مفردات العمارة الإسلامية تحاور البصر

تتميز بالوحدة والتنوع
12:22 مساء
قراءة 4 دقائق

(الفن الإسلامي) مصطلح واسع، يشمل العمارة والفنون التطبيقية والحِرف والصناعات والمشغولات اليدويّة والخط العربي، وضروب أخرى كثيرة من الفنون والمهن، ارتبطت تارة بالعمارة، وتارة أخرى بفنون الكتاب والحياة اليوميّة للإنسان المسلم المنتمي إلى شعوب وأمم مختلفة، موزعة في أركان المعمورة كافة، ومع ذلك، للفن الإسلامي شخصيته المتفردة، ووحدته القوية، وهذه حقيقة ليست موضع جدال، ولكن بالمقابل، وبناءً على أنه آخر وليد في فنون العالم القديم، يدين بالكثير للفنون التي سبقته. أخذ منها ما شاء وانتخب من عناصرها المناسب والملائم، ثم هضمها وأعاد صياغتها من جديد، مانحاً إياها طابعه الخاص، وشخصيته المتميزة، بحيث صار من الصعب التعرف إلى أصولها الأولى، والمنصات التي انطلقت منها.

لم يحتج الفن الإسلامي لأكثر من قرن من الزمن، لكي يترسخ، ويتأصل، ويكتسب وحدته المتينة التي لا تدل إلا عليه، وهذه الوحدة، ازدادت نضجاً وبلورةً ووضوحاً، مع مرور الزمن، بحيث تلاشت تماماً، التأثيرات الأخرى التي حملها في بداياته الأولى.

وباعتبار العمارة أبرز وأهم ضروب الفنون الجميلة، وكانت في البداية مرافق مكرسة (في معظمها) لخدمة الدين، فقد كانت العمارة الدينيّة أول مَنْ لقي الاهتمام من قبل المسلمين الذين تفردوا بأن لديهم صلاة يجب أن تؤدى خمس مرات في اليوم الواحد، الأمر الذي يتطلب وجود مكان خاص لأدائها فيه هو (المسجد) أو (الجامع) الذي بدأ منشأة معماريّة بسيطة، نُفذت من مواد وخامات البيئة الأقرب، ثم تطور ليصبح تحفة معماريّة وفنيّة، فيها الكثير من الإعجاز، كونها نُفذت من قبل مواهب توفرت لديها الخبرة والمعرفة، وسكنها الإيمان المطلق بما تبدع، ولمن تبدع. بعد ذلك، لحق تطور العمارة الإسلامية (وهي الحاضن الرئيس لباقي أجناس الفن الإسلامي الأخرى) تطور مماثل، شمل العمارة الداخليّة (التزيين) والمشغولات والحِرف اليدويّة، والأثاث، وتفاصيل أخرى كثيرة، تتعلق بالعمارة الخارجيّة والعمارة الداخليّة.

فبعد أن اقتصر المسجد (في البداية) على مئذنة، وقبة، ومجموعة من الأقواس، والقناطر التقليديّة المكرورة. وعلى زخرف بسيط في الداخل والخارج، أعمل المعماري المسلم خياله، ووظف مواهبه وقدراته الابتكاريّة، ليخرج بتصاميم جديدة، حافظ فيها على المرافق والوظائف الأساسيّة التي يؤديها، إنما بصيغ وطرز وأشكال حديثة، تتوافق وتطور تقانات البناء، وتنسجم في الوقت نفسه، مع مواد وخامات وخصوصيّة البيئة الموجود فيها.

بمعنى أن المعماري المسلم، خرج عن المألوف والسائد، في بناء المساجد وتزييناتها وأثاثها، وأبدع أشكالاً معماريّة جديدة، تثير العين، وتغازل الإحساس، وترضي الذوق، وتناجي الروح، وتؤدي وظيفتها المنوطة بها في الأساس، بيسر وسهولة، وهي تأمين المكان المناسب والسليم والجميل، لتأدية فروض العبادة، لاسيما الصلاة.

في العمارة (وفي الفنون الإسلاميّة عموماً) تبرز خصوصية البيئة، من خلال التصميم الجمالي، ومواد وخامات العمارة، فهي في إسبانيا والمغرب، اعتمدت الحجر والخشب. وفي الصين وإندونيسيا وتايوان وماليزيا، اتخذت من الخشب الملون مادة أساسية لها. وفي الهند وباكستان وإيران والدول العربية، استعملت مواد وخامات عديدة منها: الحجر، والاسمنت، والمعدن، والخشب، والقرميد، والقاشان. وفي البلدان الإفريقيّة، نُفذت المساجد بشكل عفوي، بسيط، وجميل، من الطوب الطيني، والخشب، على هيئة كتل فراغيّة مفعمة بالحركة التلقائيّة المعبّرة عن دفء وروحانيّة الإنسان المسلم في هذه البلاد، حيث قام بانيها بسكب شعوره وإحساسه وإيمانه دفعة واحدة، في هذه التصاميم التي حملت بكثير من الإدهاش، خصوصيّة البيئة الناهضة فيها.

لقد حرصت العمارة الإسلاميّة على أن تكون بنت بيئتها ومنسجمة مع النسيج العمراني للمكان الناهضة فيه، ومتوافقة مع وظيفتها المنوطة بها، حيث اكتسبت هذه العمارة، وبالتدريج، خصوصيتها الإسلاميّة الصرفة، ضمن منظومة جمالية فريدة، قائمة على القيم الفنيّة التجريديّة، للأشكال والعناصر وتشكيلات الخط العربي الرشيقة، التي ارتبطت بالزخرفة النباتيّة والهندسيّة، نفذها الفنان المسلم، بنوع من الصوفية العميقة، قادته إلى حالة إبداعيّة، تلاشى من خلالها مع منجزه، مرضاةً للخالق، وتقرباً منه.

في القرن التاسع الميلادي، كان بالإمكان، وبسهولة، التأكد من أن تاج عمود بسلته اللطيفة، وأوراق الاكانتوس التي تغلفه، موجود في مسجد في دمشق أو القاهرة، مستوحى من الطراز الكلاسيكي الكورنثي. وفي القرن الحادي عشر، أصبح من الصعوبة تحديد هوية الأصل الذي جاءت منه، هذه العناصر المعماريّة. وفي القرنين الثالث عشر والرابع عشر، أصبحت هذه المهمة شاقة، لاسيما بعد أن حوّر هذه العناصر المعماريّة، في بلدان الإسلام المختلفة، عشرون جيلاً من المعماريين والفنانين والمزخرفين والحرفيين.

والحقيقة المؤكدة، أنه رغم تنوع مصادر الفنون الإسلاميّة (وفي طليعتها العمارة) واختلاف موادها وخاماتها وبيئاتها، جمعتها وحدة فنيّة مردها جملة من الأسباب، أبرزها وأهمها، روح الرسالة الإسلاميّة المتمثلة بوحي النبوة، واستمرارها في التأثير القوي، على المعماري المسلم، عبر عصور الإسلام المختلفة. إذ ظلت نظرة الرسالة الإسلاميّة مثاليّة إلى وحدة المؤمنين، والجماهير الواحدة المجسدة في الأمة، القادمة مما تنص عليه هذه الرسالة من الإيمان بوحدانيّة الله، ووجود الثواب والعقاب، أو الجنة والنار، وحياة الخلود بعد الموت، وهذه قواسم مشتركة بين مذاهب الإسلام كافة، الأمر الذي أثر وبقوة، في الفنون البصريّة الإسلاميّة، ومنحها هذه الوحدة المدهشة التي تجمعها، تماماً كما فعلت اللغة العربيّة التي نزل بها القرآن الكريم، وتوضحت من خلالها، تعاليمه، حيث شكّلت هذه اللغة، الوسيلة الرئيسة لتعلم أصول الدين وقواعده وتعاليمه، وتبادل الآراء والأفكار المكتوبة، بين المسلمين، على اختلاف الأمم التي يتحدرون منها. كل هذه الأشياء مجتمعة، كوّنت رؤية وإدراك الآخرين للفنون الإسلاميّة المرئيّة، وأبرزت وحدتها وتوافقها، رغم تنوعها، ذلك لأنها لم تكن جامدة، وليست واحدة في ذاتها، في كل مكان، بل هي حيّة كاللغة، والتغيير فيها قانون. ومن العوامل التي أسهمت في وحدة الفنون الإسلامية، المنحى التاريخي، والمناخ، والتجارة، وطرق المواصلات الرئيسة، والأذواق التي شكّلها المناخ الفكري الواحد، وقبل هذا وذاك، شكّلها الإسلام نفسه، إذ يبقى العامل الديني أهم وأبرز عوامل قيام هذه الوحدة، وتالياً فاعليتها واستمرارها وبقاؤها، وتجدد جمالياتها بشكل دائم.

من أوراق ندوة العمارة الإسلامية التي أقيمت مؤخراً على هامش

مهرجان الفنون الإسلامية في دورته الثالثة عشرة نقش ورقش

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"