مفهوم الوحدانية في الشريعة

في ظلال الإسلام
02:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

لعل الشريعة الإسلامية التي انبسطت لها نفوس المؤمنين بعد التنزيل ورفع لواء الرسالة المحمدية، إنما كانت شجرة الإسلام الحقيقي . وكانت لها أصول وفروع وثمار . والله تعالى هو الذي غرس هذه الغرسة، حتى صارت شجرة في أرض الإسلام . وقد أرسل لها نبياً صادقاً أميناً يتعهدها، ويعمل من أجل نموها واستمرارها طوال عمره، وبكل ما منحه اللّه من إيمان قوي وحكمة متينة، وهو الرسول العربي محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه وسلم حتى كان لشجرة الإسلام أصولها وفروعها .

الركن الأول للعقيدة

تأسس مفهوم الوحدانية في الإسلام على الركن الأول الذي يستجمع أصول العقيدة الإسلامية وفروعها كافة، وهو توحيد اللّه عز وجل، وصدق رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي تدعو إلى نشر مفهوم الوحدانية التي تكرمت البشرية بها . ولذلك كانت الحملة الشديدة لإبطال ما كان عليه العرب من عبادة الأصنام والأوثان وجميع مظاهر الشرك، لأجل التوحيد المطلق في الذات والصفات والتوجه إلى عبادة اللّه الواحد الأحد، وابطال الشرك به ومحاربته من دون هوادة .

من خلال مفهوم الوحدانية للخالق عز وجل وبسبب صدور الأمر الإلهي بوجوب التوحيد، يا أيها المدثر قم فأنذر انطلقت شرارة الحرب على شعلة الإسلام التي رفعها النبي صلى الله عليه وسلم بأمر إلهي، ونشب الصراع بينه وبين تجار الأصنام والمتعبدين لها من قريش وأهل مكة . إذ وجدوا في مفهوم الوحدانية ما يبطل عباداتهم وتجاراتهم بأصنامها، وهم الذين كانوا يتوهمون أنها تعطي وتمنع وتضر وتنفع، وتفرق وتجمع . ولهذا حملوا على محمد نبي الوحدانية صلى الله عليه وسلم والمبشر بها ورافع شعلتها عالية في مكة وشعبها، داعياً إلى عبادة اللّه الواحد الأحد، مصداقاً لقوله تعالى: وإلهكم إله واحد، لا إله إلاّ هو الرحمن الرحيم (البقرة: 163)، كما يقول سبحانه في سورة الإخلاص: قل هو اللّه أحد اللّه الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .

وشهادة المؤمن (لا إله إلا اللّه)، هي اعتراف بلسانه عما يعتقده بقلبه عن علم ويقين، أن لا معبود إلاّ اللّه . وهذه هي الشهادة والاقرار بوجود اللّه وبوحدانيته على حدّ سواء . ويقول العلماء والفقهاء الأجلاء، إن كلمة اللّه هي العلم الذي يطلق على الخالق، وكلمة تدل على المعبود . ولهذا فإن الابتداء بالانكار لأجل الاثبات في القول لا إله، إنما هو نفي لكل معبود في الوجود وابطال لعبادته، وإلاّ اللّه، تفيد الحصرية والاثبات معاً، لعبادة المعبود بحق، وهو اللّه سبحانه وتعالى، رب العالمين الخالق والرازق، والمحيي والمميت . ولا ريب أن للعقائد سلطاناً على الأعمال البدنية، وما يكون في الأعمال من صلاح أو فساد، فإنما مرجعه إلى صلاح العقيدة أو فسادها . فالتوحيد في الإسلام إذاً، الخالص من كل شائبة، والصادر من القلب، تتبعه جميع الفضائل الإنسانية النبيلة .

نفي التعددية

إن مفهوم الوحدانية، يشتغل في العقيدة الإسلامية، على نفي التعددية التي تفسد العالم مصداقاً لقوله تعالى: لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا (الأنبياء: 22) أي لو كان يقوم في خلق السموات والأرض آلهة غير اللّه، لفسدتا . أي لم توجدا، وبما أن وجودهما حقيقة مشاهدة (السماء والأرض)، فهذا مما يثبت وحدانية اللّه، وأن ليس فيهما غير اللّه، فهو المنفرد بالألوهية، وهو المفهوم الذي تقوم عليه العقيدة الإسلامية .

ومفهوم الوحدانية، ينفي أيضاً أن يصح صلح بين الآلهة، إذ مرتبة الألوهية تقتضي الغلبة المطلقة والسلطة المطلقة التامة، مصداقاً لقوله تعالى: إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض (المؤمنون: 91) فمفهوم الوحدانية الراسخ في العقيدة الإسلامية، والذي يشكل بالتالي عمودها الأساس الذي تقوم عليه، إنما يقام في مقابلة من يعتقد بالتعددية، وهو يشكل رادعاً قوياً عن دعوى التعدد من خلال فهم الوحدانية فهماً صحيحاً لا تشوبه شائبة . والمؤمن الذي يتحصن بها لا يخضع إلا للّه ولا يقبل سلطان أحد عليه إلا سلطان اللّه عز وجل . وهو حر في تفكيره، مستقل في تصرفاته، وكل ما يحصل في العالم من الخضوع والذل لأسياد من البشر، إنما هو جهل فاضح وواضح ومكشوف بصاحب الجلالة الأعلى عز وجل، الذي كرم بني آدم، خليفته على الأرض، ولا يرضى الخضوع إلاّ لذاته الجليلة مصداقاً لقوله تعالى: إن الذين تدعون من دون اللّه عباد أمثالكم، فادعوهم، فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين (الأعراف: 194) وقوله تعالى أيضاً في (سورة يوسف: 39): أأرباب متفرقون خير أم اللّه الواحد القهار صدق اللّه العظيم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"