معالم عربية ... خان المير يدخل خارطة صيدا الثقافية

أنشأه الأمير فخر الدين لإقامة التجار الأوروبيين
05:39 صباحا
قراءة 4 دقائق

كانت صيدا تسمى خلال العهد الفينيقي ب صيدون وكانت مكونة من بلدتين: صيدا الكبرى، وصيدا الصغرى، الأولى بمحاذاة الشاطئ، والثانية على التل وهي قائمة حالياً في الموقع نفسه الذي كانت تشغله المدينة القديمة، علماً أن المدينة الحديثة امتدت إبان استردادها من قبل المسلمين، نحو الشمال الشرقي بموازاة الساحل، وهي قليلة العمق نحو الداخل، وبذلك تشكل صيدا مثلثاً كبيراً رأسه اللسان البحري وقاعدته سفوح التلال للناحية الشرقية، وضلعاه نهرا الأولي وسينيق، وعلى مسافة قصيرة من الساحل توجد جزيرة صخرية تدعى الزيرة وفيها منارة لهداية السفن، وقد انحصرت صيدا الوسيطة ضمن السور حتى منتصف القرن التاسع عشر، ثم أخذت بالتوسع نحو الشرق والشمال حديثاً .

وصيدا هي مركز محافظة لبنان الجنوبي حالياً، وكانت عاصمة الإمارة المعنية في عهد فخر الدين المعني الثاني، ويحد صيدا من الشمال نهر الأولي، الذي عرف قديماً بنهر بوسترانوس، ثم الفراديس، بالإضافة إلى نبع السبع أعين الذي استمر غزيراً حتى مطلع القرن العشرين، وهناك عائلة صيداوية تكنى بهذا الاسم في أيامنا، كما يحدها من الجنوب نهر سينيق ويليه جنوباً نهر الزهراني .

وكثرة الأنهار والينابيع في مدينة صيدا، كانت من العوامل التي ساعدت على خصوبة سهولها وشهرتها عبر التاريخ بالأشجار المثمرة وجنائنها وبساتينها اليانعة وتشهد على ذلك أقوال الجغرافيين القدامى من العرب والأجانب الذين أسهبوا في وصف ثمارها وخضرة أراضيها .

وتطل على صيدا روابٍ جميلة، تزينها بأشجار البساتين وهي رابية شرحبيل بن حسنة في بقسطا، ورابية البيضاني في الهلالية، وتلة السيدة في عبرا، وتلة مار الياس في حارة صيدا، وتلة المية ومية، وتلة سيروب في درب السيم .

خانات صيدا

وصيدا اشتهرت قديماً بالتجارة والملاحة والصباغ الأرجواني وصناعة الخزف وصياغة الحلي، وصنع الزجاج وخاصة الملون منه، ومازالت إلى اليوم تحتفظ بأزقتها وعقودها وحرفها الموروثة منذ القرون الوسطى وهي اليوم تتجدد ضمن مشروع بلديتها لتجديد الإرث الثقافي للمدينة .

وقد كانت خاناتها محط الرحالة والتجار الغربيين الذين كانوا يقصدونها لاستطلاع أسواق الشرق، وكان في صيدا ستة خانات هي: خان الرز، وخان المطرانية، وخان الشاكرية، والخان الفرنساوي، وخان القشلة القديمة، وخان المير أو خان الفرنج الذي بناه الأمير فخر الدين في حدود العام 1620 م بعد عودته من منفاه في إيطاليا، بعدما يئس من دعم توسكانه له في مواجهة العثمانيين، فقرر القيام بنهضة عمرانية تجارية واسعة، وقد بنى خان المير ليكون محطة للتجار الأوروبيين .

والخان عبارة عن بناء من الحجر الرملي، مربع الشكل، كبير المساحة، يتوسطه صحن مربع أيضاً، وتحيط به أربع مجنبات كل منها يتألف من سبعة عقود منكسرة تكون بوائك تطل على غرف، وهو مكون من طابقين، الأعلى للنزلاء، والأسفل عبارة عن مخازن للحبوب والصادرات وحظائر للخيل .

والبناء مربع الأضلاع والزوايا، طول كل جانب منه نحو مئة وخمسين قدماً ويتم الدخول إليه من الخارج من باب ضخم عالٍ معقود بأحجار ضخمة من جهة الميناء مبني وفق الفن المعماري الإسلامي متزاوج مع الطراز التوسكاني وهو يدل على النهضة العمرانية التي عرفتها صيدا في عهد فخر الدين، وكان يوجد في ساحته الداخلية حوض انيق من الرخام يتم جر الماء إليه من الخارج، ويلفت الانتباه فيه تلك الأروقة المسقوفة المعقودة التي تطل عليها الغرف .

الجزار والزلزال

وكان يحيط بالخان قصور آل معن التي حملت أسماء مالكيها في ما بعد، وهي قصر أباظة وقصر دبانة وقصر الغفري ودار سليمان باشا الفرنساوي، وقصر اباظة حالياً لم يبق منه إلا بعض الآثار الدالة عليه، أما دار سليمان باشا الفرنساوي فقد تهدمت منذ أمد بعيد وكذلك قصر الغفري، أما قصر دبانة فإنه ظل محتفظاً برونقه ومعالمه، وقد أنشأ ال دبانة عام 2000 مؤسسة للعناية به وصنف كمعلم تاريخي عام 1968 وقد امتازت هذه الأبنية بطرازها الذي يمزج بين الفن الإسلامي العربي والفن التوسكاني وتغطي أرضها قطع الرخام الأبيض والملون إضافة إلى تلون زجاج نوافذها بمختلف الألوان كما كانت جدرانها وعقودها تضم آيات من القرآن الكريم وأمثالاً وحكماً بخط جميل . إلا أن أحمد باشا الجزار وبعد زوال حكم الأمير فخر الدين المعني قام بطرد كامل السكان والتجار الفرنجة من صيدا، وجعل من عكا مقراً لحكمه وولايته ما أدى إلى انحطاط الوضع العمراني والاقتصادي في صيدا، ثم أصاب مدينة صيدا زلزال رهيب عام 1837 دمر معظم منشآتها، وقام سليمان باشا النمساوي (الفرنساوي) بإخراج المدينة من دمارها وأحاطها بسور من جهة البر، لتعود المدينة وتتعرض عام 1840 لقصف مدفعي من قبل الضابط البحري نابييه فترك ذلك انعكاساته على مبانيها .

وقد تحول خان الفرنج في عهدة الانتداب الفرنسي على لبنان إلى مقر للآباء الفرنسيسكان ليصبح اليوم تحت إشراف مؤسسة الحريري التي أعادت ترميمه وتجهيزه ليتحول إلى مركز ثقافي يتم فيه إحياء الحفلات الفنية والمعارض والنشاطات الثقافية طيلة العام وخاصة خلال شهر رمضان المبارك حيث تفد إليه فرق التواشيح الدينية، والفرق المولوية لإحياء السهرات الرمضانية فيه للزوار اللبنانيين والعرب حيث تتحول ليالي صيدا إلى نهار يشع بالأنوار وذكر الله .

ويقصد السياح العرب هذا الخان لشراء الأشغال اليدوية من بيت المحترف اللبناني .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"