تم فرشها، لم تكن لتستوي مع الأرض، فكانت أجزاء منها مرتفعة، وكنا نجلس حتى تستوي مع الأرض. الطلبة في جميع الفصول يجلسون على الأرض، ما عدا الصف الخامس، حيث يجلس الطلبة كبار السن على أدراج كانت منقولة من المدرسة التيمية».
أما عن أول مكان أقيمت به المدرسة، فجاء في «سرد الذات»:«كانت مدرسة الإصلاح القاسمية في الأصل مسكناً لعمي الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، وعندما هجره إلى مسكن آخر، أمر بتحويله إلى مدرسة، بعد إضافة الفصول العديدة إليها قبل سنتين، حيث كانت الحاجة إلى فصول عديدة، لم تكن المدرسة التيمية لتوفرها».

بعدها شهدت المدرسة انتقالات ومراحل عدة متطورة، إلى أن وصلت لشكلها النهائي، وخلال كل طور لها تخرج طلاباً يتحملون مسؤولية الوطن والتعليم وقضاياه، فكانوا نواة تشكل من خلالها ضمير الأمة والشعب الإماراتي وإسهاماتها في التعليم لا تُنكر.

أوائل

لا قيمة لمبنى، وإن كان صرحاً مشيداً، دون أن تكون له فئة تقوم عليه، ولاسيما دور التعليم والتربية. وحبا الله تعالى المدرسة في بدايتها معلمون أفاضل وأساتذة محبون لمهنة الأنبياء والرسل، ليسهموا في بناء عقول من التحق بها من أبناء الشارقة والإمارات، في هذا الوقت، والكثير منهم أرخ له صاحب السمو حاكم الشارقة في «سرد الذات» فذكر منهم «الأستاذ فاضل، وهو أحد المعلمين الأوائل الذين درسوا بالمدرسة» وجاء بوصفه أنه: «كان رجلاً أدكن يلبس ثوباً وصدرية وعصابة على رأسه، جميعها بيضاء ناصعة، أتى إلى الشارقة، من دبي، مع الشيخ سعيد بن بطي المكتوم».

أما عن مهارته فقال سموه «للأستاذ الفاضل خط جميل، تعلمت على يديه أول الكتابة، وكانت على ألواح سوداء والأقلام من حجر لونها قريب من البياض، ومنها ما هو ملون بعدة ألوان» وفي موضع آخر تحدث الكتاب عن وفاة الأستاذ في 1951.
ومن أوائل المعلمين أيضاً الأستاذ نصر الطائي، وكان معلما للغة الإنجليزية في العام 1951-1952، وجاء في «سرد الذات» عنه «أما مدرس الإنجليزية الأستاذ نصر الطائي، فكان شديداً في معاملته للطلبة، ولم يسلم منه أي طالب دون عقاب، إلا أنا «المؤلف» فلم أنل منه إلا المعاملة الحسنة».
وعن تركه العمل بالمدرسة جاء «في أبريل سنة 1952، تم الاستغناء عن الأستاذ نصر الطائي، لشكوى لسعود بن سلطان القاسمي الطالب في الصف الرابع حينذاك، الذي اشتكاه لأخيه الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، فأبعد الأستاذ نصر الطائي عن المدرسة، وعن الشارقة كلها».
وجاء في«سرد الذات» أيضاً أن «من المعلمين«بك ماستر» مساعد الضابط السياسي البريطاني، في الوكالة السياسية البريطانية بالشارقة، والذي تبرع بالتدريس، بدلاً من الطائي ولم يستمر كثيراً».
ومن المعلمين من كان طالباً بالمدرسة وتم اختياره للعمل بها، فوفق «سرد الذات»: «عُين الطالب علي أبو رحيمة شقيق ناظر المدرسة، فاستلم التدريس في الصف الخامس، وقام بتأليف وتمثيل أول مسرحية في المدرسة بعنوان «الحطاب وبنت السلطان».
ومن المعلمين أيضاً «الأستاذ أحمد قاسم البوريني، فقد أتى مبعوثاً من الكويت في العام 1953 لينضم لهيئة التدريس، والذي أوكلت إليه قيادة فرقة الأشبال في العام 1955، وبعدها بعام في شهر نوفمبر، انضم الأستاذ محمد ذياب الموسى الذي أسس أول فرقة كشفية في الإمارات والشارقة».
كما انضمت البعثة المصرية المكونة من الأستاذين عبد الرحيم محمد وغريب عبد الصالحين.
وكان من أهم المعلمين الذين عملوا بالمدرسة الأستاذ فائز أبو النعاج الذي استبعده الإنجليز من المدرسة في 1957 وجاء في «سرد الذات»: «لم تفلح محاولات الشيخ صقر بن سلطان القاسمي نفعاً لإبقائه، حيث برر ذلك بأنه المدرس الخاص لابنه». كما جاء في الكتاب ذكر معلمين آخرين منهم الأستاذ عبد الله القيواني.
تقلد عدد كبير من الأساتذة النظارة في المدرسة في بدايتها، وبجهودهم ورؤيتهم استطاعت تحقيق أهدافها في استقطاب طلاب الشارقة والإمارات للانضمام إلى المنظومة العلمية وليكونوا هم مسؤولي التعليم والثقافة في ما بعد.
وجاء في «سرد الذات» أن أول ناظر للمدرسة «كان الأستاذ محمد بن علي المحمود، وكان شديداً في تطبيق الأنظمة المدرسية، واستمر لعام واحد، وانتقل للعمل بقطر».
أما الناظر الثاني فكان الأستاذ مبارك بن سيف الناخي، وجاء في «سرد الذات» أنه «بعد انقضاء فصل الصيف، عدنا إلى الشارقة، حيث فتحت مدرسة الإصلاح القاسمية بابها للدراسة للعام 1949-1950، وهي المدرسة المقامة بسعف النخيل، وحضر معظم الطلبة والمدرسين، إلا ناظر المدرسة الأستاذ محمد بن علي المحمود الذي انتقل إلى قطر للتدريس هناك، واستبدل بالأستاذ مبارك بن سيف الناخي».
لم يستمر الناخي ناظراً إلا لعام واحد، ثم انتقل إلى التدريس في قطر.
في العام الدراسي 1949-1950، وعندما تحول اسم المدرسة إلى «القاسمية» كان ناظرها أحمد بن محمد أبو رحيمة، الذي سافر إلى السعودية في العام 1952.
وفي العام الدراسي 1952-1953، أحضر من البحرين أستاذ يدعى إسماعيل ليكون ناظراً للمدرسة، ثم تولى الإدارة الأستاذ مصطفى طه المبعوث من دائرة المعارف الكويتية في العام الدراسي 1953-1954.
في العام الدراسي 1955- 1956، أصبح الأستاذ ذياب الموسى ناظراً، لكن حسب «سرد الذات»: «أتى الضرر الأكبر على المدرسة القاسمية عندما تقرر منع الأستاذ محمد ذياب الموسى من العودة إليها في العام الدراسي 1957 -1958، فقد كان يضيف أنشطة مدرسية كل سنة».

الأنشطة


لم ينس القائمون على المدرسة أن الأنشطة المدرسية، يجب ألا تنفصل عن المجتمع وما يجري به من أحداث اجتماعية وسياسية وثقافية وعلمية بجانب التربية والتعليم. وعلى الرغم من حداثة فكرة التعليم النظامي آنذاك، إلا أن الخطة المستقبلية التي وضعت ضمنت مسايرة الركب، فكان منتوجها التعليمي قادراً بوعيه وإدراكه على السير سريعا لتحقيق المستقبل الذي بين يدينا الآن.
كان للمدرسة دور في أن يقوم الطلاب بالأنشطة في المناسبات الوطنية والاجتماعية والدينية، وجاء في«سرد الذات» أنه: «يوم الأربعاء 12 مايو سنة 1951، صبيحة ذلك اليوم خرجنا من المدرسة القاسمية، واتجهنا إلى الساحة الأمامية للحصن، وقمنا برفع علم الشارقة، وفي مقدمتنا مدير المدرسة، الأستاذ أحمد بن محمد أبو رحيمة والمدرسون» وكانت هذه مراسم اعتراف الإنجليز بالشيخ صقر بن سلطان القاسمي، حاكماً للشارقة.
وجاء أيضاً أنه «في شهر نوفمبر من العام 1951 زار الشارقة الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير الكويت، وفي مجلس الشيخ صقر بن سلطان القاسمي حاكم الشارقة في الحصن، قدم الأستاذ أحمد أبو رحيمة الطالب تريم عمران ليلقي كلمة الترحيب».
وقال صاحب السمو حاكم الشارقة في«سرد الذات»: «في شهر مارس سنة 1952 زار المدرسة القاسمية وفد تربوي من الكويت بقيادة يوسف الفليج التاجر المعروف للاطلاع على مستوى التعليم، وأقيم حفل ترحيبي، وألقيت القصائد والخطب، أما أنا فقد كتب لي الأستاذ نصر الطائي كلمة باللغة الإنجليزية ألقيتها فأعجب بها الحضور».
في العام الدراسي 1952-1953، تغيرت الكثير من الأمور في المدرسة، ورصد «سرد الذات» هذه التغيرات وذكر ملامح منها في ثنايا عرضه الأحداث، التي لا تنفصل المدرسة عنها، إذ جعلها جزءاً منها في جميع المراجل والأحداث.
ومن أهم الأنشطة أيضاً «تأسس فريق الكرة بالمدرسة في العام الدراسي 1953-1954 بعد انضمامها لدائرة المعارف الكويتية» و«تأسست أول فرقة كشفية بالشارقة والإمارات كلها على يد الأستاذ محمد ذياب في العام 1954، وكان العريف الأول لها «سلطان بن محمد القاسمي»، وفي يناير من العام التالي تم تأسيس أول فرقة أشبال في الإمارات بالشارقة، وأوكلت قيادة فرقة الأشبال إلى الأستاذ أحمد قاسم البوريني وكان العريف الأول لها «سلطان بن محمد القاسمي» كما تم تشكيل فريق لكرة القدم».
وأيضاً «أقيم المهرجان الرياضي السنوي، ومشاركة الكشافة في المخيم الكشفي في الكويت، وكان يحضرها شيوخ الإمارات كل عام، مع جمع غفير من سكان الشارقة ودبي، وكانت تجمع التبرعات لبناء فصول دراسية جديدة لاستقبال الطلاب».

طلاب


استقطبت القاسمية دارسين مهمين، تقلدوا أعلى المناصب، ويسجل التاريخ أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة كان أحد طلابها، إذ عاصر المدرسة في عامها الأول، و كان عمره آنذاك تسع سنوات، وانتقل من الصف الثالث إلى الخامس مباشرة بعد امتحان مستوى أجراه له ناظر المدرسة مع الأستاذ نصر الطائي، ليكمل عدد الطلاب في الصف الخامس.
ومن طلاب الشارقة أيضاً أحمد المدفع وابن عمه عمر، ومحمد الشامسي عبدالعزيز المدفع، ومحمود خير الله وعبدالله عمران تريم، وحميد ناصر العويس وزير الكهرباء، وحمد المدفع وزير الصحة. ويشغل الكثيرون من أبناء المدرسة القاسمية مواقع بارزة في الدولة.

تجديد

في صيف العام 1950 لحق الكثير من التطورات مدرسة الإصلاح القاسمية فاستبدل المبنى السعفي بآخر من أحجار المرجان والجص، وأصبح مقرها بيت "إسماعيل البريمي" التاجر المعروف في الشارقة والذي اشتراه منه الشيخ سلطان بن صقر القاسمي ليكون المدرسة البديلة. 

وجاء في «سرد الذات» وصف دقيق للمبنى الجديد مفاده أن المدرسة البديلة بها خمسة فصول لدراسة الطلاب، وفصل وضع عليه ساتر من سعف النخيل للطالبات، وغرفة مكتبة، كما استبدل اسم المدرسة من مدرسة الإصلاح القاسمية إلى«القاسمية». وفي العام 1955، انتقل الطلاب إلى المبنى الجديد، على طراز حديث، في منتصف المسافة بين الشارقة والقاعدة البريطانية، وترك بيت ابن كامل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"